الترحال بين إغضاب الاقصاء و إرضاء الاحتضان / الولي ويد سيدي هيبه
ظاهرة الترحال السياسي ظاهرة لازمت الحياة التعددية الحزبية منذ نشأتها في هذه البلاد لكنها زادت مؤخرا مما أثار انتباه و إهتمام الرأي العام الوطني ومتتبعي الشأن السياسي الموريتاني حتى اختلط على المواطن إدراك ماذا يقع على الصعيد السياسي و تحديد موقع أحزابه و غرفتي برلمانه، السياسي الحقيقي.
و ظاهرة الترحال بدت هذه المرة مع اقتراب الاستحقاقات البلدية و البرلمانية الوشيكة، ظاهرة طافحة سرت في كل أوصال مشهد سياسيي يرثى لحال أهله وكأنها الإعصار في كل الجهات يعصف بكامل التضاريس و يخلط جميع أوراق توتها. ففي حالة كأنها المخاض و في هستيرية كأنها الهوس يقرر هذه الأيام عدد من الغاضبين المتمردين الانتقال على بساط الريح من “أطرهم” الحزبية بعدما لم تثبتهم على رأس قوائمها المرشحة، و اتبعوا القرار قرارا أغرب و اسرع من خلوف فم الحانق عند الصراخ، بالانضمام إلى أحزاب أخرى فتحت لهم أذرعها بكل حفاوةِ و سرورِ المتشفي في الغريم المنافس و أمدتهم دون تردد برأس قوائمها في ربحية لا ريب فيها، اقل ما يمكن القول عنها، إنه لا يخالطها أي لون من الخجل أو الاستحياء الذي تقتضيه بعقلية أخرى ولى زمانها ظروف أو مواقف كهذه. لا شك أن مسألة تغيير الانتماء الحزبي عندما تستند إلى تغيير في قناعات الأفراد الفكرية والسياسية التي تأخذ طابعا و أبعادا وطنية و تراعي المصالح العليا للبلد و حريات أهله و حقوقهم، تكون من هذا المنطلق مبررة ومنسجمة مع الحقوق الأساسية للفرد خصوصا عندما يكون هذا الأخير أمام إحدى الحالات المحدودة التي تطفو على السطح مع بروز مواقف غير متوقعة أو خارقة و غير مألوفة؛ لكن عندما يكون التغيير نتيجة عسف لقيادة حزب سياسي قائم بأكمله على الاستقطاب أو يشهد بداخله تلاعبا بثوابته و منهجيته و مسطرة قيمه و القفز على حقوق و عطاء أفراده المناضلين، فهنا تكون المشكلة بنيوية خطيرة تتجاوز الجانب القانوني والدستوري و تضع الحزب نفسه في دائرة التساؤل عن صحة بنيته و سلامة توجهاته و نجاعة اختياراته. ولا شك أن ظاهرة الترحال “الغرضي” يمكن أن تعتبر من منطلق ما نرى هذه الأيام من الهروب من أحزاب و الالتحاق بأخرى على خلفية الوزن المادي و القبلي و الجهوي و الإثني و الطبقي، تؤججها قيادات من داخل أحزاب سياسية منافسة بمباشرتها اتصالات مع المستائين و الغاضبين في الاطر الأخرى مشجعين الكثيرين منهم للإقبال على هذه الظاهرة والتي تدعمها في العمق و بالأساس مشكلة ثقافية وأخلاقية مرتبطة: – بهشاشة قيمة الالتزام الحزبي والسياسي التي تطبع العلاقة القائمة بين بعض الأحزاب والمنخرطين فيها، – وتفشي قيم الارتباط المصلحي والانتهازي و الزبونية والريع السياسي، المتأثرة بطبيعة الظرفية السياسية وتقلباتها في ظل الاستعدادات لخوض غمار استحقاقات بلدية و نيابية وشيكة و إن في أجواء تطبعها و تضعف ألقها مقاطعة بعض أحزاب منسقية المعارضة الديمقراطية القوية والمؤثرة في الطيف السكاني. فهل تستطيع المراجعات الدستورية و القانونية، إن سُنت و طُبقت، القضاء على ظاهرة الترحال السياسي أم أنها إن وجدت ستفسح المجال أمام نمط بديل من التحايل المبتكر على القانون والذي قد يتقمصه الترحال القبلي و الطبقي و الإثني في بلد يعاني ثلاثية العقد هذه، و لا يعير أي اهتمام لما تخبؤه من تقلبات سيئة المنقلب؟