سذاجة لصوصنا
كتب عبدالفتاح اعبيدن من المدينة المنورة :
الزمان أنفو -الضجيج لا يزيد الافتضاح إلا انتشارا،و هذا البلد لا تؤكل فيه أوقية واحدة إلا اطلع عليها،و فى موريتانيا هنالك فئة مهتمة بالمال بحكم الموقع و الاهتمام،الإدارة و رجال الأعمال،لكن مصلحتهم فى ستر الفساد كبيرة،و لا ينشرون بعض غسيلهم إلا فى حالة عمق تناقص المصالح،وقتها يفضح بعضهم بعضا،على غرار صراع النساء الفاسدات،لا يمكن أن تعرف خبائثهن إلا وقت خصوماتهن و مشاجراتهن،و لكن هذه الأيام فرصة للاطلاع على كثير من أوجه الفساد،بإذن الله،و رغم أن القضاة عندما تنتهى إليهم الملفات الساخنة يطلعون على الكثير،سواءً عاقبوا أو اشتركوا أو غير ذلك من التعامل مع مثل هذه الفضائح،إلا أنه فى بلدنا و مع مرور الوقت أضحت الصحافة الاستقصائية و بعض أجنحة المخابرات ،هي الأكثر اطلاعا على ملفات الفساد،و لا يتحايل فى أي حقبة أي وزير أو مسؤول أو تاجر على أي أوقية إلا و علمت بها تلك الصحافة الاستقصائية و المخابرات،سواءً أعلنتها أم سترتها،و جدير بالسيد زين العابدين ان يتعظ بتجربة بوعماتو فى أسلوب الضجيج و الإثارة،فنتيجته عكسية مهما كانت القدرة على معاقبة الخصم.
فبوعماتو عندما عمل على سجني إثر نشر حول بعض أوجه تبييض الاموال،فى النهاية خسر سمعته التجارية،محليا و دوليا،رغم ورطتي الظاهرية الشكلية،مما دفع الراحل أحمد ولد حمزة،رحمه الله،و كان شفافا،للقول،إن جهات استثمارية عديدة ،خليجة و غربية ،امتنعوا عن الشراكة معه،بحجة تورطه فى تلك الملفات و ما يتردد و ينشر فى الصحافة المحلية من جوانب ذلك الملف المثير للجدل بامتياز.
و كذلك دور زين العابدين و غيره من رجال الأعمال فى طرق الاستفادة من المال العمومي،و ما يدفع البعض لطرح عدة تساؤلات مشروعة ،على رأيهم،للوقوف على حقيقة هذا الثراء و الاستئثار بالكثير من الصفقات،فمن السذاجة محاولة تكميم الأفواه،لأن الشكوى من الصحفيين أو غيرهم ،ممن يحاول البحث و الاقصى،لن تزيد الأمور إلا افتضاحا و لا تشكل أي صحانة،و أي مستفيد من المال العام ،على نطاق واسع ،من مصلحته الستر و التكتم و التغاضى ،و ليس الضجيج و المعارك الإعلامية و القضائية،و قديما قيل،من كان بيته من زجاج فلا يرمين الناس بالحجارة.
و لكن التجربة الحالية مع محاكمات بعض فساد العشرية شجعت رجال الأعمال على ادعاء الشفافية و الاستقامة الوهمية،لأن الإدارة و هرم السلطة تولوا عنهم وزر الفساد ،و خرج جميع رجال الأعمال المتهمين،و كأنهم ملائكة أطهار لا يمكن أن تتطرق إليهم الظنون!.
و الحقيقة أن الأمور أظهر من الشمس فى رابعة النهار،و المحروم معروف و المستفيد بطرق مريبة معروف،سواءً أيام معاوية أو عزيز أو اليوم،و الفساد قطاره مستمر الحركة و الأداء،و لا تؤكل أوقية واحدة،إلا من أكلها و من سهل له معروف،و إن كان بعض رجال الأعمال فى أزمنة غابرة تواروا ،فكانت الضريبة المعنوية أقل،إلا أن البعض يتبجح و يتقدم لمقاطع الحقوق،رغم خطورة الظهور و التفاعل السلبي حول ما ينشر عنه.
و يبقى الجميع بالمختصر الموجز،يعلم مدى تعرض المال العام للتحايل فى الكثير من الصور و الحالات و حاجة الدولة لمكافحة الفساد،و ما تدعية كل الأنظمة المتعاقبة،عبر الإصرار على رفع شعار مكافحة الفساد.
و مهما تكن أهمية التحقيقات التى يجريها السناتور ولد غده فى توريط زين العابدين فى سياق تنفيذ إحدى شركاته لبعض المشاريع الحيوية،إلا أن كشف المزيد من الملابسات يتطلب أسلوبا مختلفا عن مجرد الإثارة و استغلال النفوذ،فوضع النقاط على الحروف مهم و مفيد.
فربح صفقات و تنفيذها قد لا يعنى تلقائيا الإجرام أو النظافة،و إنما يتطلب ذلك التمايز شهادة مكاتب الرقابة النظيفة ،إن وجدت،و متابعات الإعلام و مختلف أجهزة الدولة،و من حق الجميع التساؤل و الاستفسار،فلا يوجد احد فوق القانون،فحرمات رجال أعمالنا و غيرهم مهمة و مصونة،و التحقيقات بغرض الشفافية فى غاية الشفافية،و بدون قصد التجريم المجاني الانتقائي،و ربما تكون تجربة ولد غده،لها ما لها و عليها ما عليها،و لكن استعجال اتهامه و سجنه مباشرة و دون تأنى،أثار الرأي العام و عزز تصور البعض باستضعافه و استهدافه،خصوصا أن ابن عمه ،و إن اختلفا فى التوجه،مسجون هو الآخر فى سياق محاكمة العشرية(الرئيس السابق،محمد ولد عبد العزيز)،و ربما كان أكثر مصداقية التريث و إعطاء الوقت المناسب للإجراءات و المساطر.
و أما تصور بعض لصوص المال العام أن إثارة الضجيج و الشكاوى و استغلال النفوذ مفضية للحصانة و السلامة من عواقب الاستحواذ على المال ،فذلك وهم و غاية فى السذاجة.
فقد حان الوقت لكشف مستوى تنفيذ الصفقات و مشاريع الدولة،لنعرف بموضوعية ،من المستقيم و من المتلاعب من رجال أعمالنا؟!،و بغض النظر عن الألقاب و القدرة على استغلال النفوذ،كما أن المسؤولية عن التحايل على المال العمومي،كما وقع فى محاكمات العشرية،ينبغى أن لا توضع فقط على الإدارة دون غيرها ،من رجال الأعمال أو غيرهم.