من قتل محمد حسين بهنس؟

أن يموت الكاتب جوعا وبردا على ارصفة أحد الشوارع ولا يتعرف عليه أي شخص في المشرحة إلا بعد مرور أيام على وفاته، فهذا قمة في الأنانية ومنتهى السخف والانحطاط الذي يمكن أن تصله حالة المثقف في بلادنا.

الكاتب والروائي والشاعر والفنان التشكيلي كل هذه المواهب المتكاملة والمجتمعة في شخص واحد اسمه محمد حسين بهنس الذي أخذ على عاتقه مسؤولية ضخمة وكبيرة وخطيرة في حمل عمود الإنارة ليساهم بتوضيح معالم الطريق بمصابيح عدة وفي وقت واحد، لكن يا حسرة تنطفئ شمعته بنفخة برد وقبلها بتنكر مجتمعه ونبذه حتى تشظت نفسيته وانفجرت كمدا.

لا يمكن إلا أن تتأثر بهذا المشهد القبيح واللاخلاقي في مجتمع الأحرى به أن يعير هذه الفئة من الناس اهتمامه ورعايته ولما لا رفاهيته، هناك في الضفة الأخرى يهتمون بهم ويولونهم المكانة اللائقة بهم ويكرمونهم في حياتهم، أما هنا فالأزقة والحواري والأرصفة هي الملاذ والقبر أما التكريم فالقلة المحظوظة هي من تستحقه في حياتها قبل الممات.

الأديب والفنان السوداني محمد حسين بهنس الذي صعدت روحه للسماء مستنكرة، قلقة، متحيرة، من مصير أمثاله وما أكثرهم وما أروعهم يموتون في صمت مطبق ولا يلتفت إليهم احد، إذن كيف تطلب من هذا الكاتب أن يعطي ويكثف من الإنتاج ويوضح ويشاكس ويبدع ويوجه في ظروف مشابهة للتي عاشها هذا الكاتب الشاب الأسمر الذي كان أول معرض تشكيلي له سنة 1999 حيث عرض لوحاته في بيئته الأولى بالخرطوم وهاجر إلى مدن العالم مشاركا في أخرى.

كيف لبلده السودان أن يستفيق من سباته ويحل مشاكله وصراعاته العالقة وغير العالقة ونخبته من شبابه يقتلها البرد والجوع والمرض في الغربة، لا ألوم القاهرة بناسها البسطاء فلاحين وعمال وناس عاديين فلهذه المدينة مشاكلها وأمراضها ومآسيها فقد طعنت مرات متعددة ولازالت صامدة قاهرة الأتعاب والأمراض المتناسلة.

من قتل مؤلف رواية “راحيل” المثقف الذي أصبح أبا لابن من سيدة فرنسية؟ لا شك أنه نظام لا يولي الثقافة وأهلها ما تستحقه، لم يتمسك بهذا الشاب ففتكت به أنياب ذئاب الغربة والحزن ومات كمدا بعدما أبدع ولم يكن يتسلى وخلق لنفسه عالما رائعا استثنائيا، لكن اغتصبت آماله فوق الأرصفة بلا مدد ولا معين.

أليس هذا مصيرا محزنا لكاتب وفنان كان شعلة من النشاط والعطاء، مات وهو في الثالثة والأربعين شتاء من عمره غاب عن هذه الدنيا وجسده ستتكفل به سفارة الخرطوم وهو العمل الذي أجادته وبرعت فيه مع جسد حسين بهنس الذي يمكننا سماعه يئن الآن تحت وطأة هذا اللاإطراء من نظام فاقت صراعاته المدى حتى هربت أدمغة البلاد وهامت على وجهها ولم تعد راغبة في العودة ولو بالموت جوعا وبردا في الغربة، فلتتركوه وشأنه رجاء.

لكنني أدعو إلى تكريم هذا الفنان وتخليد ذكراه الفنية والأدبية بإخراج منتجاته الفنية والإبداعية التي حوصرت بتهميشه أو تكاد فلا يعقل ألا يكون في سنوات مكوثه بين أحضان قاهرة المعز قد أخرج ما في جعبته.

موت محمد حسين بهنس بهذا الشكل البشع والمقزز ينذر بإبادة كل ما هو جميل في ثقافتنا ونخوتنا وحضارتنا.

بقلم: محمد بن امحمد العلوي

توفي الشاعر قبل نهاية العام2013 بأربعة عشر يوما(الزمان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى