غزة..عائلات تنام معا لتموت معا
بي بي سي:
الزمان أنفو – في قطاع يكوّن الأطفال أكثر من نصف سكانه البالغ عددهم حوالي مليوني نسمة، تكون الحرب أشد وقعاً لما تتركه من آثار كبيرة على هذه الفئة ولسنوات طويلة.
وقد يتساءل البعض، كيف يمكن للأهل أن يخففوا من وطأة القصف فوق رؤوس أطفالهم؟ وهل هناك أصلاً وقت ورفاهية للرعاية النفسية خلال الحرب؟
في هذا التقرير سنجيب عن هذه الأسئلة من خلال شهادات بعض العائلات التي عايشت الحروب المتكررة على القطاع، إلا أن الحرب الحالية “ليس لها شبيه” كما يصف العديد من سكان غزة.
“أهالي القطاع أجمعوا على فكرة واحدة، ننام معاً كي نموت معاً”
الصحفية حنان أبو دغيم تقول عبر محادثة مقتضبة أجريتها معها عبر تطبيق واتساب إنها تخلت عن مهنتها في هذه الظروف كي تبقى مع أطفالها.
إعلان
وتضيف: “بيتي في حي الرمال تضرر بشكل كبير، منذ أيام نزحت عنه إلى بيت أخي حيث تبيت ثلاث عائلات معا. عندما يشتد القصف، يبدأ الأطفال بالتشهد، عند اشتداد القصف أقوم بجمع الأطفال وأحاول أن ألهيهم باللعب معاً مع أني نفسي بحاجة لمن يهدأ روعي خلال القصف ويساعدني نفسياً، نحاول التغلب على الوضع بالقول للأطفال: إنها أزمة وستمر وأن الله معنا”.
حنان، التي تثمن دور الصحفي في هذه الظروف، تقول إنها ترى أن سلامة عائلتها تأتي أولوية، وتضيف: “أؤكد لك أن أهالي القطاع مجمعون على فكرة واحدة وهي أن يناموا مع أبنائهم جميعاً في نفس الغرفة حتى إذا نزلت قذيفة على البيت، يموت كل أفراد العائلة معاً كي لا يبقى أحد حياً ويتحسر على الأموات”.
“عندما ينتهي القصف سأشتري لك هدية جميلة”
أمٌ أخرى تدعى سحر كمال، تعيش في خان يونس جنوب قطاع غزة لديها طفلان، عندما يشتد القصف تبدأ ابنتها ريتال – 4 سنوات – بالشكوى من صوت القصف المزعج والذي يسبب لها ألماً في الرأس، فتعدها سحر بـ “هدية جميلة فور هدوء الأوضاع شريطة ان تهدأ”، كما تحاول سحر إصدار أصوات مضحكة كي تجعل طفلها ذا العامين يضحك هو الآخر.
ليلى محمد، ثلاثينية وأم لخمسة أطفال، تقول إنها كأم تشعر بالخوف الشديد على أطفالها وتحاول حمايتهم داخل البيت حيث تعتبر الخروج والتشريد “صعباً جداً وفي هذه الحرب لا يوجد مكان آمن أبداً، ومن خلال تجربة التشريد في الحروب الماضية لا تزال ابنتي سلمى تتذكر هذه اللحظات وكل يوم تقول لي لا نريد أن نخرج من البيت لا أريد أن أموت خارج بيتنا، فهي تشعر بأن الصواريخ تلاحق أي شخص يمشي في الشارع لأننا عشنا هذه اللحظات من قبل وهي تخاف من ذلك، وفي الليل تصيبها حالات الذعر الشديد من صوت الطائرات”.
ليلة في غزة :”حتى الشموع غير متوفرة”
لا يبدو الوضع مختلفاً كثيراً عند منال سالم، التي تقول إنها تجلس مع أبنائها في الغرفة ويبدؤون بترتيب الألعاب كي لا يركزوا في أصوات القصف. وتضيف: “ابني الأكبر فارس بعمر الثماني سنوات يذهب إلى الحمام كثيراً وفي بعض الأحيان يتبول على نفسه، وذلك من الخوف الشديد. إنه يكره صوت الطائرات. أنتظر أن تهدأ الأمور قليلاً لكي أذهب إلى أخصائي نفسي لمعالجة أطفالي والخروج من هذه الحالة”.
“أغاني الأطفال كانت تعلو على صوت الصواريخ”
تصف إيمان بشير هذه الحرب بأنها “لا تشبه ما شهده القطاع من حروب سابقة”. كنت قد تحدثت إلى إيمان وهي أم لثلاثة أطفال خلال الحرب السابقة على غزة في مايو أيار عام 2021 . وقتذاك أفادتني ببعض المحاولات الشخصية لمساعدة اطفالها نفسياً للتعامل مع آثار الحرب، مثل قراءة القصص أثناء القصف، واذا كان القصف عالياً تعمد إلى تشغيل مكبرات الصوت ببعض أغاني الأطفال كي يعلو على صوت الصواريخ في الخارج.
لكن الآن، وخلال هذه الحرب التي بدأت صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول فتقول إيمان في رسالة مقتضبة جدا عبر الواتساب: “هذه المرة (الحرب) مختلفة، سيئة جدا، لا أدري ماذا أفعل، فزوجي خارج البلاد وأنا معي 3 أطفال، وما يزيد الوضع سوءا هو انقطاع الكهرباء فلا أدري ما العمل، ادعوا لنا فقط”.
“أزمات نفسية متواصلة”
نشرت منظمة “أنقذوا الأطفال” تقريراً العام الماضي، تعرض فيه مقارنة بين الحالة النفسية للأطفال في قطاع غزة في السنوات الأخيرة، وأظهرت أن حوالي 88 بالمئة من الأطفال يعانون من اضطرابات عاطفية عام 2022 مقارنة بما نسبته 55 بالمئة في الأعوام السابقة، إلى جانب عدد آخر من الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأطفال وآخذه نسبتها بالازدياد كالخوف والقلق والحزن الشديد، بحسب التقرير.
ويُعد قطاع غزة من بين أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، حيث يعيش فيه حوالي 2.3 مليون فلسطيني في منطقة طولها 41 كيلومترا (25 ميلا) وعرضها 10 كيلومترات. ويعتمد نحو 80 في المئة من سكان غزة على المساعدات الدولية، بحسب الأمم المتحدة، كما يعتمد نحو مليون إنسان على المساعدات الغذائية اليومية.