الانتخابات العرجاء..!!
يمكن القول بطمأنينة إن “أحاديات 23 نوفمبر” لن تكون مقنعة النتائج، لأنها ببساطة غير مقنعة المنطلقات، وغير مؤسسة، ولا نريد هنا القول بأن “شرط النهايات تصحيح البدايات” ، فليس فى بلدنا من سيتطوع لتصحيح أي شيء فلكل منا اليوم شأن يغنيه..!!
إن الذهاب إلى الانتخابات القادمة كان خيار رئيس الجمهورية وحده، ولذلك حرقت مراكب، واختصرت مسافات، وتوقفت أنفاس، وبلغت قلوب حناجر، وقطعت ألسنة كثيرة، للوصول إلى الإستحقاقات القادمة، لأن الرئيس وحده صاحب الأمر والنهي فى هذا البلد، ودعوكم من الحديث عن أغلبية أو موالاة، أو حتى معارضة..!!
انظروا وفكروا..!!
إحصاء إداري له طابع انتخابي غير مكتمل، سبقه إحصاء سكاني عام تمنع الفاقة معظم الناس من الحصول على مستخرجاته الثبوتية التي قررت الدولة بيعها، كما تباع شهادات الصحة والتبريز، وكما يباع الخبز المحمر على قارعة طريق العيادة المجمعة..!!
لجنة توصف بالوطنية للانتخابات، ويقال إنها مستقلة، وإن بها سبعة حكماء (ثامنهم رئيسهم)، يصب عليها الجميع لعناته، حتى أولئك الذين أكلوا من “عقيقتها”، تبدو عاجزة معطلة، غير قادرة سوى على إصدار بيانات هنا، أو تصريحات هناك، ومع ذلك – وحسب الحكومة وبالتواطئ مع المشاركين معها فى الانتخابات – فهي الجهة الوحيدة المكلفة بالإشراف على العملية الانتخابية وتنظيمها..!!
“معارضة” ( اليوم توجد لدينا معارضة المعارضة) تصب اللعنات على الحكومة، ولجنة الانتخابات، والإدارة، وتطالب بالشفافية، وهي نفسها التي ذهبت فى المسار الانتخابي راغبة مقتنعة بأنه ” لا يمكن انتظار الشفافية أو المطالبة بها”، ولم تطلب أية ضمانات، ولم ترع إلا ولا ذمة لا فى المسار الديمقراطي برمته، ولا حتى فى جمهورها المفترض، ولا فى الشعب الموريتاني، لتبدو وكأنها إنما أرادت تشريع الانتخابات مقابل مبالغ زهيدة، ستوزعها الحكومة على طريقة “عطاء من لا يملك لمن لا يستحق”..!!
مرصد وطني للانتخابات ولد ميتا، إذ لا أهمية له، حيث لا يحظى بالإجماع، ولا يتوفر على أبسط مقومات العمل الرقابي، وهو – مع لجنة الانتخابات – أشبه ب”قهوة شارع مصري” يجتمع فيها كبار السن والمتقاعدين ليلعبوا الورق ويشربوا “النرجيلة” ويقرأوا “الصحف الصفراء”، ويستمعوا لأغاني “زمان”، وليلوكوا حكايات عن أزمنة الحرب والجفاف والسخرة، قبل أن يعود كل واحد منهم إلى بيته غبش الفجر يهادى بين رجلين، وقد أثقلت سنوات العمر كاهله، وأغمضت عينيه، وصمت أذنيه، وقيدت رجليه..!!
منسقية معارضة تنشط لمقاطعة الانتخابات، لكنها عاجزة على الأرض بفعل الصراعات الداخلية، وتبديل الخطاب، والخروج المستمر من الجلد، إضافة للعوز المادي والجماهيري، وقوة الضغط الممارس عليها من القبيلة والجهة، والحكومة والإدارة..!!
صحافة تتحدث عن المهنية، وتمارس شيئا آخر لا يمت لها بصلة، فكل يغنى على ليلاه، فهذه القناة تبث صلوات الشيخ، ومشيته وطريقته فى تحريك يديه الشريفتين، وتلك تبث خطب الزعيم، وتدخل وراءه “جحر الضب” الذى لا يخرج منه إلا ليعود إليه، وهذه الإذاعة تملأ الأثير ضجيجا برطانة “المنظر السياسي” الذى لا يكاد يبين، وتلك تستعيد أمجاد القبيلة والعصر الذهبي للمضارب والربوع، وهذه الجريدة تلطخ صفحاتها بصور باهتة لامرأة مغمورة أو رجل مجهول وتلك تخصص تقاريرها لشيخ القبيلة، وصور الناس يلثمون ركبته الطاهرة وهكذا..!!
طبقة سياسية منافقة، اختلط “حابل” القوميين فيها ب”نابل” الإسلاميين، و”سياف” اليساريين بحثا عن مكاسب عابرة، إذا لم تكن فى صف المعارضة فلا خجل من البحث عنها فى صف الموالاة..!!
حملة قبلية جهوية عرقية لا صوت فيها يعلو فوق صوت شيخ القبيلة، والوجيه ورجل الأعمال، والجنرال واللص، والمخنث وشيخ الطريقة، واللقيط وجارية البلاط..!!
100 حزب كل حزب بما لديهم فرحون، أحزاب انشطارية تخرج من رحم أخرى، وأحيانا تمكث فيه حملا خارج الرحم..!!
ولكل من هب ودب ترخيص وحقيبة وصراخ، رجال يغضبون على هذا ليرتموا فى أحضان ذلك، إسلامي يبشر بمبادئ “ماو”، ويساري يعتمر صورة “قطب” وقومي يضرب أخماس “النجمة” فى أسداسها”، ومعارض الأمس يتلوا آيات من ذكر “عزيز” الحكيم، وموال بالأمس يلعن أصدقاء البارحة، وليال حالكات الظلام تمحوا خطب كل النهارات المشمسة..!!
العالم والشاعر، والصحفي والطبيب، والمومس والسارق، والكهل والراقصة، والسياسي والمجنون، يتزاحمون بالمناكب فى حملة أحزابها أكثر من شعاراتها وخيمها..!!
وإذا رأيت الشعارات على ورقة الانتخاب، فستجد يقينا الوجوه الحقيقية لأبطال هذه اللعبة..!!
أسد وفأر، وبقرة بني إسرائيل وشجرة الزقوم، وأباريق ليست من الجنة وفرس حرون، وشمس معتمة وناقة صالح، وحمار العزير وسيف ابن ذي يزن، ويد وجب قطعها تصافح يدا مقطوعة الأصل والفرع، وقمر بلا سماء وبلا ضوء، وأوان وخزعبلات، وترانيم وطلاسم، ونقوش ورسوم،و67 حزبا..!! ومع كل علامة “حرف الباء” الذى اشتهر لدينا بطيرانه الشهير ذات انتخابات رئاسية مشهودة..ولا أحد يستطيع منعه من الطيران هذه المرة أيضا (خاصة وأن بلادنا تتصدر قائمة دول العالم من حيث سلامة الطيران بكافة أشكاله)..!!
“نصارى” يرفضون تمويل ومراقبة الانتخابات، وإنه لأمر جلل أن نتصور انتخابات يتورع هؤلاء عن مراقبتها..!!
أموال تأتى من بلاد “الحرمين”، وأخرى تأتى من بلاد “الأردوغانين”، تذهب هذه إلى الأعلى، وتذهب تلك إلى الأسفل..!!
مواطنون منهكون، لا يملكون من الأمر شيئا، لا يشاركون حبا فى النظام، ولا يقاطعون حبا فى المعارضة، ولا يقيمون وزنا للترشحات، فتجربتهم مع المنتخبين مريرة جدا، ويمنعهم الفقر وإخوته الجهل والمرض من التفكير فى السياسة، فلأمعائهم صريرجوع لا يسمعون سواه، وعلى جباههم معاناة لا يرون سواها..!!
الآن نظرتم وفكرتم..!!
هل فكرتم أيضا فى أن الرئيس لا يريد سوى برلمان قبلي أخرق، يحمله لمنصب الرئاسة فى الرئاسيات القادمة على عجلتي الترغيب والترهيب..!!
هل فكرتم فى أن الجميع ذهب إلى المهزلة مشاركا أو مقاطعا، ليترك هموم العباد ومشاكل البلاد..!!
هل فكرتم أخيرا فى أن هذه الانتخابات عرجاء بكل المقاييس، عرجاء بداية ونهاية، حملة ومسارا، جملة وتفصيلا..!! وأن المشهد السياسي أثناءها وبعدها أشد عرجا وحولا وضعفا..!!
إنها فعلا انتخابات عرجاء، لا تغيظ عدوا ولا ترضى صديقا، ومن يشرعها بالمشاركة، قد لا يكون أكثر جرما من الذين يشرعونها بالمقاطعة، فأن نعتبرها انتخابات تجب المشاركة فيها أو تجب مقاطعتها فمعنى ذلك أنها فى كلتا الحالتين انتخابات تستوجب موقفا بالنسبة للمشاركين والمقاطعين، بينما لا تعدو كونها – فى الجوهر والنص- لعبة كسب وقت، يلعبها بذكاء سيادة الرئيس، إحماء لدخول الانتخابات الرئاسية القادمة، التي لن تكون عرجاء فقط، بل كسيحة أيضا، ورب كساح بدأ بعرج..!!