الأديب الذي يكره الصحراء

عبدالله محمدالفتح:

قرأ الكاتب الموريتاني المعروف  الدكتور محمد الاميين ولد الكتاب  ليلا كلما سنحت له الفرصة ..قرأ للكثير من الكتاب  منهم طه حسين جبران خليل جبران ،محمود شلتوت لامارتين ، توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ،همنجواي، تشنوا شيبى..</p> <!–more–> <p> دى آش لو رانس،  محمد عابد الجابري الذي التقاه قبل وفاته.. وأعجب بكتابات التونسي هشام جعيط خاصة” السيرة النبوية” و”الفتنة الكبرى” كما أعجبته كتابات أمين معلوف خاصة” الصليبيون من وجهة نظر العرب” .قرأ أفارقة كثر. أثنى على روايات الكاتب الموريتاني موسى ولد ابنو “حج الفجار والحب المستحيل .. قرأ بنهم لجورجي زيدان مما حبب إليه القراءة باللغة العربية . قرأ معظم الكتب التي كانت تقع في يديه أو كان يراكمها في انتظار فراغه من مشاغله. قد تعجبه وقد لا تعجبه ولكنه يصر على قراءتها.. يذكر كتاب”يوليسيز” لجيمس جويس ـ الذي يعتمد تقنية الانهمار اللغوي ـ نفس التقنية التي يعتمدها كل من الكاتبة ناتالي ساروت، و الكاتب روب كريي الفرنسيين، كذلك فيرجينيا وولف الكاتبة  الإنكليزية  الشهيرة ..يوليسيز كتاب  يتألف من ألف صفحة تقريبا أرهقه وأتعبه ورغم ذلك لم يتوقف عن التهامه حتى أكمله..لأنه كان يقرأه كمن يقوم بعمل يستعدي  التحدي والانضباط  وشئ من المقدرة على التحمل..</p> <p>  </p> <p> وليس لديه وقت معين للكتابة .يكتب بثلاث لغات وهناك أوقات لا يحبذالكتابة فيها خصوصا في الصباح الباكر..يعتبر الفرح بالنسبة له أن يملك المرء شؤونه بنفسه وأن لا يكون هناك من يؤثر على إرادته أو ظروف قاهرة تدفعه للقيام بما لا يحب  أو تدفعه للتبشش لمن لا يحب .. يعتبر الدبلماسية بليَة  فكم هو مضحك برأيه أن تكون سفيرا لبلد متخلف وشرَ البلية ما يضحك،الدبلماسية  التي خبرها على مدى عقد من الزمن ، ذلك القناع الأبدي لا يتماشى مع واقع المثقف الذي يجب أن يقول ما يودَ قوله  وإلا فإنه لا يحمل الهم العام ..يعتقد  ـ مثل فولتيرـ أن المثقف هو من يدسَ أنفه فيما لا يعنيه  على ما قد يجره ذلك على صاحبه من ويلات .وإن لم يفعل فهو غير مثقف ..والألم بالنسبة له ذلك الذي يشعر به الإنسان الحساس  وأشده وطأة الألم النفسي والفكري و الأخلاقي والأدبي .الألم شيئ  يمس الأعماق و ينتج عن فعل أشياء يدفع المرء أو يضطر لفعلها ويزدري نفسه على فعله لها ـ  هذا إذا كان له ضمير يخزه وإذا لم يكن له فكفى الله المؤمنين القتال ـ..هنا يستحضر صاحبنا  قول فيلسوف يوناني ” الحياة كوميديا لمن يشعر وتراجيديا لمن يفكر “وإذا لم تعرف وقع الألم لن تقدّر الفرح حق قدره و لا أهمية الراحة ..والعظمة  بالنسبة له تنافي الأنانية والإهتمام بالشأن الخاص، أن تكون لديك أهداف كبيرة ترمي إلى تحقيقها تتخطى نفسك  ووضعك اليومي من أجل البشرية والكون ..ويصف الكاتب حالة الكتابة والإبداع  بأنها حالة تملك الشخص وتتجاوز به وضعه ..ترى البعض يتجاوز ذاته بحيث يعجبك أثره كأديب  أو شاعر حين تقرأه وعندما تقابله تتمنى أنك اكتفيت بقراءته وقد حدث وأن صادفت حالات عدة في داخل موريتانيا وخارجها وكنت حين أجالسهم أقول “ياليتني لم أجده” وهم كثر داخل البلد. رأى البحر لأول مرة فحسبه غديرا كبيرا لا نهائيا ولكنه لا يكره البحر المكان الذي” يهرب إليه الإنسان ليرى الفراغ ويرتاح من المتاعب و يتنسم روائحه المنعشة ويصغي إلى صخبه الهادئ الغير مضر. ذاك صوت وقع الطبيعة.. أما الصحراء فيمقتها .أكرهها وأكره الكثبان والرمال والخيم و أكره الرياح والنوق واللبن ولا أحب البداوة وقد عرفتها وكرهتها واستغرب حبَ الغربيين لها. والصحراء بالنسبة له لا تمتَ إلى الحضارة بأية صلة ولا يمكن أن تقيم عليها أية حضارة . لا يحب إلا حياة الحضر . يميل إلي النسبية في كل الأمور .يرى أن هناك عدة ألوان تقع بين البياض والسواد بين الشرق والغرب ولا يرى الأمور إما بيضاء أو سوداء،إما غربية أو شرقية..وبشكل كبير يكره اليقينية والإيمان الأعمى بالأمور ويتفق في ذلك مع نيتشه حين يقول ” إن عدو الحقيقة ليس الكذب بقدر ماهو اليقينية” كان مرعوبا أيام الدراسة بسبب الخوف من عدم إكمال دراسته . كان يستعجل اختزال الوقت حتى لا يرغم على مغادرة مقاعد الدرس بسبب الأوضاع الاقتصادية الضعيفة حينها ،  لذالك كان يتأرجح بين أن يكمل دراسته أو أن لا يكملها، ومن أطرف الأمور بالنسبة له أيام عمله سفيرا أنه كان يسأل عن بلده وما يحدث داخله فلا يجد إجابة ،إذ أن من بعثه لا يوفر له المعلومات الضرورية المتعلقة بالبلد كما يفعل كل البلدان لسفرائهم  ، وهذا ما كان يملأ قلبه حسرة على التخلف الفكري وانعدام الحس المدني وفقدان الإطلاع على متطلبات الحياة العصرية والمؤسساتية الذي كان يسود آنذاك لدى ساسة بلاده، حيث كانت تطبعهم روح التلقائية والبداوة .. لدرجة أنه كان  أحيانا يستمد أخبار بلاده عن طريق سفراء بلدان أجنبية .أن تكون سفيرا لدولة متخلفة فهذا يبعث على البكاء والضحك معا.  حيث أن ما قد تعرف به بلادك من  أخطاء وهنات يسقط عليك كسفير ولا حيلة لك في درء ذلك عنك أو التملص منه فذلك قدر السفير. بدأ دراسته في سنّ متأخرة نسبيا.درَسه والده وعمَته على الطريقة المحظرية التقليدية .اختلف إلى الأقسام الدراسية الأولى بمدينتي وادان و أطار  ..رحل إلى تيندوف بالجزائر لكنه لم يلبث أكثر من سنة حيث غادرها  ليكمل دراسته الثانوية بثانوية مولاي يوسف بالرباط .عاد إلى الجزائر من جديد طالبا ومناضلا ضمن حركة طلابية مناهضة لنظام ولد داداه،سجن قبل أن يعود في سنة1971 للجزائر ليدرس الإنجليزية.. وتأتي قضية الصحراء لتعصف بالعلاقات بين موريتانيا والجزائر قبل أن يكمل الفتى دروسه الجامعية، وأوفد إلى المغرب ليحصل على شهادة “المتريز” في اللغة الإنجليزية وآدابها .يعود إلى أرض الوطن ليعمل في الوكالة الموريتانية للصحافة مديرا للأخبار فملحقا بإدارتها .عمل في إذاعة موريتانيا.عاد إلى المغرب لدراسة الأدب الإنكليزي والأمريكي والحصول على دكتورا السلك الثالث.درّس في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس .عاد مجددا إلى البلاد ليلتحق بالمدرسة العليا للأساتذة للتدريس فيها  ،في نفس الوقت كان يدرّس في جامعة انواكشوط الوليدة وترأس شعبة اللغة الإنجليزية في المؤسستين. عيّن مديرا للتعليم العالي ثم رئيسا لجامعة انواكشوط ،بعدها عمل على مدى عقد من الزمن في السلك الدبلماسي سفيرا لموريتانيا في كل من نيجيريا  وبنين ،التوكو، النيجر مالي و بركينافاسو.بعد أن أبعد عن العمل الدبلماسي أيام ولد الطايع، لأسباب يرى أنها تتعلق بمواقفه اتجاه الدبلماسية الموريتانية، أتيحت له الفرصة  للتفرغ للقراءة وللبحث والكتابة  والتأليف والعمل في المجتمع المدني.. فألف للأطفال بالفرنسية والإنجليزية والعربية حينما لاحظ أن كتاب الطفل مفقود في هذا البلد ،وكذلك النصوص التي تتعرض أو تصف واقع موريتانيا بالإنجليزية،فألف كتابا ضمنه نصوصا مبسطة تتحدث عن واقع البلد، ولكن الدولة الموريتانية لم تنشر الكتاب ولم تقم باستخراج نصوص منه لتدريسها للطلاب الذين يدفعون لدراسة واقع لا يمت بصلة لواقع بلدهم،والملفت للإنتباه أن السفارة الأمريكية تبنت الكتاب واشترت كل الكتب التى نشر الكاتب بالإنجليزية وصار أحدها يدرس لطلاب المدرسة الأمريكية بانواكشوط  ولا زال يدرّس فيها ولازالوا يكاتبونه ويعبرون له عن الشكر على إنتاج ذلك الكتاب ،ويجد في ذلك نوعا من السلوى عن ما فتقده من اعتبار وعناية لدى سلطات بلده لقاء هذا المجهود العلمي الذي قام به، وكانت رسالة شكر من المدرسة الأمريكية على مكتبه حين زرناه،.كتب  بالعربية كتابا على شاكلة كليلة ودمنة ونشر في المغرب يسمى”قصص الحيوان” يتعرض لكل الظواهر السلبية في هذا المجتمع . هدفه نقد المجتمع دون ذكر أسماء وبدون أن يزعج أحدا ..ورغم انتهائه من كتابته إبان “حملة الكتاب” التي أطلق ولد الطايع فلم يحظ بدعم لنشره ونشرته دار الثقافة   المغربية بعد أن تنازل صاحبنا عن حقوق المؤلف لمدة عقد من الزمن ،وما كان ليفعل لو أعطي له الخيار كما ذكر ..جمع الكثير من مقالاته في كتب في طريقها إلى النشرـ ستنشر في الأردن و من المتوقع أن تنشرها الأسيسكو ضمن ما قد ينشر من مؤلفات  في إطار التظاهرة القادمة “انواكشوط عاصمة الثقافة الإسلامية2011″  المشروع الذي عين مؤخرا منسقا وطنيا له.
رافقنا صاحبنا من مكتبه الملاصق لمنزله إلى مكتبته، الكائنة في الطابق العلوي من المنزل المزينة بلوحات بعضها يحمل صورا له ولعائلته بأنامل فنان حبشي مرهف الإحساس ككاتبنا ..و حظيت عدسة(تقدمي) بالتقاط لقطات تذكارية للكاتب قبيل الغروب..</p> <p> ملاحظة:تم إعداد هذا الموضوع قبل سنوات  ونشر في موقع <a href=”http://www.taqadoumy.com/index.php?option=com_content&view=article&id=438:2011-04-17-07-16-55&catid=112:2011-03-10-02-37-45&Itemid=456”>”تقدمي”</a>

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى