إرادة المخالب… و قانون الأنياب
تتم معاقبة الاذكياء جدا الذين يرفضون الانخراط في العمل السياسي بان يُحكموا من قبل أولئك الاغبياء / أفلاطون السياسي يحتاج إلى القدرة على التنبؤ بما سيحدث غدا أو الأسبوع المقبل، الشهر المقبل، والعام القادم / ونستون تشرشل. تعريف “النفوذ” في المبادئ الأساسية لعلم الاجتماع ” نقصد بالنفوذ كل فرصة / إمكانية ضمان العلاقات الاجتماعية، تسمح للشخص بتنفيذ رغبته الخاصة، حتى لو كانت ضد مقاومة ما، وبغض النظر عن أساس هذه الفرصة” / ماكس فيبر
تعكس في هذه الأيام حمى الترشحات لخوض انتخابات البلديات و النيابيات الوشيكة، في دائرة قطب أحزاب الأغلبية و المُعَارِضَة المُشَارِكة بكل لون الطيف من جهة، و قطب أحزاب منسقية المعارضة مُقاطِعة و مُشارِكة من جهة أخرى، حالة البلد السياسية المرتبكة في تعاطي مترفيها من:
· أدعياء الاسبقية و الحنكة السياسية، و أنى لهم ميزانهما؟
· و ذوي الجاه و كيف أحاطوا بقدر أنفسهم العالي؟
· و أهل المال و كيف سيستردونه عندما ينتهي كل شيء؟
مع بناء الكيان السياسي الذي كان من المفروض أن يكون من ناحية “الرافعة المثلى” في وجه التحديات الجسام أمام إشكالية “الوجود و البقاء” المطروحة بإلحاح للبلد بـ”أمة موحدة” في منعرج تحوم به الصعاب و يتربص به المجهول في غفلة الراقصين على أوتار غيثارة ترف “التنافس العقيم” و طبلة “العظمة السادية” الواهية و النفوذ المضمخ برائحة الجاهلية، و أن يلبي من ناحية أخرى ضرورة الاسهام بالمشورة الواعية و التخطيط الرشيد و التوجيه المستنير و المراقبة الفعالة لعملية بناء كيان الدولة في الصميم حتى ترسو على دعائم العدل و تثبت أركانها على أسس مكينة هي الأخرى من التنمية الملحة بمقدراته الهائلة.
و هل أننا بما يجري من هذا التعاطي السياسي المحموم لا نشهد في العمق أي تحول ديمقراطي مٌخَلصٍ، بل تكريسا “إرتكاسيا” مخيفا لعقليتنا العصية على التغيير وقولبتها بمقتضى الأطماع السفسطية الجاهلة في مفاهيم العصر للتعامل بمقتضاها في دائرة صراع “الديكة التايلاندية” -التي لا يساوي دَمُها خارج الحلبة أكثر من بضعة دُرَيْهِمَات – على السلطة غَايةً دون البناء و تشييد دولة العدل و المساواة للجميع؟
و هل أننا نملك الإرادة الحقيقية المجردة من وساوس النرجسية السياسية و كوابحها، و ندرك عن وعي مُلتزِمٍ متطلبات العصر و ضروراته ؟
لا شك أن الارادة المفعمة بصدق المقاصد هي سر النجاح، و النجاح في أبهى تجلياته هو غاية الوجود. حقيقة أدركتها من حولنا أمم فخلقت لذواتها مستقرا من التوازن انصرفت في حماه إلى البناء و العمل، لا تلهيها اعتبارات تجاوزتها عُقُولُها التي صَقَلها العلم بفضائله من أدران جاهلية الغاب و سلطة المخالب و الانياب.
هذه الامم عرفت أهمية السياسة في حياتها، و كيف أنها في مفهومها النبيل و فلسفتها العالية و منهجها الصحيح و مقاصدها الايجابية، هي الطريق القويم و الآمن إلى إيعاز مهمتي الاستقرار و التنمية لأصحاب الدراية العالية و البصيرة النافذة و القدرة الوازنة على قيادة دفة السفينة في بحر هذا العالم اللجي الذي يشهد من أعماقه المظلمة ووسط أمواجه الهادرة و عواصفه و أعاصيره المتلاحقة تحولات كبيرة و سريعة.
فكيف للديمقراطية أن تؤتي أًكلها لدى مجتمع لا يقبل في ممارساته و عقلياته أن يسوده القانون و هو الذي يؤكد وجودها و يدعم قيامها لصالح البلاد و العباد، و يسود نتيجة استشرائه حتما مفهوم دولة القانون بدلاً من قانون الدولة و تتبلور أعلى درجات الثقة في النظام القضائي الذي يكون حينها ضمانًا للنظام الاجتماعي في معناه الشامل بعيدا عن السياسات التي تعير اعتبارا للقوالب التقسيمية النمطية الجاثمة على عقلية التحول من قبلية و طبقية و اثنية و جهوية. كما أنه يدفع إلى الخروج إلى السياسات الاجتماعية و الخدماتية والاقتصادية أسوة بدول المحيط القريب و من كل قارات العالم الاخرى التي تجاوزت بفضلها خط التخلف الذهني المُقيد و استخلصت من المراحل التي مرت بها و تمر كل الدروس و العبر ثم نسجت كل البرامج المفيدة و بنت على منوال أحسن الخطط.
معادلات قابلة للحل في الظروف السياسية الصحيحة التي يؤطرها بعد نظر “سِيِاسِيٍي” المرحلة و “أولو عزمها” إن وجدوا في كل أوصال مؤسساتها الدستورية القادرة وحدها على تكريس المسار السياسي الصحيح و الحفاظ عليه في تناغم و انسجام مع مسار “حكامة البلد الرشيدة” التي تكون نتيجة لذلك إفرازا طبيعيا و تلقائيا.
و لا يمكن لبعد النظر هذا أن يتأتى إلا بتضافر أمرين:
أولهما ان نعترف بانفصامنا في تفكيرنا المتحجر عن هذا العصر و بعدنا عن أساليبه و روحه وأننا ما زلنا نعيش ظروف الشعوب الاوروبية في الفترة الممتدة من نهاية القرن السابع عشر و الثامن عشر مع فارق جوهري متمثل في مستوى التحضر الكبير لديها آنذاك حتى اندلعت الثورة الفرنسية العظيمة عام 1789 التي تم خلالها رفع ما عرف باسم مبادئ التنوير وهي المساواة في الحقوق والمواطنة والحرية ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد والتسلسل الهرمي والطبقة الأرستقراطية والسلطتين الملكية والدينية.
و ثانيهما أن تكون النخبة التي تصل إلى المناصب السياسية المقدرة تقدير “البروج العالية المُراقِبة”، نخبة على قدر الوعي بدورها و المسؤولية المعلقة على عواتق أفرادها و مسلحة بقثة أطرها الحزبية التي من المفترض أنها خبرتها طويلا و جربت أداءها باستمرار و عرفت مستوى عطائها مطلقا من ناحية، و مزكاة بثقة الشعب الذي قدر مجهوداتها و أشر على صدقها و شجاعتها و دفعها إلى الأمام بأصواته، من جهة اخرى.
و لا يمكن، على العكس من ذلك إلا أن يظل الباب مفتوحا على مصراعيه للوصوليين و الانتهازيين و المتخلفين فكريا من كل طينة و صنف و المسكونين بهوس الاستقواء على الآخرين من كل الألوان و الأشكال و أن يظل الوضع السياسي بعيدا عن فكرة الوطن المحصن من عوامل التفكك و اسباب الضعف و الاضمحلال و من بعدهما الزوال… أجار الله هذه البلاد من ما لا بد منه إن ظلت الطريق ممهدة بما يوصل إليه… من غفلة و تقوقع في جاهلية الماضي و تعال على الواقع بما تنضح به أواني غسيله المهترئة و تنوء به حبال مناشفه الواهية.