علياء الثائرة العارية تتحول إلى هاربة
ثارت علياء المهدي على واقعها، لكنها اختارت عريها طريقًا لثورتها. وبالرغم من أن العالم لن يتذكر من عريها شيئًا، إلا أنها اليوم مطاردة في ملجأها في السويد، تخاف أن تفتح ستائر نوافذها.
تحولت الشابة المصرية علياء المهدي إلى رمز مثير للجدل في دول الربيع العربي، بعدما نشرت صورة عارية لنفسها على الانترنت. لكن سرعان ما تحولت الفتاة الثائرة إلى هاربة، إذ لاذت بالفرار إلى السويد بعدما هددها متطرفون إسلاميون بالقتل.
المطاردة حول العالم تتنقل المهدي من مكان إلى آخر، وتغيّر مكان إقامتها باستمرار خوفًا من أن يلاحقها أحد، بعدما تلقت تهديدات كثيرة من العديد من الرجال في بلادها، وعدوا بالاقتصاص منها على ما فعلت. ومنذ عامين، كانت المهدي مطاردة من قبل المحافظين الذين صعقوا لرؤية صورتها عارية باستثناء جوارب من الدانتيل ووردة في شعرها مع أحمر شفاه فاقع. بطريقة ما، أصبحت صورة المهدي رمزًا للربيع العربي، إذ شاهدها الملايين في الأيام القليلة الأولى من نشرها. وفي ذلك الوقت، لم يكن من الواضح ما إذا كان الناس مهتمين بالرسالة التي تحملها الصورة أو بالعري الفاضح فيها. ومع ذلك، تحولت علياء إلى نجمة في أسابيع قليلة.
فقد ظهرت المهدي بعد فترة قصيرة من نشر صورها على شبكة سي. أن. أن. الأميركية. بعد ذلك، قالت إنها تلقت تهديدات بالقتل، ما اضطرها إلى الفرار من بلدها. واعتبر البعض أن المهدي تسخر من الإسلام، ووصفوها بـ”وصمة عار على جبين مصر”، وتلقت تهديدات بالقتل من مسلمين في جميع أنحاء العالم، حتى إن البعض طالبوا بسحب الجنسية المصرية منها، لكنها أيضًا كانت بمثابة رمز لكثيرين.
قصة المهدي تثيرالعديد من الأسئلة. فهل كانت صورتها العارية خطوة احتجاجية أو علاجية؟ هل هي بطلة أم مجرد فتاة ساذجة؟، وفقًا لصحيفة دير شبيغل الألمانية التي أجرت مقابلة مباشرة معها، الإجابة عن هذه الأسئلة الكثيرة تبدأ بالإجابة عن سؤال واحد: من هي علياء المهدي؟.
إساءة وسجن ولدت المهدي في مصر الجديدة الراقي في القاهرة، وتقول إن والديها غير متدينين، ولم يذهبا إلى المسجد قط، والدتها محاسبة، ووالدها ضابط في الجيش المصري، كان يضربها منذ أن كانت طفلة لأنها رفضت ارتداء الحجاب، حتى إنه ضربها أحيانًا من دون سبب على الإطلاق.
وتروي أن والدتها كانت تقول له: “إضربها لكن لا تؤذِها”. ورفض والدا الفتاة أن يسمحا لها بالخروج من المنزل خوفًا من أن تخسر عذريتها. وقال والداها إن المرأة اللائقة لاينبغي أن تلتقط لها الصور أو تضع الزهور في شعرها، أو تقف وهي مباعدة ساقيها، أو ترتدي الملابس الضيقة، أو تضع أحمر الشفاه.
في الثالثة عشرة، قررت المهدي أن ترفض فكرة وجود الله، وتعلمت أن تزوّر جدول الحصص المدرسية للحصول على بضع لحظات من الحرية لنفسها. تقول: “كان من السهل أن أفقد عذريتي”.
بعدما تخرجت من المدرسة الثانوية، تم قبول علياء في الجامعة الأميركية في القاهرة حيث درست الفنون. وفي يوم من الأيام، أرادت والدتها أن تتحقق من عذريتها، فجنت وحملت سكين المطبخ وهددت بالهروب من المنزل، فحبستها في غرفتها، وتم تغيير كل أقفال البيت. وبعدما فاض بها الكيل، دخلت علياء غرفتها ووضعت الكاميرا على كومة من الكتب في غرفتها، ثم تبرجت وارتدت زوجًا من الجوارب ووضعت الزهور في شعرها، ثم التقطت لنفسها صورًا في أوضاع مختلفة كشكل من أشكال الاحتجاج الصامت ضد والديها، ثم نسيت أمرها.
التحرر من سلطة الأهل بعد أسابيع، استقلت المهدي حافلة إلى وسط القاهرة، وقررت أنها لن تعود إلى منزل والديها. عاشت لبضعة أشهر مع صديقة لها، ثم انتقلت للمساكنة مع رجل وهي في سن التاسعة عشرة، وقالت إنها شعرت بالتحرر للمرة الأولى في حياتها.
وفي العام 2011، كان الشعب المصري يثور ضد الديكتاتور حسني مبارك، فذهبت المهدي إلى ميدان التحرير بضع مرات، حيث شعرت بأن ثورة التحرر الشخصية التي تمر بها تتوازى مع ثورة تحرر بلادها. ربما كان شعور علياء بوجود صلة بين الثورتين سبب بداية المصائب التي تعانيها اليوم.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2011، وجدت علياء الصور التي التقطتها لنفسها. وعلى الرغم من أنها تعرف أن العري من المحرمات بالنسبة إلى غالبية الناس في بلدها، اختارت المهدي الصورة الأكثر جاذبية لها وقررت نشرها. وسرعان ما أدركت أن تأثير الصدمة التي أحدثتها يكبر شيئًا فشيئًا.
بعد انتشار الصورة، نأى أنصار الثورة المصرية – من الليبراليين والمتشددين على حد السواء – بأنفسهم عن الصورة التي تفسح المجال لتفسيرات متعددة، فأصبحت رمزًا من رموز التحرر في بلادها، ربما بنظر الغرب فقط!.
خطف فهروب تلقت المهدي الكثير من الاهتمام، السلبي والإيجابي، بسبب صورتها العارية، وكانت سعيدة بهذا الاهتمام، إلى أن بدأت التهديدات بالقتل وصولًا إلى تعرّضها للخطف ذات يوم. فقد أضاعت قطتها ثم تلقت اتصالًا من رجل يقول إنه عثر عليها. ذهبت وحدها لتراه عندما حاول وصديقه اغتصابها بحجة أنها “تستحق ذلك”. قاومت علياء بكل قوتها، وتمكنت من الهرب لتسافر بعدها إلى السويد في آذار (مارس) 2012.
بعد فرارها من مصر، تقدمت المهدي بطلب اللجوء السياسي في السويد، ولم تترك شقتها هناك لستة أشهر. وتقول إنها تختبئ باستمرار، وتبقي الستائر مغلقة، كما تخشى أن يعثر عليها أحد مطارديها الذين يهددونها بالقتل.
وقالت علياء إنها فقدت عائلتها ودراستها ووظيفتها، وليست بإمكانها العودة إلى منزل والديها، وترى صديقها بين الفترة والأخرى، ما يعني أن حياتها تحولت إلى خراب، لكنها ترى أن طريقتها الاحتجاجية جعلت الناس أكثر شجاعة، “فالهدف هو كسر المحرمات”.
وللمحافظين الذين يطالبون بسحب الجنسية المصرية منها، تقول: “مصر ليست بلدكم وحدكم”. القليل مما فعلته المهدي يبقى في الذاكرة الجماعية للعالم، فرمزية هذه الصورة تتلاشى تدريجيًا. وصورتها لم تغيّر شيئًا، لا في مصر ولا في الإسلام ولا حتى في القاهرة. بعد وقت قصير، لن تعني صورتها شيئًا، باستثناء ثديين عاريين.