إلى كل أطراف هذا الصراع المحموم / سيدي علي بلعمش
الزمان أنفو – العمل على إضعاف الخصم و لي ذراعه في الصراعات الداخلية ، لا يخدم قوة النظام و لا تعزيز ميكانيزمات الحكم ؛ من يصفون الغول بسبع رؤوس (و هو كائن خرافي) ، يصنعون معادلا موضوعيا للحديث عن القدرة التدميرية للغول بتعدد رؤوسه لا عن الحكمة العقلية الناتجة عن تشعبها !
الصراع القائم بين أجنحة النظام اليوم ، عامل تآكل كل نتائجه سلبية بما يخلف من إرباك في وجه انتخابات ، يخطئ من يعتقد أنها ستكون سهلة المنال.
و تبادل الاتهامات بعد الفشل في الانتخابات ، لن يكون مجديا . و انفلات الوضع في أي اتجاه غير متوقع في موريتانيا ، لن يكون انتصارا للديمقراطية و لا تغييرا منتظرا للقطيعة مع ماضينا البائس ، كما يعتقد البعض !
الواقع الموريتاني يصرخ اليوم بالعبارة المشهورة “بالأمس لم يكن الوقت قد حان و غدا يكون قد فات الأوان” : لقد جاءت صرخة معالي وزير المياه (و أرفع له قبعتي عاليا عاليا) في وقتها ، لكنها لن تنقذ النظام إذا لم تنتشر عدواها في كل القطاعات.. إذا لم يفهم النظام أن الاعتراف بمثل هذه الحقائق هو أكثر ما يخدمه .. إذا لم يدرك النظام أن الشعب يعرف بدقة كل ما يعتقد أنه يستطيع إخفاءه .. إذا لم يتذكر ولد الغزواني أن من يناصرونه (من غير وزرائه) ، ينتظرون تغييرا حقيقيا تعتبر إدارته اليوم ، أكثر من يعرقله..
أسوأ ما ننتظره اليوم هو التغيير المطلوب في الوقت الخطأ. و هنا لا يتفاجأ العقلاء حين تصنع الحسابات السياسية مواقف لم تكن في الحسبان!
علينا أن نفهم أن التجربة التونسية لم تنجح بعد و التجربة السينغالية لم تنجح بعد و التجارب المالية و البوركينابية و النيجرية ، ما زالت أقرب إلى التخبط الأعمى .
موريتانيا لها واقع خاص جدا ، يختلف عن واقع كل هذه البلدان أوله العداء الإسرائيلي الدفين . و لو لم تكن إسرائيل اليوم في هذا المأزق “الذي لن تعرف كيف تخرج منه” ، لكنا نحن من يتخبطون في وحل وعد رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة غولدا مائير : “من بين الدول العربية و الإسلامية الأكثر عداء لإسرائيل هي موريتانيا و سيأتي يوم ندخلها مشكلة لن تعرف كيف تخرج منها أبدًا” . لقد جاء هذا الوعد أو الوعيد على الأصح ، بعد تولي المرحوم المختار ولد داداه قيادة الاتحاد الإفريقي في مأموريتين متتاليتين (71 – 72)، قطعت أو جمدت خلالها ، أكثر من أربعين دولة إفريقية علاقاتها مع الكيان الصهيوني: هذا ما لن تنساه إسرائيل أبدًا .
✅ نعم ، لقد عانت موريتانيا و ما زالت تعاني من فساد تجاوز كل الحدود ، هو ثاني أكبر أعدائها بعد الكيان الصهيوني ..
✅ عانت من فوضى بلا قاع و تراكمات عبثية أكبر من كل الأوصاف ، ربما هي كانت الأسوأ في المنطقة ، لا نبرئ أي نظام من المساهمة فيها ..
✅ عانت من استهتار حد الخيانة العظمى ، بكل مصالح البلد و كل قيم المواطنة المسؤولة ..
☑️ نعم ، علينا اليوم أن نصرخ بأعلى أصواتنا مطالبين بإصلاحات حقيقية بعيدا عن التمثيليات السخيفة و الوعود المكذوبة ..
☑️ نعم ، علينا أن نفرض توجها إصلاحيًا في العمق لا يستثني أي قطاع و لا يتجاوز أي صغيرة ..
و لا أحاول هنا الدفاع عن النظام بل الدفاع عن البقاء .. عن الاستقرار .. عن الموجود .. عن الممكن ..
و لست يمينيا و لا يساريا و لا وسطيا في مواقفي الوطنية ، لأن اليمين في بلدنا كذبة و اليسار خدعة و ليس في الوسط من لا يبحث عن موقع في أحد الاثنين ..
و لا أدعو لخرافة التغيير في ظل الاستقرار التي أعادتنا إلى عقود ماضية ،
لكنني أدعو إلى اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح و أحذر من القرار حتى لو كان صحيحا ، في الوقت الخطأ ؛ ليس إلا .
قناعتي اليوم ، أن العمل على إصلاح النظام مهما كانت عيوبه ، سيكون حتما أسهل من العمل على إصلاح زمن يوهمنا أهلُه أن أي خروج من هذا الواقع هو الحَلُّ ، حتى لو كان إلى الجحيم.
لقد كان تصريح وزير المياه قبل أيام بارقة أمل على طريق الإصلاح ارتاح لها الجميع ، نتمنى أن يكون بداية وعي عام و وليد تعليمات جديدة ، تشمل كل القطاعات بنفس النبرة و نفس الغضب : إن فساد أجهزة الرقابة هو كارثة هذا البلد الحقيقية و كان رفض الوزير الاستماع إلى مبرراتهم هو الرد الوحيد الذي يستحقونه .
على الرئيس غزواني أن يتذكر الآن ، أنه سيقدم استقالته بعد أسابيع و يقف أمام جمهور يحمله وحده مسؤولية كل أخطاء مأموريته السابقة : سيقدم لهم برنامجا يذكرهم ببرنامج مأموريته الأولى و وعودا تذكرهم بوعود مأموريته الأولى . و لم يبق أمامه سوى اعتماد صرخة وزير مياهه و نشر عدواها بين بقية القطاعات في مصارحة مع الجمهور تعترف بكل أخطاء المأمورية السابقة و “تؤازر” بصدق وعود القادمة، بطرح موضوعي و مبسط يفهم أننا نفهم الفرق بين صدق النوايا و وعود الدعاية السياسية المجنونة .