في اللغة و التنمية / عبد الرحمن ودادي
من المضحك المبكي ان ترى بعض من تمكن الجهل من تلافيف عقولهم يصرون على نظريات تجاوزها البحث العلمي من عقود من الزمن و يكررون افكارا متخلفة ركنت على رف التاريخ و تحولت الى مجال لتندر الخبراء.
من اشهر هذه النظريات ضرورة اللغات الأجنبية لتنمية البلدان المتخلفة و التي لا يزال الى اليوم يتبناها نظامنا السياسي والعديد من ارباع المثقفين و المستلبين فكريا .
كل الخبراء يجمعون على ان الصين سيدة المستقبل بدون منازع و يوميا ترتفع مؤشراتها الاقتصادية و العلمية في خط تصاعدي.
اللغة الصينية لا تحوي على حروف بل على رموز تصل الى مئات الآلاف و من اجل تصفح جريدة نحتاج على الاقل الى حفظ ستة آلاف رمز مما تنتج عنه مصاعب لا يمكن تخيلها و خاصة في عصر الكومبيوتر.
كيف يتمكنون من الكتابة على لوحة المفاتيح ؟
الطريقة التي ابتكرها الصينيون هي كتابة اللفظ الصوتي للرمز بحروف لاتينية و من ثم تظهر على شاشة الكومبيوتر عدة رموز صينية متشابهة في النطق ليتم اختيار احدها.
لم يفكر الصينيون للحظة بتبني لغة اجنبية بحجة تخلف لغتهم و تعقيدها.
مشكلة الاعتماد على اللغات الأجنبية في التعليم و الادارة يؤدي الى مشاكل لا حدود لها و من اهمها عرقلة العملية التعليمة ، فبدون شك سيضطر الإنسان الى بذل جهد مضاعف في عملية اكتساب المعارف لكونه يعيش بلغة و يتعلم بأخرى، كما يتضمن هدرا للطاقات من خلال عدم الاستفادة من التعلم التقليدي الذي يتلقاه مئات الآلاف من السكان والذي لا يحتاج الا الى جهد بسيط لملائمته مع متطلبات العصر.
الأخطر من كل هذا ما يحمله هذا الخيار من حرمان الانسان من التراث الثقافي لأمته و الذي يحمل في طياته قيم وأخلاق المجتمع .
لا حظت من خلال تجربتي أن المتعلمين باللغات الأجنبية يعانون في غالب الأحيان من تمزق نفسي ، ترى احدهم يرفض مجتمعه و يحاول بكل الطرق التخلص من كل قيمه بما فيها القيم الايجابية.
تراه يحاول ان يكون بخيلا لأن الغربيبين بخلاء ، يبذل الجهد لأن يكون انانيا لأن الغرب أنانيون و في النهاية يتحول الى مسخ حضاري مثير للشفقة محاط بمجتمع لا تربطه به أي صلة.
المضحك في الامر ان رواد تجربة الانسلاخ من الثقافات المحلية هم بدون شك الافارقة و تكفي مقارنة بسيطة لمعدلاتهم في التنمية مع بقية شعوب العالم لإدراك حجم الكارثة.
لا شك ان عامل سيطرة اللغة الفرنسية في بلادنا خاصة يساهم في زعزعة الاستقرار، فعندما تحصل على ثقافة عالية بلغتك و تقضي عشرات السنوات في اكتساب المعارف و تكتشف في النهاية ان سكرتيرة تتقن برنامج معالجة النصوص بالفرنسية اكثر منك فرصا في العمل فمن الطبيعي ان يتملكك الغضب و لا ريب في ان سد الباب امام خريجي المحاظر و حرمانهم من الفرص الحقيقية لحياة كريمة عامل رئيسي في خطر الارهاب.
الدولة الأكثر رخاء ورفاهية في العالم هي النرويج علما ان لغتها لا يتكلم بها سوى خمس ملايين نسمة ، تتلوها الدانمارك التي تنحصر لغتها في شعب من ستة ملايين .
اما الدولة الأكثر فقرا في كل المعمورة فهي الكونغو الديمقراطية الناطقة بالفرنسية و تأتي بعدها مباشرة ليبيريا الناطقة بالإنجليزية.
مع هذا يستمر الجهلة في النعيق بنظريات مضحكة تجاوزها الزمان و العلم