اغتيال وانبطاح سياسي / أبو العباس ولد أبرهام

من غرائب المشهد السياسي الموريتاني أن رفض الانتخابات يأتي من المدن أكثر مما يأتي من الأرياف (سواء المقيم منها في المدن أو المتريف). وهذه ظاهرة نادرة في علاقات البرجوازية والريف. وفي الأحوال العادية تصبح الانتخابات شأناً مقدساً للبرجوازية لأنها وسيلتها للتمدد والتسيد.

ولستُ هنا مهتماً بالتنظير في انقسامات المشهد لأن هذا التنظير يعني وضع قواعد ويعني وضع تعميميات. ولكن حزب التكتل هو الأكثر وفاءً اليوم لمطالب عدم تقديس وتوقير انتخابات صاغها الجنرال عزيز أساساً بهدف إقصاء الطبقة الوسطى وتقوية مهرجيه البدلاء. ومن سخرية الأقدار أن الطبقة الوسطى التي تستفيد من موقف التكتل (الذي كان موقف كل المعارضة قبيل ساعات) تقوم بخطط بديلة للاستفادة من الفضلات التي يقدمها الجنرال في الانتخابات التي لا ترغب فيها.

ولم يحدث الأمر دون تصرفات مثيرة للضحك. اتحاد قوى التقدم الذي تزعم مفاوضات رفض الانتخابات وأعلن فشل المفاوضات وجد نفسه فجأة فيها. وتكفي قراءة تبريرات رئيس حزب تواصل لقرار المشاركة لصباح سعيد مليئ بالضحك والقهقه. وفي نفس الوقت ليس هنالك ما هو أكثر إخافة من نزعة البراغماتي تقديم براغماتيته في غطاء من المبدئية والأصالة والديمقراطية وإرادة التغيير. وعندما يصل للسلطة يمكن توقع طفشاته القذافية المصاحبة لمزعمهه الجدي وادعاه في العلم فلسفة.

إن المنعرج البراغماتي في تواصل وتقدم ليس جديداً، بل هو رواسب وتراكم. وابتداءً من 2008 وجدت قوى كبيرة في الحزبين خياراً استيراتيجياً في تأمين أظهرها سلطوياً من أجل إبقاء ولاء تمدداتها الريفية (أو الترييفية للمدينة في الضواحي الأصولية المهاجرة وروافدها الدعوية والعصبوية). وكان هذا الخيار يعني تحويل مهمة الحزب ليس إلى المعارضة، بل إلى المحافظة على كيان الحزب في عالم عاصف من القلاقل الانتخابية والرحيل السياسي. لقد قطع تواصل خطوة كبيرة في هذا الاتجاه عندما انشق عن الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية وتحالف مع الجنرال عزيز في انتخابات مجلس الشيوخ المزورة في يناير 2010، ثم دخل معه مفازضات ائتلاف في النصف الأخير من 2010 والأول من 2011. لقد تمّ كشف هذه المفاوضات من قبل الحزب الحاكم ومفاوضه محمد يحيى ولد حرمة ثم من قبل وثائق السفارة الأميركية.

أما اتحاد قوى التقدم فقد علّق خياراته البراغماتية طوال 2008-2013. ثم جاء ركوعه 2013 على ثقل قواعده الراغبة في المشاركة وخصوصاً في مناطق الضفة ومثلث الفقر ونواحيه. ولقد أسفر الأمر عن ضربة مذلة لرئيس الحزب نفسه. في أحزاب أخرى لم يحدث أصلا نقاش. وهذا من فضائل مبدأ الطاعة وتفضيل البعض على البعض في الرزق. ولن يكون بمقدور المناضلين الصغار الذي أرعدوا ضد المشاركة الآن إلا شفط أقدامهم والدفاع العصبوي عن مواقف نعرف كلنا أنها لا تعبّر عنهم.

في المقابل بالغت بروباغاندا “التكتل” في استدعاء قصة مؤامرة مخابراتية. تواصل وتقدم قاما بانبطاحهما للانتخابات الناقصة ليس بأوامر استخباراتية، بل استسلاماً لمطالب قاعدية عريضة. ويمكن تسخيف هذه المطالب وتبيان خطرها دون الجزم أنها عمالة.

ومن المهم إثارة قضية التكتل هنا، لأن ما يبدو إلى حد الآن هو عملية اغتيال سياسية تقوم بها المعارضة التقليدية ضد التكتل، (وربما اتحاد قوى التقدم ضد رئيسه). لقد حاولت المعارضة اغتيال التكتل في 2007، وكان هنالك شيئ أنقذه: انقلاب 2008. إن التكتل لن يموت لأن مستقبله مرتبط بعدم استقرار نظام غير مستقر.

 

المصدر:  صفحة الكاتب على الفيسبوك

https://www.facebook.com/abbassbraham

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى