أكسلانس / عبد الرحمن ودادي
قرأت مرة في مقابلة مع احد اساطين الدبلوماسية العراقية أنه حين كان سفيرا بلندن حصلت معه قصة طريفة خلال التحضير لاستقبال الأمير عبد الإله الوصي على عرش الملك الطفل فيصل الثاني.
تتلخص الواقعة في ان احد المستشارين في السفارة طلب الإعفاء من استقبال الأمير المبغوض و رمز العمالة للإنجليز.
دهش السفير من الاستعفاء الغريب للدبلوماسي الشاب وراح يهدئ من روعه و يجبر خاطره و يقول له في ابوية و حنان صبرا يا بني فقد تحمل العراق هولاكو وغيره من الطغاة العابرين ، إننا نستقبل هذا المخلوق احتراما للعراق و رأفة بأهله من الفتنة و كلنا نأمل بل و نعمل على الخلاص من هذه الحالة المعيبة و المشينة.
كلما زاد السفير شحنة الأبوية و التضامن راح الشاب يرفع عقيرته بسرد جرائم الوصي على العرش و اتهامه بقتل الملك غازي المحبوب لدى العراقيين و يستحث النخوة و الشرف و روح المواطنة في السفير والطاقم الدبلوماسي و يطلب اعفائه من الاستقبال و يعبر عن ان عيناه لا تستطيعان احتمال رؤية أناس يحترمهم و هم يقبلون يد رمز الخسة و النذالة كما جرت العادة في المراسم الملكية العراقية.
ذهل السفير و كلمه و عن امكانية فقدانه لوظيفته و ما يترتب عن ذلك من آثار مدمرة على مسيرته في الحياة لكن الشاب رفض و تمنع و في نهاية المطاف حصل صلح على ان يتضامن السفير و طاقم السفارة مع الدبلوماسي و يمتنعون معه عن تقبيل اليد الحقيرة.
وصل الوصي متمايلا و متغنجا كغصن خيزران يفيض بالنداوة و الطراوة …. يتضوع بالبخور ويقطر بالعطر و مد يده مصافحا اركان السفارة الواحد تلو الآخر.
ظهر تأثير خطابات الشاب في اوجه المستقبلين برودا و فتورا لا اراديين و أمتنع أي من الطاقم من تقبيل اليد.
بمجرد وصول الامير المغناج الى آخر الصف ومد يده للدبلوماسي الثوري طأطأ رأسه و اخذ في لثم يده وجثا على ركبتيه محاولا تقبيل القدمين في مذلة ملفته للانتباه حتى تلافاه و رفعه من تلك الوضعية المزرية فراح يصرخ و يزعق “عاش الأمير الهاشمي ، عاش رجل العراق القوي عاش عاش عاش …” .
يروي السياسي العراقي ان الأمير التفت بمجرد خروجهم من مكان الاستقبال سأله عن اسم الشاب المؤدب و طلب من وزير الخارجية تسجيل اسمه و استدعائه لا حقا لسهرة خاصة …….
بعد اشهر قليلة اصبح الدبلوماسي الشاب وكيلا لوزارة الخارجية و صار لزاما على السفير المرور به قبل كل سفر لأخذ التوجيهات و النصائح.
إنها المهارة في الخداع و رفع العقيرة بالشعارات الزائفة و الاعتماد على نخوة الآخرين و احترامهم لأنفسهم من أجل ادارة الظهر لهم في اللحظة الأخيرة للحصول على مكسب رخيص.
فقد حزب التكتل الكثير من البلديات الهامة و رئاسة المجموعة الحضرية للعاصمة نواكشوط و اكبر تمويل مالي للأحزاب السياسية و اكبر عدد من النواب البرلمانيين في صفوف المعارضة و اكبر عدد من المستشارين البلدين و منصب زعيم المعارضة بكل امتيازاته احتراما لتعهداته وخسرت موريتانيا امكانية تنازلات جدية كان النظام مستعدا لها و لكن منعته منها وعود قدمت تحت الطاولة بشق صفوف أحزاب المنسقية و هو ما تم بالفعل العمل عليه بكل جدية.
هل انتهت القصة طبعا لا …..
اوصل عبد الإله المخنث العراق الى شفير الهاوية و ثار الجيش و الشعب و قتل الملك و كل افراد عائلته و انتهى بالأمير عبد الاله قتيلا برصاصة في الرأس وسحلت جثته في شوارع بغداد.
أما الدبلوماسي الشاب و الفهلوي و الشاطر فقد التقاه السفير بعد ذلك بسنوات لابسا بدلة سموكينغ ممزقة حافي القدمين يزعق و يشتم بوابا يمنعه من دخول احد النوادي الراقية.
سأل السفير عنه فأجابه البواب :
هذا مجنون يلقب نفسه “بأكسلانس” و يدعي انه وكيل وزارة الخارجية السابق.