ولد الوالد (أبوحفص) يتحدث عن مفهومه للجهاد وعن تاريخه في القاعدة (مقابلة شاملة)
تحدث محفوظ ولد الوالد (أبوحفص الموريتاني) في مقابلة هذا الاسبوع مع تلفزيون أخبار الآن، عن اسباب التحاقه بالقاعدة وعن علاقاته ببن لادن وخلافاته معه التي ادت لاستقالته من القاعدة، كما تحدث عن مراحل حياته بعد استقالته من القاعدة لمدة 10 سنوات في ايران قبل انتقاله الي موريتانيا.
ولد الوالد تحدث في هذه المقابلة الشاملة عن نظرته لما يجري في سوريا والعراق وعن مفهومه للجهاد وكشف النقاب عن كتاب له سيصدر قريبا من مجلدين بعنوان “”الطريق إلى بن لادن والقاعدة”، كما قال إنه بصدد تأسيس مركز إسلامي للدعوة والبحوث يهدف إلى الجمع بين الدعوة والتربية من ناحية وبين إعداد وإنجاز البحوث العلمية من ناحية في المجالات الشائكة التي تهم الشباب بصورة عامة وتهم شباب الصحوة الإسلامية بصورة خاصة.
وهذا نص المقابلة التي بثتها تلفزيون الآن يوم امس 12 ديسمبر 2013 .
أخبار الآن: أهلا بكم في هذا اللقاء الخاص والحصري على شاشة تلفزيون الآن والذي نستضيف فيه الرجل الثالث في تنظيم القاعدة ومفتيها سابقا، الشيخ محفوظ ولد الوالد المعروف بـ أبو حفص الموريتاني. أهلا بك معنا.
أبو حفص: أهلا وسهلا ومرحبا، حياكم الله.
أخبار الآن: بداية، نشكركم على قبول استضافتنا للرد على بعض الأسئلة التي تهم المشاهدين الكرام.
أبو حفص: أهلا وسهلا، حياكم الله.
أخبار الآن: ما الذي حدث حتى تحولتم من نهج القاعدة؟ صف لنا تلك اللحظة التي أدركت فيها أن القاعدة لم تكن على صواب.
أبو حفص: بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله وحده. وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده: نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. هذا السؤال تحتاج الإجابة عليه إلى تمهيد.
القاعدة عندما تأسست في نهاية الثمانينات تأسست للجهاد في سبيل الله ومقاومة المحتلين السوفييت في أفغانستان وقد أبلت بلاء حسنا في هذه المهمة حتى خرج الروس مهزومين من أفغانستان وحتى سقط النظام الشيوعي في كابول في ربيع 1992 من القرن الماضي ميلادي.
ولم تقم القاعدة في هذه الفقرة بشيء يستدعي الاستقالة منها، بل كانت كل أعمالها جيدة ومرضية. ولما سقطت كابول في أيدي المجاهدين وبدأ الاقتتال بين الأحزاب الجهادية على السلطة في كابول، وظهر للقاعدة أنه قتال على السلطة والحكومة وليس جهادا في سبيل الله، اعتبرته فتنة وتركته وخرجنا إلى السودان، وكان ذلك أيضا تصرفا صائبا تجاه تلك الأحداث. فترة السودان بدأت من عام 1992 إلى عام 1996.
في هذه الفترة قامت القاعدة بمساعدة السودان في مجال البنى التحتية والاستثمار والزراعة؛ وحسنا فعلت، لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى. ولم يكن في هذه الفترة من أعمال القاعدة ما يدعو إلى استقالتي منها والانسحاب منها وقد كانت أعمال مرضية وموافقة للشرع.
أُخرجت القاعدة من السودان عام 1996 وانتقلت إلى أفغانستان. المرحلة الثانية من مراحل أفغانستان. هذه المرحلة هي التي بدأت تشهد نوعا من الخلاف بيني وبين الشيخ أسامة بن لادن رحمة الله عليه. وكان هذا الخلاف له أسبابه. أهم هذه الأسباب هو إعلان الشيخ أسامة رحمة الله عليه الجهاد على الأمريكان في هذه الفترة.
طبعا لا شك أن أي مسلم له غيرة على دينه وعلى عقيدته وعلى أمته يرفض وجود القوات الأمريكية والغرب في جزيرة العرب وفي بلاد الحرمين وفي مختلف بلاد المسلمين. ولكن رفض هذا الأمر واستنكاره شيء وإعلان الجهاد دون وجود مقومات لهذا الجهاد ودون وجود ظروف مناسبة لهذا الجهاد شيء آخر.
كان أول خلاف لي مع الشيخ حول هذه النقطة. فقد كنت معترضا على إعلانه الجهاد على الأمريكان في تلك الفترة من دون وجود مقومات لهذا الجهاد. السبب الثاني من اسباب خلافي مع الشيخ رحمة الله عليه هو مخالفته المستمرة لأوامر الملا عمر زعيم حركة طالبان فيما يتعلق بعملياته ضد الأمريكان.
طبعا الشيخ أسامة خرج مطرودا من السودان من قبل أصدقائه وأصحابه في حكومة السودان. ولما جاء إلى أفغانستان، تنكر له أصحابه السابقون أيضا: حكومة رباني والسيافي التي كانت تحكم كابول. وقد اتفقت هذه الحكومة على تسليمه ومن معه للدول التي تطالب به.
في هذه الفترة جاءت حركة طالبان واستولت على كابول واستولت على السلطة في أفغانستان واحتضنت الشيخ رحمة الله عليه وآوته ودافعت عنه وخسرت الكثير من أصدقائها في سبيل حماية هذا الشيخ وقاومت ضغوطا كثيرة من السلطات السعودية والباكستانية والأمريكية في هذا المجال.
فكان من الواجب أن يبدي الشيخ قدرا من التعاون والتفهم لموقف وظروف الحركة وألا يحرجها بأعمال عسكرية لا تستطيع أن تتحمل ردود الفعل عليها. ولكن الشيخ لم يفعل ذلك. بل أصر على خوض حربه مخالفا أوامر الملا عمر. وكان ذلك سببا آخر من أسباب الخلاف مع الشيخ رحمة الله عليه.
أمر كان من المفروض يأخذ به الشيخ وهو أنه ضيف لدى حركة طالبان والملا عمر هو الحاكم الشرعي لهذه البلاد وإعلان الجهاد والحرب هو من صلاحيات الحاكم المسلم وليس من صلاحيات أفراد الأمة ولكن الشيخ أيضا لم يأخذ بذلك مع أنه يعترف بشرعية الملا عمر وأصر على خوض حربه ضد الأمريكان ما تسبب في النهاية في سقوط الإمارة الإسلامية في أفغانستان.
السبب الثالث من أسباب اختلافي مع الشيخ رحمة الله عليه هو عدم الانضباط في الأخذ بالفتاوى الشرعية، أحيانا، فأنا كنت رئيس اللجنة الشرعية ومن المفترض ألا يقوم التنظيم بأية أعمال إلا بإذن الموافقة من اللجنة الشرعية؛ وأحرى أن يقوم بأعمال أفتت اللجنة الشرعية بعدم مشروعيتها.
الشيخ رحمة الله عليه في الأمور التي كان يعلم أنني أعارضه فيها كان يقدم على بعض الأعمال دون استشارتي أحيانا وفي الأمور التي أبدي فيها رأيا مخالفا له كان أيضا لا يلتزم بذلك الرأي وهذا أيضا مأخذ آخر ليس لأنه لم يأخذ برأيي وإنما لأنه من وجهة نظري لم يأخذ الفتوى الشرعية التي يجب أن يأخذ بها. السبب الرابع في تركي القاعدة هو المركزية الشديدة للشيخ أسامة رحمة الله عليه في إدارة التنظيم.
فالشيخ رحمة الله عليه كان كل شيء في كل شيء ولم يكن يعطي صلاحيات أو أدوار لمجلس الشورى مثلا أو اللجان الفرعية والمسؤولين الآخرين وهذا كان محل اعتراض مني أيضا. أنا كنت أرى أن الشورى ملزمة وأن ما اتفق عليه مجلس الشوري لا يجوز للأمير أن يخالفه وكان للشيخ رأي آخر.
هذه الأسباب تواجدت في السنوات الأخيرة في أفغانستان لكنها تكثفت وتركزت في الفترات الوجيزة قبل أحداث سبتمبر، فكان إصرار الشيخ على أحداث سبتمبر مع مخالفتنا له في اللجنة الشرعية ومعارضتنا له في مجلس الشوري ومعارضة حركة طالبان له وجميع الحركات الجهادية الموجودة في الساحة في أفغانستان. هذا كان الحد الفاصل الذي دفعني إلى تقديم استقالتي للشيخ رحمة الله عليه.
أخبار الآن: هل تعرضت للوم بعد انفصالك عن القاعدة؟
أبو حفص: كثير من الأخوة الكبار في التنظيم لم يفاجئهم قرار استقالتي لأنهم كانوا على اطلاع على فتور العلاقة في الفترة الأخيرة بيني وبين الشيخ رحمة الله عليه، وبالخلاف الذي كان بيني وبينه؛ بالتالي لم يتفاجأ الكثير منهم عندما أعلنت استقالتي. بعض الشباب المتحمسين الصغار ربما صدر عنهم بعض الكلام وأنا يتسع صدري للوم هؤلاء وعتابهم طالما نيتهم حسنة ومقصدهم سليم.
أخبار الآن: بعد وفاة أسامة بن لادن، هل تغيرت القاعدة؟
أبو حفص: لا أعتقد أن وفاة الشيخ رحمة الله عليه أحدثت تغيرا كبيرا في التنظيم لأن الشيخ في فتراته الأخيرة كانت قيادته للتنظيم قيادة رمزية بل كان التنظيم المركزي كله في حالة ضمور وحالة انكماش في حين كان معظم أنشطة القاعدة هو أنشطة الفروع في الأقاليم الأخرى وبالتالي لم يكن لغياب الشيخ تأثير كبير على التنظيم.
ولكن التنظيم عرف تغيرا قبل وفاة الشيخ رحمة الله عليه. التنظيم نمت له فروع في أقاليم متعددة وهذا ما لم يكن من قبل. التنظيم بدأ يقوم بأعمال كان التنظيم المركزي قد تخلى عنها من قبل وهي مقاتلة الحكام ومواجهة الأنظمة. وهذا لم يكن من سياسة التنظيم المركزي ولكن هذا حدث في السنوات التي أعقبت غزو أفغانستان وكان هذا ردة فعل للغزو.
التنظيم في الوقت الذي وصلت فيه أحداث سبتمبر وحصل فيه الغزو لأفغانستان كان يضم عشرات من الأفراد أو المئات على أقصى تقدير في أفغانستان ولكن الحرب حولته إلى تنظيم عالمي وفروع عابرة للقارات وفكر يسري في واقع الأمة و بالتالي كانوا يتحركوا تلقائيا وذاتيا دون الرجوع للشيخ وبالتالي لم يكن غياب الشيخ مؤثرا تأثيرا كبيرا في حركة وسير التنظيم.
أخبار الآن: كيف تنظر إلى ما جرى في نيروبي وبيشاور؟
أبو حفص: لعلك تقصد أحداث المجمع التجاري والكنيسة. على كل حال، أنا سبق أن أعلنت مرارا أنني أرفض استخدام القوة وقتل المدنيين الأبرياء غير المسلحين لأي سبب كان.
أخبار الآن: لا شك أنكم متتبعون لما يحدث في سوريا وأن السوريين يشتكون اليوم من ممارسات دولة العراق والشام المحسوبة على القاعدة. كيف ترى ما تقوم به؟
أبو حفص: في الحقيقة السوريون يشتكون من أشياء كثيرة. السوريون يشتكون من نظام يذبح شعبه في عالم يتفرج على المأساة. السوريون يشتكون من حرب طائفية تقودها إيران وحزب الله وشيعة العراق أو بعض شيعة العراق. السوريون يشتكون من دول دفعت بهم إلى تسليح ثورتهم ثم تخلت عنهم في وقت حرج. والسوريون يمكن أن يكونوا يشتكون من تصرفات وأخطاء بعض الجماعات المحسوبة على الجهاد.
ليست لدي تفاصيل في هذا الشأن، ولكني لا أستبعد أن يكون بعض هذه الجماعات لديهم نوع من الغلو في التكفير ولديهم نوع من التوسع في استباحة الدماء. لا أستبعد أن يكون هناك شيء من هذا القبيل وأنا أوصي هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى في أنفسهم وفي الشعب الذي جاؤوا لنصرته وأن يضبطوا أحكامهم على الآخرين بضوابط الكتاب والسنة ومنهاج أهل السنة والجماعة وأن يتقوا الله في دماء المسلمين. “فلا يزال المرء في بحبوحة من دينهم ما لم يسفك دما حرام.”
أخبار الآن: يقال أن أيمن الظواهري فقد السيطرة على فروع القاعدة بما فيها فرعها في الشام. كيف ترى إدارة الظواهري للأمور؟
أبو حفص: ليست لدي تفاصيل عن طبيعة العلاقة بين الدكتور أيمن الظواهري وبين فروع التنظيم في الأقاليم المتعددة ولكني لا أستبعد أن يكون بعد المسافة والتباعد الجغرافي بين هذه الفروع وبين القيادة المركزية وصعوبة التواصل وظروف الملاحقة والمطاردة التي يتعرض لها الجميع. لا أستبعد أن تكون هذه أسباب في ضعف التواصل بين القيادة العامة والفروع ولكني شاهدت في الفترة الأخيرة في الإنترنت بعض التوجيهات من الدكتور أيمن وبعض الأوامر حتى للفروع في العراق والشام تدعوهم للالتزام بتلك التعليمات ومن تلك التعليمات إلغاؤه لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق ولاشام وإلزامه لفرع العراق الإلتزام بحدود العراق وفرع الشام الالتزام بحدود الشام. وهذا يدل على انه بينه وبينهم تواصل وله عليهم نوع من النفوذ لكن لا أعرف مدى قوة أوضاع ذلك النفوذ.
أخبار الآن: لو كنت مكان الظواهري، هل كنت ستكون مختلفا؟
أبو حفص: سؤال عجيب. هذا سؤال مغرق في الافتراض حقيقة. لا أظن أنه في المستقبل القريب سأكون مكان الظواهري. تجاوز هذا السؤال إلى غيره.
أخبار الآن: بماذا تنصح الظواهري؟
أبو حفص: أنصح الظواهري أن يتقي الله سبحانه وتعالى. فتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين وأنصحه أن يتجنب الأخطاء؛ تكرار الأخطاء التي حصلت في العهود السابقة ولا أشك أنه على اطلاع بها. وأنصحه أن يبذل مزيدا من الجهد في توجيه فروع التنظيم والوقوف في وجه موجة الغلو في التكفير والتوسع في استباح دماء المسلمين. استباح دماء المسلمين أمر عظيم وخطير وتكفير المسلمين مزلق خطير وكبير. وهذه من أشد الأخطاء التي تقع فيها الجماعات الجهادية.
أخبار الآن: هل تتفق مع من يقولون إن الظواهري اتخذ قرارات سيئة جعلت الكثيرين يعانون في القاعدة؟
أبو حفص: لما تركت القاعدة لم يكن للدكتور أيمن الظواهري دور في اتخاذ القرارات المصيرية بالنسبة للتنظيم. لم يكن هو من يتخذ القرار. وثم بعد ذلك كان معظم أنشطة القاعدة وأنشطة الفروع؛ والفروع غالبا تتخذ قراراتها بنفسها دون الرجوع إلى القيادة المركزية. وبالتالي لا أتذكر قرارات توصف بأنها سيئة اتخذها الدكتور أيمن، ولا حتى غيرها. لا يحضرني شيء من هذه القرارات لأنني تركت التنظيم منذ فترة طويلة. لكني في إحدى المرات سمعته يتكلم عن الأخوة في حركة حماس بشدة وحدة دون تقدير لظروفهم. لا شك أن النصيحة مطلوبة لكن من المهم تقدير ظروف الآخرين. كثير من الناس يعرف أن ميتة اللحم تجيزها ضرورة الجوع. ولكن قليل من الناس يعرف أن ضرورة السياسة تبيح أكل ميتة السياسة. الأخوة في حماس في ظروف خاصة ويضطرون لبعض الأمور التي قد لا يكونوا هم مقتنعين بها في حالة الاختيار ولكن حالة الاضطرار تختلف عن حالة الاختيار. الضرورة تبيح المحظورات لكن يجب أن تُقدّر بقدرها. لو كنت مكانه لكنت أقل حدة وأكثر تقديرا لوضع الأخوة في حماس.
أخبار الآن: كنت رئيس الهيئة الشرعية في القاعدة وهذا منصب مهم. كنت مفتيا للقاعدة. كإنسان عاش تجربة ورأى الصواب، ماذا تقول للشباب المسلم الذي تأثر بفكر القاعدة؟
أبو حفص: أنا أريد أن أصحح مسألة وهي أنني لم أكن على فكر ثم اقتنعت بغيره. الفكر الذي عليه أنا الآن هو الفكر الذي كان عندي من قبل. القاعدة هي التي خرجت من وجهة نظري عما كان خطا مشتركا بيني وبينها. لهذا تركتها. هذه مسألة.
نصيحتي للشباب هي كما قلت، أن يتقوا الله عز وجل. فتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين. وصيتي لهم الثانية هي أن يدرك ويعلم أن الجهاد مثلما هو ذروة سنام الإسلام وهو العبادة التي لا يعدلها شيء، فهو مع ذلك، لا بد له من شروط ومقومات. بدون هذه الشروط والمقومات لا يحقق الجهاد وأهدافه ولا تترتب عليه الثمار المرجوة من ورائه.
الجهاد لا بد له من مقومات شرعية. المقومات الشرعية هي استيفاؤه للمشروعية الفقهية لفتاوى العلماء العاملين الجامعين بين العلم بالشرع والعلم بالواقع وخشية الله عز وجل. فلا يصح أن يقوم بالجهاد أو أن يعلن الجهاد كل من هب ودب. ولو كانت نيته حسنة وقصده سليم. لا بد للجهاد من مقومات مادية؛ هذه المقومات المادية يعرفها أهل الخبرة والاختصاص.
ثم أنصح هؤلاء الشباب بأمر أكدت عليه أكثر من مرة وهو البعد عن تكفير المسلمين. الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. ومنهج أهل السنة والجماعة يضع شروطا وضوابط شديدة في باب التكفير والفسير والحكم على الآخرين. وللأسف كثير من الشباب لا يلتزم بهذا المنهج وستوسع في التكفير والتفسير والحكم على الآخرين. الوصية الأخرى هي أن يحتاطوا في دماء المسلمين. وأن يبتعدوا عن الخوض فيها. الله عز وجل يقول: “ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها. غضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.” والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا التقى المسلمان، سيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار.” والرسول صلى الله عليه وسلم يقول، وهو جنب الكعبة: “ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمتك؛ دمه وماله وأن يُظن به إلا خير.” ويقول صلى الله عليه وسلم: “لا يزال المرء في بحبوحة في دينه ما لم يصب دما حرام.” دماء المسلمين أمر عظيم.
ولذلك لما حصلت الفتنة في عهد الصحابة، رضي الله عنهم، قام كبار الصحابة باعتزال هذه الفتنة. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو أحد الشورى الستة؛ وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة؛ لما عوه إلى القتال في تلك الفتنة التي جرت في ذلك الوقت، قال: “لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان يبين المؤمن من الكافر.”
عبدالله بين عمر رضي الله عنه، رفض الدخول في شيء من ذلك. جاءه رجل مرة، فقال له: “يا أبا عبدالرحمن إن الله عز وجل يقول: ‘وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهم، فإن بغت إحداهما بالأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله.‘ لماذا لا تقاتل الطائفة التي تبغي؟” فقال له: “يا ابن أخي. أن أعُيّر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أُعيّر بهذه الآية.” وقرأ قوله تعال: “ومن يقتل مؤمنا متعمدا جزاؤه جهنم خالدا فيها. غضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.”
وكذلك عبدالملك بن مروان، جاء إلى ايمن بن خريم ودعاه إلى القتال معه. فقال له أيمن بن خريم: “إن أبي وجدي شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بدر. وإنما عهدا إليّ ألّا أقاتل رجلا يقول لا غله إلا الله محمد رسول الله. فإن أنت جئتني ببراءة من النار، قاتلت معك.” قال: “فاخرج عني.” فخرج عنه وهو يردد أبيات من الشعر يقول فيها:
ولست بقاتل رجلا يصلي على سلطان آخر من قريش له سلطانه وعليّ إثمي؛ معاذ الله جهل وطيش الصحابة رضي الله عنهم، حتى الذين دخلوا في ذلك القتال بتأويل، ندموا على ذلك.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول في صفين؛ الحسن رضي الله عنه يقول له: “لله مقام قامه سعد وعبدالله بن عمر. إن كان برا إن أجره لعظيم؛ وإن كان إثما إن خطأه ليسير. ما كنت أظن أن الأمر يبلغ ما بلغ.”
والتاريخ يشهد على أن كثيرا من الحركات التي قامت بقصد تغيير المنكر والثورة على الأنظمة الفاسدة انتهت إلى فشل وتحولت إلى مآسي، مع أن أصحابها يحتسبون الأجر ويريدون الإصلاح ولكن أعمالهم لم تكن مضبوطة بضوابط الشرع فكانت تلك هي النتيجة.
أخبار الآن: هل لك أن تحدثنا عن لماذا اخترت إيران بعد انفصالك عن القاعدة ومن غادر معك إليها؟
أبو حفص: أنا في الحقيقة لم أختر إيران اختيارا، ولكن اضطررت إليها اضطرارا. نحن عندما سقطت أفغانستان لم يكن لنا منفذ ومخرج إلا إلى باكستان أو إلى غيران. باكستان معروف موقفها؛ فقد كان برويز مشرف أمريكيا أكثر من الرئيس بوش؛ وبالتالي لم يكن هناك مخرج إلا إلى إيران. وإيران في الحقيقة تقدمت بعرض واستعداد لاستقبالنا في هذه الظروف، فدخلت إليها مضطرين لاننا لم نجد غيرها.
أخبار الآن: كيف كانت إقامتك في إيران؟ وهل التقيت خلالها مسؤولين إيرانيين؟
أبو حفص: إقامتي في إيران كانت تتراوح من ضيافة كريمة في الأول، إلى اعقتال ظالم في مرحلة بعد ذلك؛ إلى مزيج من الاثنين في مرحلة لاحقة. قابلت بعض المسؤولين من رتبة وزير فما دون. وقابلت بعض علمائهم وبعض مسؤوليهم؛ فضلا عن المسؤولين الأمنيين الذين كانت علاقتي مباشرة معهم.
أخبار الآن: هل كانت إيران تستفيدي من وجودكم هناك؟
أبو حفص: لا شك أن إيران دولة تلعب على جميع الحبال. وهي تتحالف مع شخص وتتحالف عليه في نفس الوقت. فإيران ساعدت الأمريكيين في احتلال أفغانستان واستضافت بعض عناصر القاعدة وحركة طالبان في الوقت ذاته. ولا شك أن وجودنا عندها كان يضع بيدها ورقة رابحة تستطيع المساومة بها، بل وتستطيع اللعب بها عند الضرورة. من هذا المنطلق، كان احتفاظها بالأخوة الموجودين عندها.
أخبار الآن: خرجت أنت وأبو غيث. ماذا عن الآخرين؟ ماذا يمكن أن تقول لأهلهم الآن الذين يشاهدونك؟
أبو حفص: أقول لهم لم يتبق من الأخوة إلا قليل حسب علمي. بقيت تقريبا في إيران ثلاث أسر فقط، وهم في ظروف جيدة. أحسن بكثير من ذي قبل. وإن شاء الله سبحانه وتعالى يسر أمورهم وجعل لهم فرجا وأخرجهم مما هم فيه. أقول لأهلهم: اجتهدوا في الدعاء وعليكم بالصبر
ولَرُبّ نازلة يضيق بها لافتى ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
فرج الله قريب وإن شاء الله سبحانه وتعالى يمن عليهم بالفرج والتحرر من الوضع الذي هم فيه ويمن على بقية المسلمين بتفريج كرباتهم إن شاء الله.
أخبار الآن: أبو غيث سجين الآن بتهمة الإرهاب وهناك غيره. هل كان الأمر كله يستحق هذا العناء وهذه الخواتيم؟
أبو حفص: الشيخ أبو غيث مل يكن إرهابيا. الشيخ أبو غيث أخ فاضل. أحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا. وهو أحد الدعاة الذين جاؤوا في الفترة الأخيرة إلى أفغانستان ولم تكن له علاقة بأي أعمال عسكرية حتى لم يأت إلا قبل أحداث سبتمبر بقليل. وبعد الأحداث بقليل خرج من أفغانستان وبقي معنا في إيران إلى أن اعتقل في تركيا أثناء توجهه إلى بلده. الشيخ أبو غيث ليس إرهابيا أبدا. الشيخ أبو غيث كنت معه في آخر فترة في إيران قبل خروجي. وهو معترض على كثي رمن أعمال القاعدة وغير موافق عليها. حدثني عن رغبته في العودة إلى بلاده لمواصلة مشواره الدعوي والتربوي وإمامة وخطابة مسجده في الكويت الذي كان فيه قبل ذهابه إلى أفغانستان. مشكلة الشيخ أبو غيث أن بلاده لم تساعده على ذلك بل اتخذت في حقه قضاء جائر وهو تجريده من جنسيته ولم تسمح له بالعودة وجعلت ذلك سببا أساسيا لأن يُعتقل. بقي فترة في تركيا وكان من الممكن لدولته أن تساعده في العودة إلى بلاده وتصحيح وضعه ولكنها لم تقم بذلك. أنا أستغرب حقيقة سياسة كهذه التي تتخذها بعض الدول ضد مواطنيها بتجريدهم من جنسياتهم ومنعهم وعدم إعطائهم فرصة لتصحيح أوضاعهم. حتى الأمريكان اعتقلوا أمريكيين يقاتلون مع المجاهدين ولم يجردوهم من جنسياتهم ولم ينقلوهم إلى غوانتانامو وإنما حاكموهم وفق القانون الأمريكي. حقيقة الشيخ أبو غيث يستحق بذلك الجهود من أجل أن يرجع إلى بلده. واتهامه بالإرهاب لا يعني أنه إرهابي أبدا. يم يشارك في أي عمل عسكري وكان معترضا على كثير من أعمال القاعدة.
أخبار الآن: هل خشيت لحظة أن يكون مصيرك كمصير أبو غيث وهل تعتبر أن الإيرانيين مكروا به؟
أبو حفص: حقيقة تعرضت لمخاطر كثيرة ولكن الله سبحانه وتعالى كان يرعاني ويحفظني وله الحمد والشكر وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ كل الأخوة في كل مكان. في الحقيقة لم أجد علامات قاطعة أو أدلة قاطعة على أن الإيرانيين مكروا بأبي غيث وبغيره. ولكن هذا غير مستبعد في عالم السياسة. السياسة هي مذهب بلا أخلاق. وكثير من الأخوة كانوا يتحدثون أن الإيرانيين كان بينهم نوع من التنسيق مع الأمريكان في شأن اغتيال بعض الأخوة الذين خرجوا من عندنا في إيران. أكثر الأخوة الذين خرجوا من عندنا في إيران من السجن، من الوضع الذي كنا فيه أخيرا، وذهبوا إلى باكستان، قُتلوا بقصف طائرات بدون طيار. وحتى الأخوة الذين كانوا في باكستان، سمعنا أنهم كانوا في الأخير يرفضون استقبال الأخوة القادمين من إيران لأنهم بمجرد قدومهم يكونوا محل استهداف هذه الطائرات. بل هناك من قال إن الأمريكان تعرفوا على مكان الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله عن طريق زوجته التي كانت معنا في إيران وذهبت إليه في باكستان وقالوا إن ه زُرعت فيها شريحة هي التي قادت الأمريكان إلى مكانه بعد وصوله إليه. أنا طبعا ليست لدي أدلة قاطعة لأثبت هذا. ولكن هذه القرائن كانت موجودة. بعض الأخوة كان يأخذ بها ويضيف إليها سوء ظنه فيصدقها.
أخبار الآن: ما الذي تعرفه عن فرع التنظيم في الجزيرة العربية؟
أبو حفص: في الحقيقة، ليست لدي معرفة بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية. أنا خبير في القاعدة الأم. ولست كذلك في القاعدة الفروع. وليست لدي معلومات كافية عنها ولا أستطيع التحدث عنها والحكم عليها.
أخبار الآن: كنت قلت إنك قد تلعب دور الناصح لجماعة القاعدة في مالي إبان العملية العسكرية ضدهم في الشمال. هل لعبت هذا الدور؟
أبو حفص: في الحقيقة، لم يكن بيني وبينهم تواصل خاص وإنما نصيحتهم لهم ونصيحتي للمجاهدين في كل مكان، للعاملين للإسلام في كل مكان، لأبناء هذه الأمة، هي تقوى الله عز وجل. ووصيتي الخاصة للمجاهدين هي ما أشرت إليه سابقا أثناء نصيحتي لشباب الأمة بصورة عامة. وليس عندي أكثر من ذلك.
أخبار الآن: لو سُمح لك أن تقول لهم شيئا، ماذا تقول؟
أبو حفص: أقول لهم ما نصحب به الشباب. ردي على السؤال السابق.
أخبار الآن: لا بد أنك سمعت عن إحراق القاعدة مكتبة أحمد بابا في تمبكتو. ما الذي خطر لك عندما سمعت ذلك؟
أبو حفص: أنا في الحقيقة لا أعلم من أحرق هذه المكتبة. قد يكون الذي أحرقها جنود ماليون. قد يكون الذي أحرقها جنود فرنسيون. قوات إفريقية. أستبعد أن يقوم مسلم فضلا عن مجاهد يدّعي أنه مجاهد على إحراق هذه المكتبة التي تُعتبر كنزا ثمينا لا يُقدر بثمن من كنوز التراث العربي والغسلامي في هذه المنطقة. وبغض النظر عمن قام بهذا الفعل، فهو فعل مدان وومنكر وليس له أي مبرر.
أخبار الآن: منذ حوالي سنة وأنت في موريتانيا. هل لك أن تقارن بين فتراتك في القاعدة وإيران وموريتانيا؟
أبو حفص: فترتي في القاعدة كانت فترة جهاد وتربية ومحاولة للإصلاح في هذا التنظيم. فترتي في إيران كانت فترة محنة وتقييد الحرية، وفترتي في موريتانيا هذه الأخيرة كانت فترة استجمام واستعداد لمرحلة جديدة من الدعوة والعمل الإسلامي، الله سبحانه وتعالى يتقبله.
أنا الآن في صدد تأسيس مركز إسلامي للدعوة والبحوث يهدف إلى الجمع بين الدعوة والتربية من ناحية وبين إعداد وإنجاز البحوث العلمية من ناحية في المجالات الشائكة التي تهم الشباب بصورة عامة وتهم شباب الصحوة الإسلامية بصورة خاصة. هنالك بحوث حول التكفير، ضوابط أهل السنة والجماعة، حول الحاكمة، الجهاد، الأمر بالمعروف والأمر عن المنكر، الخروج عن الحكام، حو لالقتال بصورة عامة: ما يجوز وما لا يجوز، حول ميثاق الجهاد الأخلاقي. هناك كثيرون يمارسون الجهاد ولكن لا يلتزمون بميثاق الأخلاق. عدم حفظ الذمة وعدم الوفاء بالعهد والاعتداء على الذميين والاعتداء على السياح، الاعتداء على المتأمنين وغيرهم. هذه أمور كثيرة إن شاء الله سوف تكون مجال وموضع بحث إن شاء الله من خلال المركز الذي سيبدأ عمله قريبا.
أخبار الآن: من الملاحظ هو أنك منذ جئت إلى موريتانيا لم تسافر. هل يعني ذلك أنك تحت رقابة معينة؟
أبو حفص: من قال لك إني لم أسافر؟ ليست هناك أية رقابة ولا قيود على سفري. أنا أستطيع السفر إلى أي مكان أريد.
أخبار الآن: لو عاد بك الزمن، هل كنت ستنضم إلى القاعدة؟
أبو حفص: الحقيقة، في فترة وجودي في القاعدة، قمت بأمور وأعمال أحتسبها من أرجى أعمالي عند الله سبحانه وتعالى، عسى الله سبحانه وتعالى يتقبلها. فما قمت به من دعوة وتربية وإصلاح وأمور أخرى في دالخ التنظيم هي أمور لا يندم عليها من أقدم عليها. لا أشعر ولا أتذكر أنني قمت خلال فترة وجودي في القاعدة بأي عمل يندم عليه صاحبه.
أخبار الآن: ما مصير القاعدة في نظرك؟
أبو حفص: القاعدة هي جزء من حالة رفض الأمة للواقع الذي تعيشه. هي إفراز لهذا الواقع وتعبير طائفة من أبناء هذه الأمة عن رفضهم لهذا الواقع: واقع ظلم واستبداد في المجال السياسي؛ واقع استنزاف ونهب خيرات وثروات الأمة؛ واقع الاحتلال الذي يعيشه أكثر من بلد إسلامي. هذه الأسباب طالما هي موجودة سوف تستمر القاعدة في الوجود وسوف تتطور وتتكيف مع كل مرحلة جديدة فقد توجد لها أخوات أخرى تحمل فكرها أو قريبا منه. الواجب هو القضاء على هذه الأسباب ومعالجتها حتى نستطيع أن نعالج الأخطاء التي وقع فهيا الشباب المنتمي للقاعدة وغيرها من الجماعات. العجيب أن الغرب نجحوا في احتواء جماعات كانت أشد عنفا وأشد غلوا وتطرفا من كثير من الجماعات الجهادية. الجيش الجمهوري الإيرلندي قضى عشرات السنوات وهو يفجر ويقتل المدنيين والعسكريين ومع ذلك استطاعت بريطانيا في النهاية أن تحتويه وتستوعبه. منظمة إيتا الباسكية وغيرها الكثير.
نحن قادرون على الوصول إلى نوع من التفاهم مع هذا الشباب الذي لا نشك في صدق نوايا كثير منه وإن كنا نختلف معه في المذاهب التي ذهب إليها. ولكن هذا للأسف لم يحصل. الواقع أن الأنظمة بدل أن تنحو هذا النحو لجأت إلى شيطنة القاعدة واتهام القاعدة وتشويه صورة القاعدة وهذا جاء بنتائج عكسية في كثر من الأحيان. القاعدة في الحقيقة لا تحتاج إلى شهادة حسن سلوك من أي أحد. هي مقتنعة بما تقوم به وتعتقد أن هذا جهاد وأن سخط الآخرين ومعارضتهم لها ومجابهتهم لها دليل على صحة منهجها. فلا تُعالج الأمور بهذه الطريقة وإنما تُعالج بعلاج أسباب وجود القاعدة. علاج منطقي عقلي لا يعتمد أسلوب الشيطنة والتشويه وإنما يعتمد أسلوب الحوار والإصلاح وأعتقد أن كثيرا من الشباب في القاعدة إذا وجدوا من أهل العلم الصادقين العارفين نفوذ من يطمئنون إليه، فسوف يقبلون بحوار جاد يعتمد على الإصلاح الجاد ويتركون ما هم فيه.
أخبار الآن: هل تحدثنا كيف تلقيت خبر تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
أبو حفص: في أفغانستان لم تكن أحداث 11 سبتمبر مفاجأة لنا. فقد كنا نتوقعها، بل كنا نتوقع الوم الذي ستكون فيه. وفي هذا اليوم الثلاثاء 11 سبتمبر، كان كل شخص تقريبا سصطحب معه مذياع وينتظر الخبر كلن ما كان أكثر الناس يعرف طبيعة الأحداث. يعرف أن هناك أحداث ستكون. ولكن لا يعرف أين ولا كيف. فلما سمعنا الأخبار عن طريق المذياع وشاهدنا الهجمات، حقيقة الجميع ذهل لأنه لم يكن يدور بخيال أحد أن أعمالا بهذا الحجم وهذه الصورة وهذا الشكل هي ما كان يتحدث عنه الشيخ أسامة بن لادن ويهدد به أمريكا. كان حجم الدمار وهول الاحداث شيء مؤثر تأثيرا كبيرا جدا في الساحة ما كان أحد يتوقعه. طبعا كثير من الناس هللوا وكبروا وقد لا يكونوا راضين عن أصل الأعمال ولكن من كرههم لأمريكا رحبوا واعتبروا هذا انتقاما إلهيا من هذا العدو ففرحوا لذلك فرحا شديدا. قليل من الناس من استطاع أن يلجم عواطفه وإن كان لا يوافق على الأحداث إلا أنه لم يبد أي تعاطف مع أمريكا أيضا.
أخبار الآن: أين كنت أنت؟
أبو حفص: كنت في قندهار.
أخبار الآن: كيف كانت ردة فعلك؟
أبو حفص: بالنسبة لي كنت أتوقع شيئا من هذا القبيل وأنا لست عاطفيا بطبعي. ساءني العاقبة التي ستترتب على هذه الأحداث التي هي من أحد الأسباب التي جعلتني أعادي الأحداث قبل ذلك.
أخبار الآن: ماذا تقول في التجفيرات التي وقعت في لبنان؟
أبو حفص: أولا أنا أعارض مثل هذه العمليات التي يقتل فيها أبرياء مدنيون بصورة عامة. وأتوقع وأظن أن لها صلة بتدخل إيران وحزب الله في سوريا. السوريون تأذوا كثيرا من السياسة الإيرانية وسياسة حزب الله الداعم لبشار الأسد. ولا أستبعد أن تكون جهة ما داخل سوريا هي التي تقف وراء العمليات انتقاما من إيران وسياستها في سوريا والله أعلم.
أخبار الآن: نعلم أنك شاهدة مادة للآن عن عائلتك. بماذا شعرت عندما رأيت أسرتك على شاشة الآن. ما أكثر ما أعجبك في تلك المادة وما أكثر ما لم يعجبك؟
أبو حفص: في الحقيقة في نهاية أخبار الآن: 2 أخبار الآن: 1، كان هناك برنامج سيئ تبثه قناة الآن اسمه القاعدة المهجورة. وأحد الأخوة كان يتابع هذا البرنامج وأخبرني أنه شاهد والدي على شاشة قناة الآن. فذهبت إلى التلفزيون. لم أكن أصدق من شدة الفرح رؤيتي للوالد وهو يتكلم. فقد كانت هذه أول مرة أطمئن فيها أنه لا زال حيا يرزق منذ تسع سنوات قبل ذلك. فغمرتني سعادة غامرة وفرحت فرحا شديدا لهذا الأمر ثم رأيت بعد ذلك شقيقي يتكلم في نفس البرنامج. فكان هذا اليوم بالنسبة لي عيدا. حتى من شدة فرحي أني عزمت كل الموجودين في المجمّع وعملنا وليمة كبيرة جدا دعونا إليها الجميع. هذا أجمل ما في تلك الحلقة. والشيء الوحيد الجميل فيها. لأن البرنامج من النوع السيئ في الدعاية ضد المجاهدين مع أخطائهم وضد أسرهم وضد ذويهم. وهو في الحقيقة كان برنامج يفتقد للموضوعية والمهنية. هذا حكمي عليه. وأرجو أن تكون الآن قد تجاوزت هذه المرحلة إلى مرحلة أكثر نضجا وأكثر موضوعية ومهنية في تغطيتها وبرامجها.
أخبار الآن: ماذاذ تقول لوالدك الآن بعد كل السنوات التي غبت عنه فيها لانضمامك للقاعدة؟
أبو حفص: من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى أن جمع لي بين نعمة الخروج من تقييد حريتي في إيران وإقراء عيني برؤية الوالد حفظه الله. فلم يكن للخروج من السجن أي طعم واي معنى لو لم تنضم إلي نعمة وجود الوالد. ومنّ الله سبحانه وتعالى علي ببقائه وأقر عينه. هذه نعمة عاجز عن شكرها. يحفظ الوالد ويزيد عمره وطاعته. هو أهم شخص على ظهر هذه الأرض.
أخبار الآن: وردت معلومات تقول إنك ستصدر مذكرات عن تجاربك مع القاعدة. ما أهم المحاور؟
أبو حفص: كتاب سيصدر قريبا إن شاء الله بعنوان “الطريق إلى بن لادن والقاعدة” وهو مذكرات شخصية تغطي كل الفترة الماضية من حياة الكاتب وتركز على السنوات العشرين الأخيرة التي قضاها مع القاعدة وقريبا منها وقريبا من الشيخ أسامة بن لادن رحمة الله عليه.
الكتاب يجمع بين تغطية الأحداث بأسلوب المذكرات الشخصية المعروف والتعليق عليها والتحليل أحيانا. يذكر تفاصيل تاسيس القاعدة وتاريخ انضمامه إلى القاعدة ورحلته الأولى إلى أفغانستان. كيف قابل الشيخ أسامة بن لادن. ويروي فترة السودان التي شهدت قرب الكاتب الشديد من الشيخ أسامة بن لادن ومصاحبته له فترة طويلة جدا ويتحدث عن العودة إلى أفغانستان مرة أخرى ويتحدث عن الحرب الأخيرة؛ حرب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على افغانستان. يسرد يوميات هذه الحر ب وأبعادها ويذكر أنباء لم يتعرض لها الإعلام من قبل. يذكر خلافاتي مع الشيخ أسامة بن لادن والأسباب التي دعتني إلى ترك القاعدة. يذكر محاولات إصلاح التنظيم والعقبات التي اعترضت هذه المحاولات. يتحدث عن الفترة الإيرانية؛ كيف دخل إلى إيران، كيف عاش ضيفا؛ كيف عاش سجينا؛ كيف عاش مزيجا بين السجين والطليق. يتحدث عن العودة إلى موريتانيا. يذكر تفاصيل كثيرة. تقريبا كتبت أكثر من ثلاثة أرباع الكتاب وقد يأتي في مجلدين تقريبا. وهو أظن أول كتاب يخرج من داخل القاعدة بقلم أحد ممن عاشوا في قياداتها.
متابعة المقابلة بالصورة وبالصوت علي الرابط التالي: