الغفير هو الحل..! / عبد الرحمن ودادي
في ايام قليلة ستطوى صفحة الانتخابات …نعم ستنتهي اطول نكته اجترها الجنرال محمد ولد عبد العزيز أمام الناس و في وضح النهار. انها ليست انتخابات بل مسرحية شخوص ودمى و اقرب ما تكون لمقلب دبره ولد شقي لإزعاج الأحزاب التي قبلت بسبب الطمع أو إدمان التوغل في المستنقعات القبلية و الانصياع لأوامر اللحظة ومغريات الفخ فالتقطتها السنانير بسبب التلهف و الشراهة .
إنه مسلسل اثارة وكوميديا غير مسبوق في تاريخ موريتانيا.
سلسلة احداث يعجز عن تخيلها اكبر الكتاب في العالم و يتمنع عن اخراجها أجرأ المغامرين في عالم هوليوود . اقتراع لم تقبل هيئة محترمة مراقبته ولم يحضره سوى ممثلي الجيش الجزائري و موظفوا الجامعة العربية المرتهنة في ايدي انقلابي مصر . انه اقتراع مظلم و اعمى بدون محاضر كجريمة طمست أدلتها فجاءت النتائج مطاطة ..هلامية تتغير في اليوم الواحد و في المكان الواحد حسب المركز التفاوضي لكل مرشح. احدى المرشحات في اللائحة الوطنية للحزب المحكوم تحتفل بنجاحها بعد اطلاعها على النتائج و خلال الحفلة تتلقى اتصالا من قيادة الحزب يحول الأفراح الى اتراح! أخبروا المسكينة بالقرار المتخذ للتو وهو التنازل عن مقعدها لأحد احزاب المعارضة المشاركة فأجهشت بالبكاء ….حاولوا ترضيتها و جبر خاطرها بوعد بتعينيها في وظيفة سامية و مازالت تنتظر. تسجيلات صوتية لمساومات على أسعار نتائج كل مكتب ….و فيديو لبطاقات تصويت كان مصيرها سلة المهملات بدل صندوق الانتخابات! نعم تغيرت النتائج حسب المزاج العام لكل قبيلة….. في كيفة تصدر ولد الغوث كل المرشحين فغضب و لد محمد محمود فتبدلت النتيجة في لمح البصر! في كوبني أعلن نجاح الحزب الحاكم… فخرج انصار “الشيخ أباتنا” أو محمدو ولد الشيخ أحمد حماه الله ـ كما تسميه الصحافة ـ في غضبة كاسحة. نبه العقلاء الرئيس على خطورة انزعاج شريف نيور على السلم الأهلي وحذروه من مغبة التمادي في استفزازه …..فسارعت اللجنة و تداركت الأوضاع ودخلت معه في مساومات انتهت بتنازله عن كرسي يتيم ـ من أصل ثلاثة مقاعد ـ و ما تنازل خوفا أو طمعا و إنما تكرما وتفضلا. في اطار انتقل حزب الدولة وحزب الدولة الاحتياطي للشوط الثاني وبعد اسبوع من اعلان النتائج تنزلت الهامات بل وأوامر قطعية الدلالة على اللجنة المستقلة للانتخابات و تغيرت النتيجة لإرضاء السيد مسعود و لد بو الخير للتستر على تقلص حجمه السياسي الذي بات لا يسمح له بلعب دور يشار اليه في الساحة التي تشكلت في هذه الانتخابات الممسرحة. شهدت نتائج اللائحة الوطنية تقلبات في قمة التناقض و الإثارة حتى اصبحت أشبه ما تكون بأسهم البورصة الأمريكية في يوم مجنون. تعلن نتائج على شاشات التلفزة …..تذاع أخرى في نشرات الراديو ….تنشر احصاءات منافية لما سبق في المواقع و تدخل الأحزاب في مفاوضات ماراثونية غريبة لتجنيب بعض المعارضين المشاركين حرج سخرية الأصدقاء المقاطعين. طبعا لم يكن لفنان متخصص في المسرح العبثي وله خلفية ولد عبد العزيز تفويت لقطات بحركية أفلام “الأكشن”. مصارعة حرة بين الشرطة و نائب التحالف بداهية ولد السباعي وصفعات هنا و ركلات هناك و معركة بالصوت و الصورة في الزويرات! جرحى و مصابون في قرى الشرق …. اصوات قنابل مسيلة للدموع في خلفية المشهد…..ووزراء يشتمون الناس و جنرالات يهددون! المجلس الدستوري لم يكن دوره ثانويا في هذه الكوميديا لقد ساهم في المهزلة برفض تأجيل الشوط الثاني و قبوله في بيان واحد! انتجت الميلودراما على طريقة الافلام الهندية التي يستمد منها السيد الرئيس ابداعاته قفزات اجتماعية و طفرات سياسية نادرة . رأينا كيف تحول صغار افراد العصابات الى شخصيات سياسية. رأينا تتويج مهربي السجائر و المخدرات و العملات الصعبة و منحهم الحصانة البرلمانية و شرف صياغة قوانين الأمة. طبعا سيجلس في البرلمان من سبق لهم تلبية نداء الراحل الحسن الثاني “الوطن غفور رحيم” بجانب لصوص و أفاقين و مشعوذين من كل الاشكال و الانواع. خمسة نواب من عائلة واحدة ، زوج و زوجة ، و تزايد عددي رهيب لقبيلة الرئيس تحت قبة البرلمان ، 7 نواب في العاصمة وحدها. ساهمت الأحزاب المعارضة ـ الموالية في امتاعنا كثيرا ….! كيف لا و قد سمعنا تصريحات مسعود ولد بو الخير؟ لقد امطر مسعود اللجنة المستقلة للانتخابات ـ التي اختار افرادها و عين رئيسهاـ بكل ما تحفظه الذاكرة من شتائم مقذعة و مؤذية بعد أن صك مسامعنا بالافتخار بها و الامتنان للحوار الذي أفرزها. من اظرف المفرقعات المسعودية التماسه الناخبين التصويت لشيخه محمد أبو المعالي الذي : “…. اهداني العطور الراقية والقمصان الفاخرة و أطعمني من لحم الغزلان و أعطاني ثمانية ملايين عدا و نقدا….”! تميز تواصل بمهارة كبيرة في لعب دور “الكومبارس” و “الكومبارس” لمن لا يعرفه هو ممثل «زائد»، يلعب دوراً ثانوياً في أي عرض فني، لا تظهر له أهمية كبيرة ملحوظة، إلا أنّه غالباً ما يساعد على خلق مناخ طبيعي للقصة. حذلقات جميل منصور في تبرير التنصل من ميثاق المعارضة جعلت منه الرائد الأهم في تاريخ الفنون و المسرحيات. تحدث جميل منصور عن خيار المقاطعة و قرار المقاطعة و قال بأن تواصل ضد الأول و مع الثاني و ان لا تناقض بين الأثنين! اعتبر تنصله من ميثاق الشرف بمثابة إلغاء للإجماع الذي سبق و التزم باحترامه….. و اعتبر نكث تواصل بالتزاماته و عهوده ليس نكثا و هذا صحيح لأن التزامات تواصل وعهوده ليست التزامات و لا عهود و لا تلزم الا من اصغى لها! يتخوف البعض على مستقبل العمل المشترك بين احزاب منسقية المعارضة وحزب تواصل…و يتساءلون عن كيفية التعامل مع قيادات لا يثق فيها أحد. تواصل يريد العودة الى صفوف المعارضة بعد الانتخابات مباشرة ليتجنب النتائج السلبية لمشاركته العبثية في الانتخابات و ما تمخض عنها من اشمئزاز في الرأي العام. منسقية المعارضة بالنسبة لهذا الحزب خيار استراتيجي اتى بثمار لم تتحها التجارب الماضية في دعم النظام تحت غطاء المعارضة الناصحة والتحالف معه في انتخابات الشيوخ و لا حتى الخروج الكامل من المعارضة و الدخول في حكومة التطبيع مع اسرائيل! هذه التقنية التواصلية غاية في الروعة تبدأ بالتصعيد الى آخر مدى و المزايدة حتى آخر مناضل من المنسقية ….ثم الالتفاف في اول منعطف و تقديم تنازلات و ضرب المعارضة في في الصميم و حصد بعض المكاسب الآنية ثم العودة الى نفس اللعبة و هلم جرا . بالعودة لخنادق المنسقية يتم اسكات من ينغصون متعة الحزب بمكاسبه من خلال تحييدهم بحلف مزعوم و التزامات واهية و في نفس الوقت تسمح المزايدة و تمثيل دور المعارض الراديكالي للتغرير ببعض السذج و الأحداث قليلي التجربة و ضعيفي التكوين! بطبيعة الحال لا مشكلة دينية في الأمر فهناك البازي الذي يتكفل بإسكات كل الديكة ممن تخول لهم أنفسهم “الفاسقة ” الحديث عن بشاعة خرق المواثيق في كل الاديان والملل و مواضعات شعوب المعمورة. ستتكفل مواقع الأخبار و السراج و تلفزيون المرابطون بتبديد الصورة السلبية عن الخديعة و ستستميت في تمريرها و مع الوقت سيتعود عليها الناس و ربما يتجاوزونها. المشككون و المنتقدون و الرافضون للتناقض و الخيانة ستصيبهم سهام موقع زهرة شنقيط المتخصص في الافك الإعلامي و نهش أعراض الناس. من يتمادى سيتلقى عشرات رسائل التهديد بالذبح مسبوقة بسيل من الشتائم المقذعة التي يمجها أكثر مخنثي العاصمة وقاحة. أمام معضلة التحالف مع شريك لا يتمتع بأي مصداقية لا بد من اجراءات و ضمانات لبناء الثقة و قد خطر ببالي انه قبل توقيع أي اتفاق مستقبلي مع هكذا شخصيات لا مناص من امتياح سوابق تراثية أثبتت فعاليتها في تاريخنا الغابر و هي بكل بساطة تقديم “غفير”! “الغْفير ” هو طفل من أبناء شيخ العشيرة يتنازل عنه والده قبل كل اتفاق وفي هذه الحالة وحدها سنستطيع ان نضمن احترام قيادات تواصل لالتزاماتهم و سنسير معا مطمئني البال ، فأم الولد لن تترك زوجها يشارك في مسرحية خيانة جديدة من اخراج الفنان المبدع محمد ولد عبد العزيز! شعار المرحلة القادمة لا حل سوى “الغفير” ….. “الغفير” هو الحل !