سِجن خُصوصي. ………ا
كتبت الدهماء:
الزمان أنفو _ على طرفِ زمانٍ سابقٍ، راودتني فكرة إنشاء سِجن خُصوصي، فبَعدَ خصْخصةِ التَّعليم والصِّحة، لمَ لا خصخصة الإجرام؟، ..لا يَهمُّني إنْ كان العقل لا يُقرِّها،.. ، فأنا من هذا القبيل زاهدة في الحدِّ الفاصل بين المُمكنِ والمستحيل..
ومع أنِّي أغار على أفكاري من الإشهار، لكنِّي مُقاتلة في مُلاحقتها، فمن حقِّ البَشر أنْ يُجرِّبَ إثارة السِّجن بالمزاج لا بالإكراه،..
عرضتُ الفكرة قبل سنين على صديقتي وعزيزتي النائبة فاطمة محمد المصطفى Fatimetou ، طلبتُ منها أن تتوسَّط لي لدى أحد أساتذتي عُيِّن وقتها وزيرًا للعدل ، بحكم معرفة قديمة بينهما، وقد استبشرتُ حينها أنَّنَا “دخَّلنَ مِنكبْ في الحُكومه” بتعيينه، وأنَّ ترخيص السِّجن سيظهر للنُّور.. لكنَّها خَذلتني.
ما زلتُ متمسِّكة بأملِ فرصة الاستثمار تلك، من خلال سجن “Bio ” لا يكْفُر بالإنسان، ويُحافظ على الإنسانية بالمنافع، سِجن جاذبٌ غير طاردٍ، ولا يَقبل بالعفو العام عن نُزلائه، وتَكثر به مَخارج الطَّوارِئ.
أبحثُ عن شُركاء نَبعث معًا سِجنا Hyperclasse ، نَتخلَّصُ فيه من قبضة حَبْسِ الزَّمن، نروِّضه ليكونَ في قبضتنا.
نُشيِّد بناية أنيقة مُقسَّمة لأجنحة، تُقدِّم خَدمات الدُّور العقابية مع لمسة زبونيَّة، روحها “سِجْنٌ” تحت الطَّلب، تُلفَّقُ فيه التُّهم المُريحة للزَّبائن وفقَ الرَّغبة،.. تُلحقُ بسجننا الفاخر مَحاكم خُصوصيَّة هيَّ الأخرى، تضمُّ نُخبة من القُضاة، تصنيف “قاضيَّان في النَّار”، فمن شُروط العَقدِ أنَّه لا يَحقُّ لهم الوقوف ولا الجلوس قضاءً، ولا بأس في الرّكوع، فالتَّجديد هدفنا، … لنا قائمة من الأحكام نعدُّها وفق مزاج الزَّبون ” Menu à la carte “، وشُرطة دقيقة، تُصرِّف فِعْلَ “شَرَطَ” بين اللَّحم والعظم، لمن يستفزُّ أو يُزعج، وتُحدِّدُ مسطرة المُساءلة بالقُرعة.
سَنمارسُ الانتقائية في المسجُونين، سنترك للدَّولة عُتاة القتلة، والمدمنين والمروِّجين، وصغار المنحرفين من المعوزِّين، والعاجزين عن دفع الكفالة.. نريد زبائن تلمع!
باقة خدماتنا الهَايْ.. تُفتَتَحُ بتُهمة ذهبيَّة لمن يُريد نقاهةً من مشاكل زوجة نِكديَّة، أو خليلة متَطلِّبة، أو مُدير مُتسلِّط،.. حبس من أسبوعٍ لشَهرٍ، حَسبَ الرَّغبة،.. نُوفر مَهربًا من الدَّائنين مع شهادة إفلاس، أو اختلالِ عَقْل.
في الجَناح النَّفسي، نُوفِّرُ صالونَ مَبكَى بأضواء بنفسجية، للنَّواح على المُستقبل ولعْن الماضي، يقع مباشرة قبل الإقامة المجانية للمُدوِّنين، لمن لَمْ يُحسِن منهم التَّصرف في الهُدنة الفاصلة بينَ لَثم يدٍ وعَضِّها،.. في تلك الإقامة نُخفي بإتقانٍ أشلاء اليَد، وبيِّنة بَصمة القُبلة، فخدماتنا للزُّملاء حليمة أثيمة، ولنا خبرة منشودة في طمس الأثر..
أمَّا الجناح الملكي فلِعلْيَةِ القومِ من الكبارِ والمُميَّزين، نَغمُرهم بنَمطٍ أنيقٍ من العُزلة التَّرفيهيَّة عن مُجرياتِ حياةِ البُؤساء،.. صنفٌ مخمليٌّ من الوِحدة واللاَّمُبالاة في زنازين انفرادية، تَحمل مقابضها شارة “لا تُزعج مهما كان”.. وبعد انصرام الإقامة سيُهديهم السّجن مجموعة مُختارة من التَّمائم تَحمي من الشَّتائم.. وتشكيلة من النَّقائص تلحقُ عاهاتٍ مستديمة بسُمعة خُصومهم .
لليائسين من زبنائنا ، ندِّخر نَسقًا جديدًا من أحكام الإعدام النَّفسي بخيَّارات مُريحة: لمَعان خِنجر في يِد مُراهق، حقنةٌ زُعاف من الخوف في زُقاق مُظلم،.. أو الكشف للزَّوجة عن سِجلِّ المُكالمات.. وسيتحمَّل السِّجن رُسوم الدَّفن لمن ماتَ منهم رُعبًا، وتوفير الحفَّاظات لمن أخفقَ الموت معه.
هذا عملٌ وطنيٌّ، لن نَطلبَ مُقابله ثوابًا، ففي الوطنيّة ثواب الوطنيّة…