سيدي علي بلعمش يهاجم “الفاسي” و” مساء” المغرب

لا تزال يومية “المساء” المغربية (و هي صحيفة شعبية مشاكسة، ناطقة بلغة رابعة بين الدارجة المخمورة و الفصيحة المكسرة)، تعلن منذ تأسيسها سنة 2006، عداءها لموريتانيا، و استهتارها بمصالح بلدها، معتبرة مواقف “حزب الاستقلال” مريضة النزعة و الأطماع، مرجعا تاريخيا أوحدا..

و ها هي “المساء” اليوم في حالة سكر بينة، تطل علينا بملف (من لفافة حشيشها) تحت عنوان “كيف ضاعت موريتانيا من المغرب” تترنح فيه تحت تأثير نشوة طاغية، بين أحلام يقظة مهزومة و أماني عاجز متباكية، ملوحة بتاريخ مهلهل لا تتكلم عن تفاصيله و منطق مبتور، لا تتقن السباحة في عكر مياهه.

تخبرنا “المساء” في ملفها (11 أكتوبر 2013)، أن موريتانيا “ضاعت” من المغرب و لا ندري هل هو فهم خاطئ للضياع أو ضياع غير خاضع للفهم، مثل إطلاقهم لفظ “عائد” على من لم تطأ قدماه أرض المغرب قط !؟ فهل تتكلم “المساء” عن ضياع موريتانيا كانت في يوم من الأيام جزء من الكيان المغربي أو عن ضياع الجهود المغربية في ضم بلد عجزت فرنسا عن فتحه و ستعجز أي أخرى عن كسره؟ ـ أن تضيع الجهود المغربية، هذا لا يعنينا في شيء. ـ أن يضيع عجمي في استخدام لغة الضاد، مستعذبا مصطلحات العرب دون إدراك دقيق معانيها، هذا ما تعودنا عليه في هذه البقعة من الأرض و هو أمر يؤسفنا على كل حال، لأنه جزء من مسؤوليتنا التاريخية.. ـ و إذا كانت “المساء” تتحدث عن “ضياع” مليون و نصف المليون كم مربع من الجبال و الوديان و البحار و الأنهار من نصف مليون كم مربع من مزارع الحشيش و الطماطم، كان أولى بها أن تتحدث عن ضياع المغرب لا موريتانيا..! و سنسامح “المساء” في أخطائها اللغوية و الجغرافية و في حساباتها الرياضية، لكنه يظل من مسؤوليتنا أن نعطيها دروسا في ما تحتاجه لنكون أكثر انسجاما مع التزاماتنا التاريخية  و أكثر وفاء لمأساتها الأزلية.  
 
فليعذرنا الشعب المغربي الشقيق في هذه الردود القاسية التي ما كان لها أن تصدر منا لولا هذا التطاول الدائم و الإساءات المتكررة و التي سيحاول آخرون غدا البناء عليها كـ”وثائق تاريخية عظيمة” كما تعودنا من هذه الزمرة الشيطانية المصرة على وضعنا في مواجهة دامية ليس فيها ما يمكن كسبه، مع شعب شقيق نكن له الحب و الاحترام..

لقد تطاولت صحيفة “المساء” القزمة للمرة العشرين على بلد (لا نقول عظيما و لا كريما لأننا لسنا مسكونين بعقدة التاريخ، لكنه بلدنا)، من الواضح أنها تجهل تاريخه و من الأوضح أنها تجهل تاريخ بلدها الذي تعرضه بمثل هذه الإثارة غير المدركة لما في الجبة، لما لا تستطيع كل الأقلام المغربية الرد عليه بغير التحسر و الاستكبار.. 
 
و لأننا في موريتانيا نشبه هذه الهستيريا المغربية بـ”طمع إبليس بالجنة”.. و لأننا في موريتانيا ندرك أن “حزب الاستقلال” ليس سوى مكب فضلات الأحلام الرسمية غير القابلة للتحقيق، لا يتكلم في غير الوقت الضائع و لا يتألم لمشاكل شعبه الجمة إلا حين تنهزم الأطماع الرسمية لإلهاء الشعب المغربي عن مشاكله الحقيقية.. و لأننا في موريتانيا “نرى جُميلا كما يرانا” و نفهم أن زلات “حزب الاستقلال” و صحيفة “المساء” (التي لا تضر في الحقيقة إلا سمعة و مصالح بلدهما المتخبط مثلهما في أوهام سياسة لا يملك فكرها و معارك لا يملك جيوشها و أطماع يجهل تاريخها)، لا تصنع غير حقول ألغام بلا خرائط ستظل ضحاياها عبر الزمن ممن يسيرون على آثارهم .. و أنهم يقعون عن غير قصد، في فخ سوء التقديرات و استخفاف الخصم و دائرة عمى العظمة الموهومة و الجهل المركب.. و لأننا في موريتانيا أبناء حضارة مهيمنة و ثقافة مهيمنة و لغة مهيمنة، و شموخ متبجح،
كان باستطاعتنا أن لا نرد على سخافات سقيمة، صادرة من قمقم يتنفس منذ ولد في بؤره، يعوض كبته الداخلي بانفلات خارجي لا يبالي بما يعنيه. لكن التاريخ في هذه المنطقة جزء من أمانتنا و ترويض عقول أهلها على استخدام المنطق و البيان جزء من مسؤوليتنا. لقد علمنا الإسلام أن لا ننتصر لأنفسنا وعلمتنا الصحراء أن الذئاب تعوي جوعا لا دلعا و أن الكلاب تنبح دفاعا عن نفسها لا هجوما.. لقد حمل عمر (رضي الله عنه) في جاهليته، على رجل ذات مرة فجلس يبول فاستحى أن يضربه حتى ينتهي، فظل الرجل جالسا حتى أدرك عمر أنها حيلة، فضحك و تسامى.. فهل نحمل نحن على الفاسي إذا فسا أو “المساء” إذا مَسَأت تخلعا و مجونا؟ ليتكم تنظرون إلى صورتكم في مرايا الآخرين.. في أحكام الآخرين.. في اعتبارات الآخرين.. ليتكم تفهمون أن الانتصارات التاريخية لا تصنعها الأبواق المبحوحة.. أن التفوق العقلي لا تصنعه العقول المكبوتة.. إلى متى تصنعون سعادتكم من آلام الآخرين إلى متى تصنعون أمجادكم بإلغاء الآخرين إلى متى تستسلمون لوسواس قهري لصنع حلم في مخيلاتكم المريضة، تعويضا لمآسي واقعكم المرير؟   

ـ تذكروا قبل أن تطالبوا بحق تاريخي في موريتانيا سيظل دونه خرط القتاد، أن بلادكم تعيش منذ عقود من الزمن سلسلة من الإخفاقات السياسية و العسكرية و الأخلاقية.. ـ مع الأمم المتحدة ـ مع الاتحاد الإفريقي ـ مع الجامعة العربية ـ مع الجزائر ـ مع الصحراء ـ مع إيران ـ مع ليبيا تعلموا ـ رفقا بأنفسكم ـ كيف تنزلون من على ظهر نمر التاريخ قبل أن تركبوه .. تعلموا ـ إشفاقا على أنفسكم ـ كيف تحافظون على الموجود قبل المطالبة بالمفقود.. تعلموا ـ إكراما لأنفسكم ـ كيف تتعايشون مع الآخر قبل أن تفكروا في العيش على حسابه.. تعلموا ـ ثقة في أنفسكم ـ أن تعيشوا على نصيبكم من الدنيا.. أن تنوء كواهلكم بثقل همومكم من دون أن ترموا بها على الآخرين.. نحن لا ننحني لغير الله، فهل تطالبون بموريتانيا أو تستنجدون بها؟ أم فهمتم أننا لا نفسد أعمالنا بالمن فأردتم تكرار قصة يوسف بن تاشفين الذي أصبحتم تدرسون لأبنائكم أنه كان أول “العائدين” ؟ نحن أبناء شعاب التمرد و الفضاءات المفتوحة، و الحريات المطلقة، لن تستطيعوا معنا صبرا، فهل تعيشون معنا في صفاء سمائنا (فندق الألف نجمة) أو نعيش معكم في غرف التحقيق و أزقة الشفارة و الكباريهات المظلمة؟ ـ نحن أبناء الكتاتيب و المحاظر و الأوراد فهل تحولونها إلى معالم سياحية مدرة للدخل أو نحول حاناتكم إلى ملاعب قوافي مضرة له؟ ـ نحن نكتب التاريخ و أنتم تمحونه.. ـ حن نصنع التعايش و أنتم تدمرونه.. نحن نصون العروبة و الإسلام في هذه الربوع بالتسامح و التناسي و التسامي و أنتم تذكون نار الحقد و الكراهية بين شعوبنا المستباحة و بلداننا الممزقة..

ـ عليكم الآن (و أعرف جيدا أنكم لن تفهمونها قبل فوات الأوان) أن تفكروا في حماية الطنطان و سيدي إفني، لأن ثورة مخيمات الداخل حسمت المعركة و حددت بوضوح اتجاه البوصلة التاريخية و مآل زبد الأباطيل المفبركة و ما تبقى ليس سوى مسألة وقت… ـ عليكم أن تتغنوا على “ليلاكم” (السبية) قبل التغني على “عيون” بنات النعمان بن المنذر. تعلموا قبل أن تطالبوا بموريتانيا، كيف تراودون أميرة عربية .. تعلموا أساليب الغزل العربي قبل أن تخطبوا ود أميرة عربية.. تعلموا عادات و تاريخ العرب قبل أن تتحدثوا إلى موريتانيا.. تعلموا حساسيات و محاذير العرب قبل أن تتحدثوا عن موريتانيا.. تعلموا من عروة بن الورد كيف تركبون فرسا عربيا جامحا .. كيف تقنعون أنفسكم بالاستغناء عن ركوبها.. كيف تكتفون من الغنيمة بالإياب.. خمسون عاما من الإساءات، كنا نعذر فيها جهلكم.. نتجاوز فيها طيش سفهائكم.. نلتمس فيها اعتذار عقلائكم.. خمسون عاما تلهثون خلف حلم في قبضة المستحيل، من دون أن تفهموا أن موريتانيا أكبر من فضاء استيعابكم و أطهر من خرائطكم السياحية و أعز من أن تخضع للتجنيد الإجباري و التجهيل الإجباري و الترهيب الإجباري.. أنتم واهمون .. أنتم ساذجون .. أنتم ضائعون .. أنتم غارقون في وحل التاريخ .. في ذنوب “تازمامرت”.. في جنون عظمتكم الموهومة.. ـ عليكم، حين قررتم أن تمسكوا التاريخ من ذيله، أن تفهموا أنه سيلدغكم لا محالة كما لدغكم ألف مرة من قبل حين مسكتم ذيل الجغرافيا و ذيل العروبة و ذيل الحضارة و ذيل العمالة الغربية و ذيل التبعية المهينة.. ـ التاريخ تصنعه خيول ابن تاشفين لا أحلام الفاسي .. ـ التاريخ تصنعه دماء ثورة المخيات، لا أباطيل حزب الاستغلال.. ـ التاريخ تصنعه زغاريد الماجدات، لا عويل أكاذيب “المساء”.. ـ التاريخ تصنعه الشعوب الجبارة.. تصنعه العقول المستنيرة .. تصنعه الإرادات الحرة. فعن أي تاريخ تتحدثون؟ عن أي شواهد تنبشون؟ ـ التاريخ تدمره الشعوب القابعة في دجى “مساء” الأنظمة الاستبدادية.. تدمره الشعوب الخانعة لعدالة الظلم .. الشعوب النائمة خلف الجدران العازلة.. الباحثة عن إقامات بديلة و جوازات بديلة و واقع بديل و أوطان بديلة.. ـ تعلموا أن تمشوا على جراحكم.. أن تكبحوا جماح نزيف عقدكم.. أن ترحموا أنفسكم.. مشكلة “المساء” هنا في ملفها المخجل في قالبه الفني و محتواه العلمي و قيمته التاريخية، أن ما تسميه “شواهد تاريخية” لا يتجاوز بعض الأماني المريضة لشخصيات غير سوية، فماذا يضيف تاريخيا، بكاء الفاسي على موريتانيا؟ لكن مشكلة “المساء” الأكبر (كغيرها من المتطفلين على التاريخ) هو فهمها السياسي السطحي جدا لقضية وجدانية معقدة: تنحدر الأسرة الحاكمة في المغرب من الدوحة النبوية الشريفة و حبها جزء من إيماننا؛ فنحن نتضرع إلى الله عشرات المرات يوميا “اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين كما صليت و باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد” و حبنا لآل النبي (صلى الله عليه و سلم) و مبايعة بعضنا لهم قضية وجدانية لا بيعة سياسية كما أن إيماننا بملة إبراهيم (عليه السلام) قضية إيمانية لا يترتب عليها أكثر من ذلك. و نحن ندرك جيدا أسباب اللبس في هذا الفهم لكل ذهنية لم تحفـر أبعادَها الثقافة العربية بأساليب بلاغتها الإعجازية و علوم لغتها الفلسفية.. أنتم بمثل هذا الفهم تفسدون ما أصلحه التاريخ و تطلبون بالأماني ما لا يدرك بأي معجزة أخرى؛ المجتمع “البيظاني” بموريتانييه و صحراوييه و أزوادييه هو بحر إمداد الثقافة المشكلة لأهم عوامل وحدة بلدكم لا العكس و العمل على قلب هذه الصورة كما تحاولون الآن، مشروع و من حقكم الكامل لكنه يذكرنا بقول أتاتورك إنه من العار على الشعب التركي العظيم أن يتبع ديانة أتى بها البداة العرب .. يذكرنا برفض الحضارة الفارسية العظيمة إتباع المذاهب السنية و ابتداعها مذهبا شيعيا لتكون النسخة الفارسية مصدر الإسلام العالمي، لكن ماذا نفعل إذا كان العالم الاندونيسي و الفقيه البنغالي و المفتي الباكستاني يرفضون أن يعودوا إلى غير مراجع المنبع؟ يمكنكم أن تحتلوا الصحراء .. أن تطالبوا بموريتانيا .. أن تؤيدوا أي موقف فرنسي معادي الأزواديين في مالي، لكنكم لا يمكن أن تهزموا الحضارة العربية و الإسلامية في المنطقة.. لا يمكن أن تهزموا الثقافة العربية التي هزمت الفرنسيين قبلكم، حين كنا أضعف من هذا بكثير.. حين جعلنا السنغاليين و الماليين و النيجيريين (…) يواجهونهم بفتاوى علمائنا و قيم حضارتنا. نحن على بيعتنا لآل البيت في المغرب، في موريتانيا، في الأردن، في العراق، في السعودية و في أي بقعة أخرى من العالم.. على حبنا لآل البيت حتى لو رفضوا أو اشترطوا ربطها بالمستحيل، لكننا لا نوقع على “وادي عربة” و لا يتحكم “آزولايات” في رقابنا و لا نبايع فرنسا على بقاء المنطقة خاضعة لإذلالها و ليس من مصلحتنا و لا من مصلحتكم أن نعيش تحت سقف واحد، لكننا لن نكون الرافضين على كل حال إذا كان باستطاعتكم أن تلزموا أنفسكم بما تملي علينا أمانتنا الخالدة.. و تضيف “المساء” في ملفها المتجني أكثر على المغرب بما يثير من أحكام مجانية و أباطيل مبتورة : “تتعدد الشواهد التاريخية و الوثائق و الاتفاقات الدولية المبرمة بين القوى الاستعمارية، التي ما زال يرقد أغلبها في مؤسسة علال الفاسي تكسوها غبار النسيان و الإهمال متفقة حول أمر واحد هو انتماء أرض شنقيط للتراب المغربي، لكن موجة التحرير التي سادت المنطقة و أطماع أسياد الصناعة الامبريالية حالا دون استرجاع ذلك الإقليم الشاسع”. موريتانيا لم تبرح مكانها بعد و لم تضع بعد؛ ما زالت أراضيها الشاسعة بجبالها و سهولها و بحرها و نهرها قائمة على موقعها القديم و الملك حق لا يضيع بالتقادم، فلماذا لا تطالبون بها اليوم؟ لو لم يكن من العار علينا أن نعيركم بموطن الخلل “التاريخي” في تفكيركم (شفقة عليكم) لأسمعتكم ما لا يكفي ما تبقى من دهر لمحو آلام مرارة حقيقته، لكنه علينا ها هنا ـ إكراما لعهود لم تحترموها و لم تقدروها قط ـ  أن نستحضر أعظم قيم التضحية: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” . أنتم تتخبطون في وحل قاتل .. أنتم تسرفون على أنفسكم .. أنتم، سيأتي يوم لا محالة تفهمون فيه أننا كنا أكبر منكم بكثير و أكثر إحساسا بالذنب و المسؤولية التاريخية منكم بكثير. و حتما، سيأتي يوم تعتذرون فيه لموريتانيا عن كل هذه الحماقات الطائشة و التطاولات السخيفة.. و تضيف “المساء” في ملفها “كان محمد الخامس مناصرا لفكرة إلحاق موريتانيا بالمغرب بناء على أواصر بيعة شيوخ القبائل للسلاطين العلويين، ففي 28 مارس من سنة 1958 استقبل وفدا عنهم مكونا من الشخصيات الآتية و هي : محمد ولد أباه و الدي ولد سيدي بابه و الشيخ أحمدو و محمد ولد عمير و هو الأمر الذي أثار حفيظة الدبلوماسية الفرنسية..” ـ ليس في موريتانيا اليوم و لا أمس و لا قبله مشيخات و لا طوائف و لا قبائل يستطيع أي كان أن يبايع أيا كان باسمها.. ألا تلاحظون حقا، أنكم تصنعون من كل حبة لكم قبة و من كل قبة للآخرين حبة؟ فمن تخادعون غير أنفسكم ؟ من تغالطون غير أنفسكم ؟ ـ ماذا يمثل هؤلاء غير أنفسهم؟ و على من يمثلون غيركم ؟ ـ و ما الفرق بينهم و بين من تسمونهم اليوم بـ”العائدين” (إلى حيث لم تطأ أقدامهم قط)؟ هي نفس السياسة التي لم تجنوا من ورائها سوى احتقان الشارع المغربي بسبب الامتيازات التي تخصصون لإغراء كل مرتزق من البيظان خانه الحظ في أي بقعة من الأرض و كشف أوراق مراوغاتكم غير المقنعة أمام العالم.. لا أنصحكم بالتعامل مع “البيظان” من هذا المنطلق لأن “الشهود التاريخية” التي تحاولون فبركتها على هذه الخلفية، ستكون ضدكم في الوقت الذي تدخرونها له: ـ ستجدون ـ حين تتأكدون أنكم أحكمتم قبضتكم على التاريخ ـ أن البيظاني “العائد” إلى العيون أو الداخلة أو غيرها (لأنه يفهم العربية أفضل منكم) كان يعني ما يقوله بالضبط أي أنه عائد إلى أرض أجداده و عبق تاريخ أوائله و مجد حضارته، لا إلى مغرب تزكمه روائح موائده و تعكر صفو مزاجه رطانة ألفاظ لهجاته.. ستدركون حينها، أنكم أنتم من لم يفهموه قط، لا العكس… ـ ستجدون أن البيظان في العيون و الداخلة و(……) الذين أنفقتم عليهم من الأموال أكثر مما أنفقتم على الحرب على البيظان في مخيمات تيندوف، هم من سيحررون الصحراء لا الشهود على مغربيتها.. و أنكم أنتم من كانوا يحاولون استغفالهم و استغلالهم، لا العكس… حينها قد تفهمون معنى بعض ما أقوله لكم الآن.. وحينها فقط، قد تفهمون القيمة الحقيقية للشواهد التاريخية و القيمة المضافة للثقافية الحامية.. و حينها، تكونون في موقع جيد (جغرافيا على الأقل) لتفهموا أن مشكلتكم الأكبر ليست في المطالبة بموريتانيا و لا في ضم الصحراء و إنما في الحفاظ على اكليميم و الطرفاية و الطنطان و السمارة و سيدي إفني و تيزنيت و ليست عروس المدائن المغربية (مراكش) ببعيدة عن مطالب البيظان و مرابطهم و إسطبلات خيولهم.. و حينها قد تفهمون أن التاريخ الذي تحاولون إيقاظه بهذا الإصرار، لن تتحكموا دائما في أن يظل يغمض عينا متى شئتم و يفتح أخرى تحت طلبكم..! إن سياسة الاستحواذ التي تواصلها تلفزيون العيون حتى الآن بنفس أساليب الماضي المراوغة و الركيكة، يصعب أن نحدد اليوم هل هي سياسية أطماع مغربية تدار بغباء فائق أو مكائد طمع بيظانية تدار بذكاء خارق.!؟
لقد أثبتت ثورة المخيمات أن علينا جميعا أن “نعود” إلى المدن الصحراوية تحت أي غطاء. و أثبتت مسابقات الشعر الحساني في تلفزيون العيون أن من يحاول سرقة الحقيقة سيكون الخاسر الأكبر حين تنطق الحقيقة.. فلا يحتاج إلى من يرد عليه، من كان التاريخ خصمه.. لا يحتاج إلى من يرد عليه، من كانت الجغرافيا خصمه لا يحتاج إلى من يرد عليه، من كانت الثقافة خصمه و قطعا، لا يحتاج إلى من يرد عليه، من كان حزب الاستغلال رأس حربته و صحيفة “المساء” لسان حجته و قناة العيون قلعة فكره.. ـ خمسون عاما من الإساءات، كنا نسكت عنها في أمل أن ينضج العقل المغربي.. أن يكبر الوعي المغربي .. أن يفهم المغاربة أن الأحلام خلقت لكي لا تتحقق .. في أمل أن يفهم المغاربة أننا شعوب نحتاج إلى بعضنا.. نحتاج إلى سماء إخاء أرحب .. إلى فضاء وفاق أوسع .. إلى نقاء  أجواء  أرحم .. ـ خمسون عاما من الإساءات المتعمدة.. المنظمة.. الممنهجة، كنا نسكت فيها تشبثا بمسؤوليتنا التاريخية.. تفاديا لنكء جراح يؤلمنا أن تدمي .. يؤسفنا أن لا تندمل .. ـ خمسون عاما من الإساءات المتكررة صباحا و “مساء”، استوى فيها السياسي و المثقف و الجاهل و المسؤول و الرسمي و الشعبي.. اختلط فيها الحابل بالنابل بالفاسي بالمتغوط بالحشاش بالمخمور بالمخبول بالمعتوه، كأننا بلا سفهاء، بلا مغمورين ، بلا مغرورين.! ـ خمسون عاما من الإساءات المستفزة، كنا نقابلها بالتجاهل و التناسي و التجاوز و التعالي و التفادي و التقاضي، لتكبر مع الزمن؛ فلا كريما ملكنا و لا لئيما ردعنا.. ـ خمسون عاما من الإساءات المتخبطة في مقاتلها كنا نربأ بأنفسنا عن الانحطاط إلى مستواها.. عن الخوض في تفاهاتها، لنكتشف أنها تعيش مثل أصحابها على جهل مركب و لؤم راضع في تربص ممنهج من دموع عيون الفاسي إلى فساء قناة العيون .. على المغرب اليوم أن تلجم براغشها لكفها عن الإساءة إلى بلدنا .. أن تلزم نفسها بتحمل مسؤوليتها التاريخية قبل أن تجبرنا على الدفاع عن أنفسنا بما لا تتسع الأرض كلها لتبجح تناثره.. لقد كان الملك الحسن الثاني أذكى من جميع المغاربة و أكثر فطنة من جميع المغاربة و أوسع مدارك من جميع المغاربة و أدرى بما تخبئه الوثائق التاريخية من جميع المغاربة و أشجع من جميع المغاربة و أحرص على الملك و على المصالح المغربية من جميع المغاربة، فكان يتحاشى أي إساءة إلى موريتانيا بل كان أدهى حيلة و أعمق نظرة و أكثر حنكة منكم جميعا حين فهم أنه لا يملك أي دليل تاريخي للمطالبة بالصحراء فكان عليه أن يجعل موريتانيا طرفا في النزاع ليكون تنازلها عن جزء من الصحراء للمغرب هو الوسيلة الشرعية الوحيدة لإشراك الأخيرة في النزاع لأن موريتانيا وحدها هي من تملك ما يحتاجه الملف للمطالبة بأي حق تاريخي في المنطقة لتكون هي من أهدتكم الصحراء بعد أن أهدتكم مراكش .. أنتم تجهلون التاريخ لأنكم تعيشون في كهف.. تجهلون القانون لأن الاستسلام للقهر هو المادة القانونية الوحيدة التي تحكم حياتكم .. تجهلون السياسة لأن الركوع هو العبادة الوحيدة التي تصون كرامتكم.. تجهلون كل ما يحدث من حولكم لأن طيور الخوف عششت و باضت و أفرخت على رؤوسكم و أنتم على أنوفكم ساجدين.. فمن أين لكم أن تطالبوا بحق تاريخي تجهلون حقه و تاريخه؟ من أين لكم أن تكتبوا في تاريخ يمنع عليكم أن ترفعوا وجوهكم في صانعيه؟ من أين لكم كل هذا التطاول .. من أين لكم هذه الطلة البهية كأنكم نسيتم أننا كنا هنا!؟
 

؟

العنوان الأصلي

ماذا علينا إذا فسا “الفاسي” أو مسأ “المساء”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى