هل انتصرت التهدئة على التصعيد؟
كتب عبدالفتاح ولد اعبيدن:
الزمان أنفو – رغم ظروفي الصحية منذ الخروج من السجن حرصت على متابعة المشهد الإعلامي و قد أثارني ما طبع الأسابيع الماضية من توقيفات و متابعات كادت أن تفتح ملفا اقتصاديا مقلقا و معقدا(تبييض الأموال)،لكن رغم سجن أحد السياسيين بسبب تصريحات حادة،ففى المقابل انتهت قضية أهل آياه و الصرافات إلى التهدئة،لله الحمد.
و مازلت و إلى اليوم دون راتب بعد إعفاء مجلس الوزارء يوم الأربعاء 28/8/2024،و هو يوم حصل فى ذلك متزامنا مع الإيداع،و هو أسلوب نفسه استخدم ضد أحمد ولد صمب،حيث أودع السجن و أعفي من العمل،و فى مجلس وزراء تحت قيادة الرئيس،و رغم اعتراضى التام على تصريحات ولد صمب و ما شابها من تطرف صريح،إلا أن ولد غزوانى لم يتسم يوما بالتطرف و ظل دائما واسع الصدر مع الجميع،و أطالبه بالابتعاد عن مسار و طريقة ازدواجية عقاب البدن و مصادرة القوت ،فالناس ضعفاء و الحكمة تقتضى التمسك بنهجه فى التهدئة،و قد وصل لمسامعي حرصة على التراجع عن هذه الإقالات و مثيلاتها،و لعل الذين يحثون على التصعيد و المبالغة فى العقاب و التوتر لا تخدم مساراتهم أجواء التعاضد و التعايش و حتى تماسك النظام القائم نفسه.
و أما الرجوع للتهدئة و التريث فى موضوع الصرافات و أموال أهل الشيخ آياه فهو أمر فى غاية الحكمة،فعلى الصعيد الشخصي السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى،نحن معشر أنصارك،ندافع عنك بالدرجة الأولى بمسالمتك و حكمتك،و هذا الموضوع شائك،اجتماعيا و انتخابيا و اقتصاديا،فموضوع المخدرات مكافحته مهمة ،و لكن فى حدود المناورة،فثمة حدود معينة من الاستغراق فى مكافحة المخدرات و تبييض الأموال قد تستدعى الإضرار بالاقتصاد الموريتاني نفسه،و ثمة دول كثيرة تعانى من مثل هذه الظواهر نسبيا،لكنها تواجه الأمور بحذر و دراسة بالغة،و قبل يوم واحد من إطلاق الموقوفين و خصوصا أصحاب الصرافات بدأت تصلنا معلومات دقيقة تدل على التأثر السلبي للسوق بهذا المسار التحقيقي،فما يتعلق بالاقتصاد ليس أمرا سهلا البتة،لكن الجهات القضائية و الجهات المعنية اتجهت للتهدئة،لله الحمد.
و قد استقلبت الساحة عموما هذه التهدئة ،فى الأغلب الأعم ،بتيار من الترحيب و الارتياح،و هو أمر ليس مستغرب،ليس بسبب علاقات زبونية و لا خصوصية،و لكن لأن موريتانيا هشة صراحة،و تتطلب فعلا نسبة من تطبيق القوانين و لكن أيضا مع منسوب أكبر من التسامح و التهدئة.
و السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى منذ وصوله للسلطة تبنى مسار التهدئة،و فى زيارته لشنقيط سنة 2019 فى مطلع تسلمه للسلطة اصطحب معه الزعيم المعارض،أحمد ولد داداه،و بدأ يدعو و يؤصل للتهدئة و مد الجسور و تكريس التعاون و التفاهم و التعايش الإيجابي،و فى هذه المرحلة من الشهور الأولى من عهدته الثانية ماذا سيخدم غزوانى من بث بذور التوتر،حتى وصل الأمر للعودة لسجن الصحفيين و ضعف العلاقة معهم و فتح ملفات تحقيق حول الأموال المشبوهة فى حق أسرة كانت داعمة له بقوة فى حملته المنصرمة للتو؟!.و صرح ولد بهلى رئيس رابطة الصحفيين بأنهم لم يتلقوا التجاوب الإيجابي لالتقاء الرئيس مع ضيوف الاتحاد الدولي للصحفيين العرب،كل هذه الحصيلة مع ضعف حديث الوزير الأول،ولد انجاي،أمام البرلمان عن الصحافة و الصحفيين.
أنا شخصيا لست ضد ولد نجاي شخصيا و أحترمه،و ما نورد فى سياق التوجيه و النقد الإيجابي فحسب،الداخل طبعا فى صميم مهمتنا الإعلامية التقليدية،و نرغب فى التهدئة عموما،لأنه لا بديل عنها،كما نرغب فى توطيد الصلة مع الإعلام و الإعلاميين،أما ولد غزوانى فهو بطبعه و نهجه مسالم ،و لن يخوض إلا فى مسار التهدىة،و من أقرب الأمثلة إغلاق هذا الملف الحساس الكبير،المتعلق ببعض الأموال الغامضة،و هذا من صميم حكمته.
فمن ناحية وصلت الرسالة التحذيرية،و من ناحية ثانية المزيد من النبش قد تكون انعكاساته صعبة و ثقيلة.
و قد يقول قائل،بأن موريتانيا دولة ديمقراطية،و ليست كوريا الشمالية،و بأن الصحافة فى الفترة الأخيرة،لم تتلقى إلا إشارات حمراء،من خلال سجن ولد اعبيدن و التهديد بسجن ولد ودادى و تفعيل قانون الرموز،و عدم استقبال الضيوف الإعلاميين الكبار،و لولا حكمة قضاتنا و وعي رئيسنا بضرورة التهدئة لتوترت علاقة صاحبة الجلالة مع الوضع القائم،و أما أمثالى من الصحافة المحسوبة على النظام فلا يرغبون فيما يزج بالنظام فى المعارك الوهمية،و قد ارتحت لخروج النظام من معركة ما سمي بتجاذبات ولد ودادى و أهل الشيخ آياه،لله الحمد.
و ندعو للمزيد من التهدئة و توثيق صلة السلطة الإعلامية و السلطة التنفيذية.