“سالم دندو” وعين على السينما الموريتانية
رغم قسوة المناخ الصحراوي الموريتاني والصعوبات الجمة للإنتاج السينمائي إلا أن البيئة الموريتانية التي أنجبت عبد الرحمن سيساكو وآخرون، مازالت تنجب مبدعين في السينما ومنهم السينمائي “سالم داندو” الذي يحدثنا عن أهمية التعاون العربي والديكور الطبيعي الذي يوفره هذا البلد الذي يناضل سينمائيوه لضمان البقاء والاستمرارية. كان هذا اللقاء على هامش مهرجان وهران الأخير (الدورة السابعة).
السينما الموريتانية كانت حاضرة في الطبعة السابعة ب “أزهار تويليت” إلى أي مدى وُفق المخرج التونسي “وسيم القربي” في نقل ملامح وتفاصيل الحياة والبيئة الموريتانية ؟ في الحقيقة الفيلم بلغته الشعرية وصورته التي أنطقت الصامت تمكن من خلالها المخرج “وسيم القربي” إلى حد كبير من نقل تفاصيل هامة مستوحاة من المجتمع الموريتاني، فكرة العمل ولدت بمهرجان وهران خلال لقاء أول جمعني بالصديق وسيم القربي سنة 2010، السنة التي بعدها اتفقنا نحن الاثنان وكذا “عبد الرحمن ولد أحمد سالم” مدير دار السينمائيين الموريتانيين على إنتاج الفيلم بموريتانيا وتم ذلك فعلا، وبفضل من الله عرض الفيلم في العديد من المهرجانات وتحصل على جوائز كثيرة وأشاد به جموع السينمائيين وحتى الجماهير، كان عبارة عن لوحات فنية جميلة سمحت للأخر باكتشاف الطبيعة والمجتمع الموريتاني، ونجاح التجربة دفعنا لإعادتها بفيلم أخر يحمل عنوان “كيخوت” المستوحى من رواية دونكيشوت الاسبانية، وكان التصوير بمدينة شنقيط وسط ديكور أحسن من ديكور “أزهار تويليت”.
سالم داندو
“أزهار تويليت” كعمل أول أكيد أنه ساهم في التعريف بالزخم الثقافي والطبيعي لموريتانيا والدور قادم على فيلم “كيخوت” الذي صور أيضا بنفس البلد، هل تتوقعون أن يحذو باقي المخرجين حذو القربي ويتجهون لتصوير أعمالهم بموريتانيا التي تمتلك مواقع تصوير جيدة؟ بالفعل كانت هذه من أهم الأهداف والرسائل التي حاولنا إيصالها لكل من يشاهد العمل، بل كانت هناك دعوة فنية صريحة للاستثمار في تلك المناطق بزخمها الثقافي والحضاري وبعدها الجمالي، ومن خلال هذه الأعمال التي صدرت صورتنا للعالم ندعو بشكل خاص وبالدرجة الأولى المخرجين العرب خاصة الشباب منهم لاكتشاف الثقافة البكر والتنوع الثقافي والبيولوجي الموجود بموريتانيا خصوصا وأن السينما تقوم على عاملين أساسيين الديكور والإضاءة ونحن لدينا الاثنان معها وبالتالي نراهن عليهما، وبعدما استمالت وأغرت هذه المغامرة إن صح القول “وسيم القربي” نتمنى بل نتطلع أن تتكرر مثل هذه التجارب مع سينمائيين آخرين. إلى أي مدى استفاد السينمائيون الموريتانيون وسينماتكم التي ارتبطت سابقا بالفرنسي غوميز من تجارب الآخر سواء من الأجانب أو العرب ؟ نحن في هذه الصحوة الجديدة التي تبناها شباب دار السينمائيين الموريتانيين وبما أننا في بلد لا يتوفر على معاهد متخصصة في التكوين السينمائي ولا في باقي الفنون نحاول الاستفادة من الأصدقاء المهنيين والمحترفين في المجال قدر المستطاع من خلال الدورات التكوينية التي تقام سنويا بمهرجاناتنا، وهي عبارة عن جهود فردية تبادر بها دار السينمائيين التي تتكفل طيلة فترة التربص بإقامة ومصاريف المؤطرين وكذا مستحقاتهم، فهذا هو الشكل الوحيد الذي استفدنا منه في المجال السينمائي بمعنى آخر هي استفادة من التعاون، مع العلم أن السينما الموريتانية كانت تتجه في البداية للغرب ونحن نريد ونسعى لنغير من توجهها إلى التعاون العربي العربي حتى لا تفقد هويتها، وبالتالي هذا شكل من الأشكال القليلة المتوفرة لدينا والتي نحاول من خلالها الاستفادة من تجارب غيرنا. حضور المرأة في “أزهار تويليت” أخذ حيزا كبيرا مثل الرجل تماما، ماذا عن الإطار الذي تحتله المرأة كموضوع رئيس للعمل أو كعنصر محرك لأي عمل سينمائي في إدارة العمل كمخرجة ؟ صراحة المرأة تحتل حيزاً كبيراً في السينما الموريتانية، بصفتي مسؤول الإنتاج بدار السينمائيين الموريتانيين السنة الماضية خمس مخرجات من أصل تسعة أنجزن أفلامهن، مع العلم أن دار السينمائيين تنتج سنوياً تسعة أفلام وبالتالي في السنوات الأخيرة كما هو ملاحظ حضور العنصر النسوي كان أكثر من العنصر الرجالي ومستقبلا سيكون لها حضور مكثف وقوي رغم أن ذلك مرهون بمدى توفر الإمكانيات لكن الجميع يعرف إن توفرت الإرادة لدى المرأة العربية ماذا يمكنها أن تصنع.
فيلم أزهار تويليت
وماذا عن المرأة كموضوع يبنى عليه المخرج عمله، نعلم جميعا أن مجتمعاتنا العربية تكون أكثر تحفظا لما يتعلق الأمر بمواضيعها وبعض التابوهات التي تفرضها الأعراف والتقاليد السائدة في هذه المجتمعات ؟ في الحقيقة العديد من الأفلام الموريتانية تناولت مواضيع المرأة من زوايا متعددة وبرؤى مختلفة، مثلا أنا تناولت في أحد أفلامي القصيرة “الهروب” موضوع “الزواج القسري”، على صعيد أخر تم تأسيس جمعية للسينمائيات الموريتانيات تديرها كل من المخرجة والأكاديمية سالمة منت الشيخ الولي، لالة كابر ومريم عزيزة، وبالتالي هناك اشتغال جدي على مواضيع المرأة واهتمام بقضاياها وجهود تبدل في هذا الجانب. في كل مرة تتحدث عن السينما الموريتانية تستحضر في كلامك دار السينمائيين مما يشعرنا بأن لهذه المؤسسة فضل كبير على سينما البلد وسينمائييها ؟ شعور صادق بالفعل فهي المؤسسة الوحيدة التي تعمل حتى الآن والتي تهتم بالشأن السينمائي لدينا، أنتجت العديد من الأفلام وتدير الأسبوع الوطني للفيلم سابقا مهرجان نواقشط للفيلم القصير حاليا، تتكفل أيضا بكل الدورات التكوينية في مجال السمعي البصري عموما والسينما بشكل خاص، فموريتانيا اعتبارا من السنة الماضية ارتفع بها سقف حرية الإعلام والتعبير فنتج عن ذلك ميلاد بعض القنوات التلفزيونية وجل من يعملون في هذه القنوات تخرجوا من دار السينمائيين الموريتانيين. طيب ماذا عن الدعم الحكومي أو المؤسساتي الذي تتلقاه السينما الموريتانية وقاعات السينما هناك ؟ شخصيا أستغرب عندما أسأل بعض الإخوة السينمائيين العرب عن واقعهم السينمائي ويقولون لدينا مشاكل في الدعم والتمويل مع وجود نسبة ولو قليلة في الدعم الحكومي فماذا سيكون ردهم لو عرفوا أن الحكومة الموريتانية لا تدعم الإنتاج السينمائي إلى هذه اللحظة، لا نستفيد من أي دعم. وما السبب في ذلك ؟ حقيقة لا أدري، لما يسألونني عن هذا الأمر ولماذا لا تدعم الحكومات الموريتانية المتعاقبة المسرح والسينما مثلا تكون إجابتي كوميدية بعض الشيء تكون على النحو التالي لأن الحكومة بحد ذاتها وزعت وتقمصت أدوارها بالسينما والمسرح، فمستحيل أن تدعمنا وتقدم لنا هذه الخدمة مادامت تقوم بها تلقائيا وبالمجان. ربما مثل هذه المشاريع المبنية على الشراكة كالخطوة التي قام بها القربي قد تجلب شيء جديد وتعطي نفس أخر للسينما الموريتانية ؟ وهو ما نتمناه بالفعل أملنا أن يكتشف السينمائيون العرب الطبيعة الموريتانية ونحن من جهتنا نساعدهم على الإنتاج وحينئذ قد ينتبه البعض وحكومتنا إلى ضرورة الاستثمار في السينما باعتبارها صناعة قوية مع أننا في دار السينمائيين لا نريد السينما التجارية بل نريد السينما المستقلة، سينما الإبداع والقضية، وأملنا مرهون بالتوجه الجديد الذي قد يجعل البعض يعيد النظر في أهمية السينما كوسيلة للتعريف بالثقافة والصورة الموريتانية المجهولة حتى في الأقطار العربية المجاورة.
من فيلم كيخوت
بما أن الحكومة لا توفر الدعم للإنتاج السينمائي بالمقابل هل تفرض قيودها وشروطها على كل من يريد مشاريع مشتركة ؟ في الحقيقة هي لا تفرض رقابة مباشرة فمن يريد أن ينتج فلينتج لكن بإمكانياته الخاصة لأن إمكانيات الحكومة أو الوزارة غير موجهة أساساً للإنتاج الفني والثقافي، هي تمنحه المكان فقط لكن حتى اللحظة رخصة التصوير بموريتانيا لا تزال تباع بمبلغ رمزي ومع ذلك المخرج مطالب بتقديم ملخص عن الفيلم الذي سيصوره على أراضيها وعليه أن يودع نسخة من فيلمه بوزارة الثقافة وإلى التلفزيون الوطني حسب القوانين المعمول بها، غير أن معظم المخرجين الذي يأتون لموريتانيا بطرق ملتوية وغير واضحة لا يودعون نسخة من أفلامهم ولا يدفعون ذاك المبلغ الرمزي الذي من المفروض أن يذهب لصندوق دعم السينما مباشرة لكن الواقع شيء والميدان شيء أخر. تشارك القربي ثاني تجاربه التي صورت بمسقط رأسك شنقيط حدثنا عن هذا العمل الذي تشارككم فيه كذلك الممثلة المغربية أمال ستة؟ بالنسبة لفيلم “كيخوت” فقد بلغ الآن مرحلة المونتاج ولم يتبق منه الكثير، شخصيتي في هذا العمل تختلف تماما عن الشخصية التي ظهرت عليها في فيلم “أزهار تويليت”، ومن يعرف دونكيخوت بإمكانه تصور ملامح هذه الشخصية والدور الذي سأؤديه. وهل كان صعب التعامل مع هذا النص ؟ لا لم يكن ذلك صعبا بل الصعب كان التعامل مع الشخصية خصوصاً أني أول مرة أتقمص مثل هذه الأدوار، أتمنى أن أوفق فيها وأوصل الرسالة التي أرادها المخرج من خلال العمل ككل والشخصية أيضا. وهل لديك أعمال مستقلة تنوي تجسيدها مستقبلا ؟ على الصعيد الفردي لدي الآن نصين أنوي أن أنتج أحدهما في تونس أو في إحدى دول المغرب العربي لما لا، ربما قد يكون تعاون متبادل بيني وبين زميلي وسيم القربي أو أي سينمائي آخر فهذا المجال ليس حكرا على شخص دون الآخر نحن نرحب بأي تعاون عربي مشترك، ونأمل من خلال مهرجان وهران الذي خرجت منه العديد من الأفكار والمشاريع السينمائية الناجحة أن نفتح المجال لتجارب جديدة ونعزز الإنتاج السينمائي الموريتاني الجزائري فنحن لدينا نفس الحدود والثقافة والديكور، عموما مستعدين لأي تجربة عربية جادة تخدم كل الأطراف، والحقل الموريتاني مفتوح لكل الإخوة العرب.
الجزيرة الوثائقية