أيام مع حبيب/الحسين محنض

altعندما تفقد الأمة عظماءها وهم في سن مبكرة يصبح الأمر فاجعة قوية، وعندما لا تتوفر مزايا الفقيد ومواهبه في أحد غيره تصبح الفاجعة أقوى.. لقد أنجبت مقاطعة المذرذرة أكبر عدد من العباقرة في البلاد مقارنة مع عدد السكان لكنها فقدت بالمقابل عددا من هؤلاء العباقرة وهم في سن مبكرة، ذوت أجسامهم كما تذوي الزهرة، ومن هؤلاء نذكر حبيبين فارقناهما في ظروف متقاربة هما المرحوم جمال ولد الحسن والمرحوم حبيب ولد محفوظ.

ورغم فراقهما ما تزال المذرذرة تعيش ذكرياتهما كأنهما لم يرحلا بعد، وما زال قبسهما ينير الطريق لكل أبناء البلاد الحالمين بالنبوغ والكبرياء.. لقد عرفت هذين الفقيدين عن قرب وأدركت أنهما مختلفين عنا بصورة كلية لأن الفضاء كل الفضاء لم يكن يملؤ محاجر عينيهما في حين كانت أبسط غيمة تحجب الشمس عنا نحن الأشخاص العاديين.. أما المرحوم حبيب فعاشرته وعايشته وعملت معه قرابة عقد من الزمن، فكنت أرى فيه في كل يوم حبيبا جديدا غير حبيب الأمس، حبيبا لغويا، حبيبا أديبا، حبيبا مؤرخا، حبيبا له في كل يوم لون خاص به من ألوان قوس قزح. قلت له يوما من أيام خريف 1995 مخاطبا فيه حسه الإگيدي المرهف: لله در حبيب لست موفيه مقداره الفذ مهما قلته فيه العبقرية فيه ليس ينكرها شخص وحسن السجايا ليس ينفيه وما تراني أبديه وأذكره مما أراه تراه هو يخفيه وليس ذاك بالأمر الغريب على أبناء غور إگيدي أو فيافيه جمعتني معه صحيفة البيان في آخر شهر من شهور سنة 1991، وكانت البيان حينها، ثم القلم بعد ذلك ابتداء من سنة 1993 قمة في الإبداع كأن لمسة حبيب السحرية كانت ترافق كل كتاباتنا في الجريدة.. كان كل أحد في الجريدة يقدم أفضل ما لديه كأن شخص حبيب يرافقه في أدائه، حتى إذا فارق حبيب الحياة ذبلت أقلامنا دون أن يعرف أي أحد منا سبب ذلك. وعندما رحل حاولت أن أعرف ما هي ميزة حبيب التي صنعت عبقريته ونبوغه، فلم أتوصل إلى شيء لأن كل مزية من مزاياه كانت تبدو عند استعراضها على أنها تكفي لوحدها لخلق نبوغه، ويمكنني أن أقول بكل جراءة أن أسلوبه في التعاطي مع التواضع ودماثة الخلق لم يكونا أقل إبداعا وعبقرية من أسلوبه في التعاطي مع المعارف والأدب. [email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى