رأي فنيّ بحت حول المرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء هيئة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية (اقتراع 2024)

كتب محمدن ولد سيدي الملقب بدن

إن المعتبر في الأجل الدستوري لتنظيم الاقتراع المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية قانونا هو الشوط الأول فقط لأن الشوط الثاني هو مجرد احتمال مثله مثل ما قد يترتب عن الطعون المحتملة المنصوص عليها بموجب القانون من إعادة في الاقتراع جملةً أو تفصيلًا.

ولنا في الممارسة الفرنسية الحديثة أسوةٌ حسنة ومثالٌ يُحتذى.

فهذا الدستور الفرنسي يقول في مادته السابعة: “يتم انتخاب الرئيس الجديد عشرين (20) يوما على الأقل وخمسة وثلاثين (35) يوما على الأكثر قبل انتهاء مأمورية الرئيس الحالي”.

وبما أن الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون تم تنصيبه في مأموريته الأولى يوم 14 مايو 2017 فإن تلك المأمورية بموجب ذلك تنتهي يوم 13 مايو 2022 عند منتصف الليل.

وعلى ذلك الأساس يُحتسب الأجل الدستوري المذكور لتنظيم الانتخابات الرئاسية الفرنسية الموالية ابتداءً من يوم الجمعة 8 ابريل 2022 عند الساعة صفر وينتهي يوم الجمعة 22 ابريل 2022 م (أي عشرون (20) يوما على الأقل وخمسة وثلاثون (35) يوما على الأكثر قبل انتهاء المأمورية الجارية آنذاك: 15 يوما فقط كما هو الحال بالنسبة للدستور الموريتاني).

وعلى ذلك الأساس أصدرت الحكومة الفرنسية المرسوم رقم: 2022 – 66 بتاريخ 26 يناير 2022 المتضمن استدعاء هيئة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية فحددت بموجبه يوم الأحد 10 ابريل 2022 لتنظيم الشوط الأول، ويوم الأحد 24 ابريل 2022 لتنظيم الشوط الثاني المحتمل، وبذلك المفهوم يكون الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية (2022) خارجاً عن فترة انقضاء الأجل الدستوري المرسوم بيومين كاملين! وبالمناسبة ما عرفتْ فرنسا منذ إدخال نظام انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر في مطلع الستينات حتى الآن حسم الانتخابات الرئاسية فيها إلاّ في الشوط الثاني.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المادة: 26 من الدستور الموريتاني تحصر تاريخ الاقتراع بالنسبة للانتخابات الرئاسية في حيّز زماني محدد إذ تنص على أنه “يتم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد ثلاثين (30) يوما على الأقل وخمسة وأربعين (45) يوما على الأكثر قبل انقضاء مدة الرئاسة الجارية”. وبما أنّ المأمورية الجارية ومدتها (5) خمس سنوات، بدأت بتنصيب الرئيس الحالي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني يوم الخميس 1 أغشت 2019 م، فإنها تنتهي بموجب ذلك يوم الأربعاء 31 يوليو 2024 م عند منتصف الليل. وابتداءً من ذلك التاريخ يُحتسب الأجل الدستوري المحدد لتنظيم الانتخابات الرئاسية الموالية ليمتدّ من يوم الإثنين 17 يونيو 2024 م عند الساعة صفر إلى يوم الإثنين 1 يوليو 2024 عند منتَصف الليلِ أي فترة 15 يوما فقط كذلك.

وخصوصيتنا في موريتانيًا أن لنا سابقةً في تنظيم جميع الاقتراعات يوم السبت من بين أيام الأسبوع، وهي السابقة التي كانت ماثلة بقوة في ذهن المشرع الموريتاني إبّان سنّ المرسوم رقم: 2012 – 278 بتاريخ: 17 دجمبر 2012 القاضي بتطبيق الأمر القانوني رقم: 91 – 027 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991 المعدل المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، إذ نصَّ هذا المرسوم على أن اللجنة الانتخابية ملزمة بأن تكمل عملية مركزة النتائج على مستوى المقاطعات يوم [الإثنين الموالي ليوم الاقتراع]، وعلى أن المجلس الدستوري ملزم بإعلان النتائج التي حصل عليها كل مترشح في أجلٍ أقصاه الساعة الثامنة ليلا (H20 من يوم [الأربعاء الموالي ليوم الاقتراع] في حالة عدم حصول أيٍّ من المترشحِينَ على الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر عنها (أي في حالة شوطْ ثان).

ولو كان الشوطُ الثاني معنياً بالأجل المحدد لكان الإشكالُ أكبر، لأن المهلة الدستورية المحددة لتنظيم الاقتراع الرئاسي 2024 لا تتضمن سوى يومين من السبت أولهما يوم 22 يونيو 2024 وثانيهما هو يوم 29 يونيو 2024. فإذا تم تنظيم الاقتراع في يوم غيرِ يوم السبت نتجت عن ذلك تعقيدات تفرضها ترتيبات المرسوم المذكور الذي يفرض أجلين (الاثنين والأربعاء المواليين ليوم الاقتراع)، وإذا تم الالتزام بسابقة تنظيم الاقتراع يوم السبت نتج عن ذلك في كلا الحالتيْن خروج الشوط الثاني عن الأجل الدستوري حسب المفهوم المذكور كما هو الشأن بالنسبة للأشواط المتلاحقة المحتملة المترتبة عن الطعون الممكنة.. لأنه بتنظيم الشوط الأول يوم السبت 22 يونيو 2024 يلزم دستوريا تنظيم الشوط الثاني المحتمل يوم السبت 6 يوليو 2024، وبتنظيمه يوم السبت 29 يونيو 2024 يلزم دستوريا كذلك تنظيم الشوط الثاني يوم السبت 13 يوليو 2024 م. وكلا التاريخين خارج عن الأجل الدستوري المحدد المفهوم المذكور.

هذا، ويجدر بنا أن نتنبه إلى مسألة تكاد تكون حاسمة في الموضوع وهي أن الدستورين الموريتاني والفرنسي يتفقان بخصوص الانتخابات الرئاسية في مسألتيْن هما:

أولا: تحديد الفترة الزمانية التي ينحصر فيها تنظيم الانتخابات الرئاسية بخمسة عشر يوما فقط؛

ثانيا: تحديد الفترة الفاصلة بين الشوطين الأول والثاني بأسبوعين كاملين.

ونظرا لتطابق الفترتيْن من حيث عدد الأيام (15 يوما وأسبوعان)، فإن الاحتمال العقليَّ لا يستسيغ وقوع الشوطين معاً داخل هذا الأجل الدستوري المحدد إلا في حالة فريدة هي أن ينظم الشوط الأول في اليوم الأول منه والشوط الثاني في اليوم الأخير منه.. كأن ينظم الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022 مثلا يوم الجمعة 8 ابريل 2022 وينظم الشوط الثاني المحتمل يوم الجمعة 22 ابريل 2022. وكذلك بأن ينظم الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية الموريتانية 2024 يوم الاثنين 17 يونيو 2024 (بداية الأجل) وينظم الشوط الثاني يوم الاثنين 21 يوليو 2024 م (نهاية الأجل)!

وهذا الاحتمال مستبعد جدا لأنه لا يعطي أي خيار للحكومة في الأجل المحدد ولو كان ذلك هو مراد المشرع لحدده بصورة جازمة حازمة..

والخلاصة، أن المرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء هيئة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية دستوريّ على الوجه الصحيح الذي لا إشكال فيه. ولكننا نأمل أن لا تؤدي بنا الطعون الانتخابية المحتملة لدى المجلس الدستوري إلى تنظيم أشواط إضافية تدفع إلى مخالفة المادة: 29 (جديدة) من الدستور التي تقول: “يتسلم الرئيس المنتخب مهامه فور انقضاء مدة رئاسة سلفه”! عندئذ فقط يكون الإشكال القانوني أكبر..

وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه..

التاريخ: الاثنين 22 ابريل 2024 م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى