موريتانيا: برلمان جديد بلا يساريين ولا ليبراليين
اتضحت ملامح البرلمان الموريتاني منذ تمّ حسم مصير 122 من مقاعده في الشوط الأول، بانتظار 21 كانون ديسمبر الجاري لحسم 26 مقعداً متبقياً.
والنتائج تشير إلى صعود التيارات الدينية بشقيها الموالي والمعارض.
مقاطعة عشرة أحزاب معارضة لهذه الانتخابات شكلت دفعاً غير مسبوق للحضور الديني والقبلي، ذلك أن البرلمان الموريتاني الجديد سيعيش تحت رحمة الثنائية: من جهة لدينا “حزب التواصل الإسلامي” ممثل الإخوان المسلمين في موريتانيا وهو ينتمي إلى المعارضة، في حين سيكون الحزب الحاكم مرغماً على الاستغاثة بزعامات عشــائرية دخلت البرلمان عبر أحزاب صغيرة شُكلت على عجل أو اســـتخدمت للغاية، من جهة ثانية.
الأحزاب
منذ الاستقلال قبل 53 عاما، لم تشهد موريتانيا برلماناً يتوزع أعضاؤه على ثمانية عشر حزباً ويتولى حزب ديني زعامة معارضته، ويعجز حزبه الحاكم عن تحقيق أغلبية مريحة لتطبيق برنامج الرئيس. ووفق القانون، تُمنح امتيازات زعامة المعارضة للحزب صاحب أكثر المقاعد بعد الحزب الحاكم، وهو حال حزب «تواصل الإسلامي» الذي سيطر على 12 مقعدا ويستعد لتعزيزها في الشوط الثاني، في حين فشلت خمسة أحزاب معارضة من بينها حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يضم القيادات الأساسية للتيار الناصري، أبرز التيارات المسيطرة على النقابات العمالية والطلابية في موريتانيا. كما فشل «حزب الصواب» البعثي و«حزب الوئام» الليبرالي في تحقيق ما حققه الإسلاميون. و«زعامة المعارضة» هي مؤسسة رسمية لها إمكانيات هائلة وحضور قوي في صناعة القرار.
الدين والقبيلة
يعود صعود التيار الديني إلى غياب الأحزاب الاشتراكية واليسارية عن الانتخابات خصوصاً «حزب تكتل القوى الديمقراطية» الاشتراكي بزعامة احمد ولد داداه، وحزب اليسار الرئيسي في موريتانيا بقيادة محمد ولد مولود، و”حزب حاتم” بزعامة صالح ولد حنانه وهو حزب ناصري بارز. وهؤلاء قاطعوا الانتخابات ودعوا إلى مقاطعتها عامة. نال حزب “تواصل»”مقاعد برلمانية كانت طيلة العقود الماضية حكراً على الأحزاب المقاطعة، كتلك الخاصة بمدينة وادي الناقة وبعض مدن الشرق الموريتاني.
كما اكتسبت القبيلة اهتماماً غير مسبوق بغياب هذه الأحزاب وباتت الأكثر استثمارا في الانتخابات.
وقد أثارت سياسة الحزب الحاكم هذه وخياراته لمرشحيه، اضطراباً كبيراً ودفعت بعض الساسة الموريتانيين من خارج دائرة الحزب الحاكم للعودة إلى تغليب مصالح قبائلهم على التزامهم الحزبي، طالما اختيرت القبائل لتأطير الفعل السياسي. وبتفحص طبيعة الرموز المتداولة في الانتخابات، وفي التواصل بين النخبة السياسية والمواطنين، انتشرت تلك ذات الدلالات الدينية، ومن أبرزها الشجرة والمسجد والسبحة، وبعض رموز الشجاعة لدى العشائر كالخيول.
ووسط هذه التطورات، كان التيار الناصري الموريتاني الأكثر تضرراً، وهو التيار المنتشر في عموم البلاد بفضل أساسين هما التعليم والمؤسسة العسكرية.
ومع مقاطعة الحزب الناصري الأساسي «حاتم» للانتخابات، دخلت أربعة أحزاب تسمي نفسها ناصرية هي الأخرى البرلمان الجديد ولكن وفق أسس ومصالح مختلفة. كما يشكل فصيل ناصري خامس، بزعامة قيادي تاريخي للتيار: الكوري ولد أحميدتي، أحد أهم مكونات الحزب الموريتاني الحاكم.
ويعود ضعف التمثيل الوطني للأحزاب السياسية إلى استثمارها في الخصوصيات والمحليات على حساب البعد الوطني. فبلغت أعلى نسبة حققها حزب سياسي 23.88 في المائة في لائحة النساء، و21.34 في المائة في اللائحة الوطنية. ولولا قاعدة النسبية المنتهجة في الانتخابات الموريتانية، لما حسم أي مقعد في الشوط الأول من الانتخابات التي شارك فيها سبعة وستون حزباً سياسياً.
ويذهب زعيم المعارضة الموريتانية المنتهية ولايته أحمد ولد داداه، إلى أن ما وصفه بـ«النظام الأحادي» سيّر العملية الانتخابية بشكل مخالف للقانون مما أدى إلى “عودة موريتانيا للقبلية والجهوية والمحسوبية وسوء التسيير والرشوة” مضيفاً أن البلد يتجه للهاوية.
المستقبل العربي – المختار ولد محمد