شنقيط: المرشح الذي كسر ت إرادته الصخور الصماء
طريق أطار شنقيط ، “طريق أو كدية ولد أبنو” كما تشيع تسميته بين الأهالي في هذه المنطقة من آدرار، طريق متنوع التضاريس كباقي الأراضي الموريتانية، فعلى طوله تنتشر الهضاب والأودية والكثبان الرملية، غير أن مجموعة من الجبال كانت تقف في وجه السائر من أطار عاصمة الولاية صوب عرائس التاريخ ودرر الصحراء المطمورة أعالي آدرار على تخوم المجابات الكبرى شرقا، هناك حيث ترقد مدن البلاد التاريخية.
كانت الجبال المذكورة تحد من حركة السكان وتهدد حياة المسافرين لوعورتها، غير أن إرادة الإنسان وطموحه وحاجته حين تتحد تقهر كل الصعاب وتحول المستحيل واقعا، لذلك انبرى محدو ولد أبنو حاملا إرادته وما تيسر من مال ليؤكد مرة أخرى أن إنسان هذه الربوع قوي حد مقارعة الصخور الصماء، وأن الأحفاد لن يفرطوا في ما بناه الأجداد. قرر الرجل أن يكسر شموخ الجبل ليصل السائرون إلى شنقيط وجاراتها التاريخية بسلاسة ولتبدأ من هنا قصة طريق ولد أبنو.
بدايات
مع تسلم الموريتانيين حكم البلاد وبدئهم إدارتها شؤونها اتضحت صعوبة التواصل بين أطار ومناطق الولاية الشرقية كمدن شنقيط و وادان وتيشيت التاريخية على غرار حواضر البلاد التي لم ترث من المستعمر كيلومترا مربعا واحدا معبدا، وكثر الحديث عن احتمال أن تلجأ الحكومة لترحيل بعضها كحل لعزلة أطبقت على تلك المدن طيلة عقود الاستقلال الأولى خاصة أن البلاد لا تملك أساطيل جوية ولا قطارات نقل لتأمين حركة المواطنين.
قرر أحمدو ولد أبنو أن يجد حلا لعزلة شنقيط خاصة أن خيار ترحيلها مزعج بالنسبة له ولأبناء المدينة فأعد ملفا سلمه للإدارة وكان الكثيرون حذروه من أن جهوده ستذهب سدى لأنهم لم يكونوا يتصورون شق الطريق من نفس الجبال ممكن، ومنهم شخصيات حكومية قالت له إن الفرنسيين تعبوا ولم يجدوا حلا فكان جوابه “أن نواكشوط لم تكن موجودة وأنتم اليوم تديرون شؤون البلاد منها” عاد الرجل وعزيمته أقوى، فقرر البدء بمشروع شق الطريق بعد أن حدد الموضع الحالي الذي سيصبح الممر الرسمي وتشرف الحكومة على وضع حجره الأساس وتعبّده في مابعد.
مشاورات
عاد ولد أبنو إلى شنقيط وتحدث مع أهل المدينة حول نيته الشروع في شق الطريق عبر “الكدية” حيث هو الآن، غير أنه لم يلحظ كثيرا من التحمس لدى رجالات المدينة رغم أنهم حدثوه عن ضرورة تشكيل لجنة للتشاور وجمع مبالغ مالية للمساعدة في “المشروع المستحيل”، لكن محمدو لم ترقه فكرة جمع المال فطلب منهم أن يذهبوا إلى “الكدية” إن كانوا مقتنعين بفكرة “الممر الجبلي” وإلا فهو ماض في طريقه و”حين يفشل يكون فشل لوحده”.
بدء العمل الميداني
قرر ولد أبنو العمل بموارده الخاصة واستعان بأحد أبناء المدينة مهندس بشركة اسنيم يومها، هو ابن عمه محمد الأمين ولد أبنو، فجلبا المتفجرات “الميين” وبدأ العمل يوم 18 يونيو 1982 ووضع وزير التجهيز حينها أحمد ولد عبد اللّ حجر أساس المشروع بعد أن عينت الحكومة منسقا وتقدمت الأشغال شيئا فشيئا، افرج جزء من الطريق واستبشر الرجل بعد استعمال الممر بشكل جزئي، وبدأ الناس يقتنعون بأن الحلم الذي طالما راودهم قابل للتحقق وأن الصواب قد يجانب الجماعة ويصادف الفرد.
وهكذا انتهت الأشغال بعد ستة أعوام ونيف أي سنة 1988 شق خلالها ممر جبلي بطول ثلاث كيلومترات وبدأ المسافرون يتدفقون بمرونة لم يتخيلوها قبل ذلك. تغلب ولد أبنو على الحجارة مانحا أبناء مدينته بل وطنه وزوار “شنقيط الإقليم” فرصة التنقل دون صعوبة أوخطر من وإلى مدينتهم الأم التي منحت البلاد اسمها فكافئه العامة بأن أطلقوا اسمه على الطريق والجبل معا، فيما انتخبه أهل المدينة أول عمدة لهم عند تطبيق نظام البلديات في البلاد، فيما لم تكترث السلطة له. ويكفي الرجل فخرا واعتزازا أن يرى الوفود تجوب المنطقة بعدتها وعتادها بعد أن عانت مدينة شنقيط من العزلة عقودا طويلة.
من المؤكد أن الطريق بات سالكا بعد التغلب على وعورة “الكدية” وأن تعبيد الممر الجبلي الذي أنشأه الرجل ساعد في ذلك، غير أن بقاء طريق يربط بين أطار ومدن البلاد التاريخية غير معبد أمر لا يستسيغه المواطنون هنا خاصة أن هذه المنطقة تشكل العمق الثقافي للبلد وقطب السياحة الرئيسي، فمتى تكمل الدولة ما بدأه محمدو ولد أبنو بتعبيد محاور أطار شنقيط، أطار وادان، وأطار تيشيت المرتبطة في جزء منها أو ما تيسر منها ؟
العنوان الأصلي من “السفي”ر:
“طريق ولد أبنو” حين تكسر الإرادة الحجر!!!