التضامن (الجزء 1)
التضامن :هوالإندماج في مجتمع ما أو بين مجموعة من الأشخاص وجيرانهم ونوع ذلك الإندماج ودرجته ـ ابن خلدون ـ
يشير ابن خلدون إلى الروابط في المجتمع التي تتصل بين شخص وآخر , ويصنف التضامن أحيانا كنوع من الإشتراكية السياسية التي تقوم على أساسيات تختلف من مجتمع لآخر , حيث يقوم في المجتمعات البسيطة على أساس القرابة والقيم المشتركة , أما في المجتمعات الكبيرة والمعقدة نسبيا فتتعدد النظريات حول ما يُفعل التضامن الإجتماعي .
أما بالنسبة ل :إميل دوركايم ـ فأنواع التضامن الإجتماعي ترتبط بأنواع المجتمع , ويوجد نوعين من أنواع التضامن ـ أولهما ميكانيكي يأتي تماسكه واندماجه من تجانس الأفراد عن طريق العمل المتماثل والتدريب التعليمي والديني وأسلوب الحياة ويوجد عادة في المجتمعات التقليدية . أما النوع الآخر فهو عضوي يأتي من الإستقلال الناتج عن تخصصات العمل وتكاملهاوهو مايحدث في المجتمعات الحديثة والصناعية .
بيد أن الإسلام قد أقام منذ القدم أزدواجية بين الفرد والجماعة فأوجب على كل منهما التزامات معينة تجاه الآخر , إذ تمتزج في الإسلام المصلحة الفردية والمصلحة العامة , بحيث يكون تحقيق المصلحة العامة متضمنا لمصلحة الفرد , فالفرد في المجتمع مسؤول تضامنيا عن حفظ النظام العام , ومطالب بالسهر على مصالح البلد والإسهام الجاد في ذلك , وهو مسؤول أيضا عن كل تصرف يمكن أن يسيئ إلى المجتمع أو يعطل بعض مصالحه مهما كانت الدواعي والأسباب ,ولقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك تمثيلا رائعا , حيث قال : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) صحيح مسلم .
وترتسم أسمى معاني التكافل الإجتماعي من خلال الآية الكريمة {يآيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }. فهذه الآية تعلن مبادئ تكافل اجتماعي دولي بموجبه تنتظم كافة المجتمعات الإنسانية في رباط عالمي من أجل تحقيق الهدف السامي والنهائي الذي ينحصر في إقامة مصالح العالم ودفع المفاسد عنه بشكل عام , وتبادل المنافع بين بني البشر سواء كانت مادية أو معنوية , وطبعا هذا لايقتصر على الجيل القائم فقط وإنما يتعدى ذلك إلى نظرة شاملة تضع في الإعتبار مصالح أجيال المستقبل , وهذا ماتختفي ملامحه في مجتمعنا اليوم وفي أفراده , حيث يكثر اليوم السعي وراء الكسب المادي بغض النظر عن سلامة الطرق المتحصل عليه بها , وفي تجاهل واضح لغبن الآخرين أو الإهتمام بمصالحهم كأفراد في نفس المجتمع , وطبعا يستباح المال العام دون الإكتراث بما ينجم عن ذلك من هدر للطاقات وتبديد للمقدرات, مما ولد نفور شديد بين أفراد المجتمع وجماعاته وأحزابـــــــــــــــه وزرع الضغينة بينهم , ومالإنسداد السياسي الحاصل في هذه الأيام إلى وجه من أوجه تفسير ذلك , طبعا هذا إلى جانب بروز جماعات وحركات تطالب هي الأخرى بحقوق الأفرد والجماعات المغبونة والمهمشة و المستغلة ….
اختلفت الشعارات وتعددت الطرق وتنوعت الأساليب والهدف واحد , جلي وصارخ مضمونه الحصول على مصلحة ضيقة على حساب المصلحة العامة , والمطالبة بمايحلو للفرد كي يحصل على مبتغاه .. وإن اقتضى ذلك تفرقة شعوب وفصل أقاليم وتمزيق وحدة ترابية ….
يتواصل بإن الله
[email protected] عثمان جدو ـ كاتب وناشط حقوقي