اتحاد الأدباء وأمناء الضاد ينظمان “اليوم التكريمي للدكتور بدي أبنو” صور
بحضور وزيرة الثقافة لالة بنت الشريف، وعدد كبير من رموز الأدب والثقافة والسياسة والبرلمان، نظم اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وجمعية أمناء الضاد “اليوم التكريمي للدكتور بدي أبنو” وذلك بدار الشباب القديمة بالعاصمة نواكشوط ضمن فعاليات المهرجان السنوي التاسع للأدب الموريتاني.
ونظم هذا الحدث تحت شعار “د. بدي أبنو.. سفير الإبداع” وذلك تقديرا لمكانة هذا المثقف الموريتاني الكبير، الذي شكل عطاؤها الثقافي والأدبي رافدا مهما للأدب الموريتاني والعربي.
ويعتبر هذا أول يوم تكريم ينظم لمبدع موريتاني.
وحظي اليوم التكريمي للدكتور بدي أبنو بتقدير واسع بين صفوف المثقفين وعشاق الأدب، وخاصة أن هذه المبادرة تأتي خارجة عن السياق المعهود محليا وعربيا، حيث ما كان يكرم أديب إلا بعد مماته أو وهو في سن الشيخوخة.
وبدأ اليوم التكريمي للدكتور بدي أبنو بكلمة للفنانة الموريتانية الشهيرة، وعضو مجلس الشيوخ المعلومة الميداح، أعربت فيها عن تقديرها لهذه المبادرة التي تعد رائدة من نوعها في تكريم رموز الإبداع والسفراء الثقافيين الموريتانيين الذين رفعوا سمعة البلد في المهجر، وشكلوا جسرا يصل العطاء الثقافي الشنقيطي على مر العصور.
وقرأت بنت الميداح مقاطع من قصيدة “الزمن والدم”، التي كتبها ولد أبنو في عواصم المهجر وتعد من روائع شعره، التي سجلت موقفه السياسي المنحاز للشعب في فترة من اخطر الفترات التي مرت بها موريتانيا وشعبها في العهود الماضية.
كما استمع الجمهور إلى مونولوغ شاعري قدم من خلاله الفنان المسرحي الكبير بون ولد أميده مقاطع من رواية “أودية العطش” لبدي أبنو، وهي رواية موريتانية كتبت على شكل قصيدة، وتنبأت بأحداث الربيع العربي.
بعد ذلك قرأ الروائي والكاتب محمد الأمين ولد أحظانا رؤية نقدية أعدها عن هذه الرواية التي تعتبر علامة فارقة في السرد الموريتاني، نظرا لأبعادها الاجتماعية والفكرية والفلسفية ومعالجتها للاستبداد وقهر الشعوب.
ثم قرأ الشاعر الكبير محمد الحافظ ولد أحمدو قصديته المهداة إلى بدي أبنو بهذه المناسبة، وعنوانها “ملاعب النجوم”، وأشفعت هذه المداخلات بشهادات من شخصيات موريتانية وعربية، عبرت عن امتنانها لما قدمه الدكتور بدي أبنو على كافة المستويات، وعلى ما تحلى به من أخلاق المثقف المبدع.
فيما أعدت مجموعة من الشباب شريط فيديو يتضمن سيرة ذاتية لولد أبنو، ودوره أدبيا وفكريا وعلميا.
ثم قام الشاعر الكبير ناجي محمد الإمام رئيس المجلس الأعلى لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين صحبة الشاعر عبد الله السالم ولد المعلا، رئيس الاتحاد، بحضور وزيرة الثقافة بتسليم الوشاح التقديري لعائلة المكرم، حيث تسلمت النائب البرلماني البتول بنت عبد الحي، خالة الشاعر ولد أبنو ووسط حضور أفراد العائلة، الوشاح التكريمي وهو عبارة عن “لوح الضاد”.
بعد ذلك قرأ المهندس الشاب الحبيب ولد أبنو كلمة الأسرة مثمنا هذه المبادرة.
وفيما يلي بعض النصوص التي قدمت في هذا اليوم التكريمي.
ملاعب النجو/ شعر محمد الحافظ أحمدو
مهداة إلى الدكتور بدي أبنو:
تلألأت نجما في المجرة ثاقبا
فضاعفت للقطر الأشم المناقبا
حملت على أهدابك البرق شعلة
تنير بها في الخافقين العجائبا
تغشيت في الإبداع سدرة منتهى
وعدت إلينا بالمباهج ءائبا
ولما صبحت النيرات بغزوة
دعاك حفيا كوكب الأرض ءادبا
لتسكب من نور السماكين ديمة
وتمرع من قفر الصحاري الأجادبا
فأصبحت في طلق القريض مجيلا
مجلى سُحيم يوم نافر غالبا
يقر بعيني أن أراك متوجا
فتى بذ في إبداعه الفذ شائبا
رفعت لنا فوق الضباب منائرا
وقد كنت عن قومي هنالك نائبا
هنيئا لك اليوم الذي ملأ الدنى
فخارا وأمسى للنجوم ملاعبا
لتحمد سراك المسئد السير للعلا
وإنك فيه قد دحرت المصاعبا
وأدركت شنقيط عجوزا تحنبت
فأرجعتها عذراء هيفاء كاعبا.
شهادة الأستاذ يحيى الشيخ
عرفتُ الدكتور بدي ابنو ذات مساء من مساءات ربيع 1993 في البيت الفرنسي. كنتُ أمضيتُ بعض الوقت أبحث عن فتى الصحراء الباريسي. أعطتني عنوانه رئيسة اتحاد الطلبة المغاربة القادمة مثلنا من الصحراء. هي من “غولميم” أما أنا فمن “المغرب غير النافع”، من غرسيف البعيدة المجاورة لمدينة وجدة.
كنتُ في تلك الفترة أحضٍّر لمهرجان أدبي في البيت المغربي واطلعتُ بمحض الصدفة على المجموعة الشعرية “مدائن الإشراقات الكبرى” لــبدي ابنو عند طابع تونسي يرقنها. قادتني إلى الاطلاع على قصيدة “أسفار العشق والموت”: التي حصلت على الجائزة الأولى للجمعية العربية الإفرقية في باريس. القصيدة السردية التي عرفتْ نجاحا كبيرا وترجمها مارك هنري دهون إلى الفرنسية وقدمتْ لها الشاعرة والفيلسوفة الفرنسية المعروفة “جنيفيف كلانسي”. قد شغتها القصيدة حبا. ورحلتْ عن عالمنا بفترة وجيزة بعد نشر تقديمها. كانت آخر ما كتبتْ.
طربتُ أيما طرب لهذه النصوص المشرقة من الحي الاتيني كشمس باريسية صحراوية تجمع منارات السين وكبرياء النخيل. وأصررتُ أن ألتقيه وأن يكون ضيف المهرجان. منذ ذلك الحين ربيع سنة 1993 لم نفترق. أصررتُ أن أكتب مقدمة للمجموعة فوافق فتى الصحراء.
في ذلك البيت الصغير الذي تملؤه الكتب من كل الاختصاصات وتتعايش فيه اللغات والثقافات طالت وتشعبتْ معاركنا. كنتُ حينها طالبا في الدكتورا في الآداب أما هو فقد كان طالبا في عدة تخصصات، طالبا في هندسة المعلوماتية في السوربون اليسارية باريس واحد وطالبا في الفلسفة والأدب في السوربون العتيقة باريس أربعة ومدمنا على اللغات القديمة في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا ومعهد اللغات الشرقية وعلى مكتبات الحي اللاتيني.
مارك هنري دهون هو نصف بدي ابنو كما كتب يوما الصحفي اللامع حميد أبوزيد في إحدى الصحف المغربية. كان في البداية أستاذه في الرياضيات ثم صار صديقه وترجم له عدة أعمال ثم أصبحا زميلين في الترجمة. مارك هنري هو أحد كبار أساتذة الرياضيات في فرنسا، أحد رموز مدرسة “بورباكي” الرياضية الشهيرة. تخرج علي يديه عدد من أعلام الرياضيات فضلا عن المهندسين وغيرهم. قلتُ له : لقد صدمك المنطاد فجذبك الشعر. كانت إشارة إلى نكتة شهيرة عند الرياضيين. وأنا بالمناسبة لا أميز الرياضيات من الرياضات ولا أفهم من الرياضيات إلا أنها جمع رياضة. أجابني مارك هنري “خيالي ناقص لهذا أستمتع بالشعر أكثر مما أستمتع بالرياضيات. طبعا يشير إلى عبارة مشهورة لعالم الرياضيات الألماني “هلبير” حين قيل له عن أحد طلبته ممن يتعاطى الشعر. فأجاب أن الخيال إذا ينقص هذا الطالب.
طالب هلبير يتعاطى الشعر
مثل العبد الضعيف وغيره من الغلابى المساكين.
أعتقد أن بدي ابنو لا يريد أن ينالi سخط (هلبير) لذلك لا يلتقينا إلا خفية.
في كل مرة كنتُ أكتشف جانبا جديدا لدى بدي ابنو. أذكر مرة أنه كان يأتي الحي الجامعي الدولي ـ في فصل الربيع أكثر ـ رجلٌ هولندي مولع بتعلم اللغات. كان يأتي بعربة كبيرة يوقفها أمام البوابة الرئيسة ويجعلها غرفة دراسة ويتبادل مع الطلبة خدمات دراسة اللغة. من يتحدث الفيتنامية على سبيل المثال يبرمج معه ساعات معينة مقابل أن يعلمه الرجل الهولندي إحدى اللغات الكثيرة التي يعرف. كان صعبا أن يَقترح أحدنا لغة على هذا الهولندي للتبادل لأنه غالبا يفاجئنا أنه يعرفها ولاحاجة له أن يتبادلها معنا. فجأة صار من أصدقاء بدي. يمضيان الساعات في الخصومات اللغوية. نفس الشيء مع ساباستيان الذي أصبح سنوات بعد ذلك مشهورا كمترجم. كان يحمل حقائب من الكتب نصف ثمن ويبيعها لبدي. ويحاول إقناع فتى الصحراء بمذهبه الغريب وبأهمية أن تصبح الاسبرانتو لغة العالم. لم يكن بدي يرى في الأسبرنتو رغم مزاعمها أنها لغة العالم مكونة من كل اللغات إلا انعكاسا للمركزية الأوربية التي أصبحتْ سلوكا لا شعوريا.
كنتُ مولعا بتعلم اللغات واالآداب وكان بدي يشترك معي ف ذلك. ولكن ما فاجأني أنه لا يريد أن يتخلى عن هلبير ليكون فقط كتلميذه. كان مولعا بكل العلوم والفلسفات وكانت أوربا أحسن مكان لمثل هذا الولع. عرفتُه بعد ذلك وهو يدرس المالية والاقتصاد ثم القانون. وكنا نمازحه بإن الشاعر الذي يهتم بالاقتصاد يدخل المدينة الفاضلة ويخرج من مدينة الأدب الشريرة. كنا نستشهد بكلمات للشاعر أبولينير في رسائله إلى لو” يقول من المهين للشاعر الحق أن يعرف الرياضيات والفيزياء” كان بدي يجيب “من لم يهتم بدروس الطلبة فليس منهم.”
لم يقبل بدي أن تدركه حرفة الأدب. منعته حرقة الأدب من حرفته. عاش له لا به، كما قال طه حسين عن العقاد والمازني. أراد أن يحتفظ بتعريف الأديب الحق الذي ” يعرف من كل شيء طرفا”. وأراد أن يحتفظ بحرية الكاتب والشاعر. يكتب في الليل “اللقاء الأخير هاهو حانا” ويسهر بقيته يحضّر امتحانا في البرمجة دون أن يقول “الامتحان الأخير هاهو حانا”. فأبواب المعرفة لا تفتح إلا على أبواب خلفها أبواب. وحده من “فتح الأبواب يغلقها” أو لا يغلقها.
تتالتْ النصوص : أودية العطش وكنت أول من قرأها. وبكل صراحة ومسؤولية لا أعتقد أنه قد كُتب مثلها بالعربية في العصر الحديث.
أما “لهذا رحلتُ عن هذه الأرض و”صلوات المنفى الباريسي” فكنت شاهدا على كتابتها. كان وهو يكتب الأولى ثم الثانية في حالة لا تذكرني إلا بما رواه لي عن الظروف التي كتب فيها الشاعر جرير هجائيته الرائية
أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا
وَقولي إِن أَصَبتُ لَقَد أَصابا
أما “قصيدة الزمن والدم” فلم نلتق يوما في السنوات الأخيرة إلا كانت رابعنا : هو وأنا والقهوة الإيطالية وقصيدة الزمن والدم.
قصيدة الزمن والدم حقنة ضرورية ضد هذا “الزمن اللاحوس”
أريد أن أضيف نقطة شهد بها كل من عرف بدي عن قرب وحتى عن بعد : أصدقاؤه، زملاؤه، طلبتُه : لقد عاش في أوساط اجتماعية وثقافية من كل الأطوار وعاش في دول ولغات لا يجمعها إلا خالقها. وأرادت جهات وواجهات كثيرة أن تشتريه أو أن تغنمه بالترغيب والترهيب المادي والمعنوي وأنا شخصيا شاهد على بعض ذلك. أقول بكل أمانة لقد ظل بدي ابنو وفيا لأخلاق بدي ابنو، الأخلاق الجمة النادرة في وقتنا : أخلاق التواضع والكرامة والإباء. أخلاق الشناقطة كما كنا نسمع عنهم. فهنيئا لنا برجل من هذا المستوى و بهذه القيمة ومن هذه الطينة.
عندما رحل بدي إلى بريطانيا أعلمني أحد الإخوة برحيله وأنا في مجلس من المثقفين العرب. فقال الدكتور محمد غرافي كلمة باقية: “لقد رحل الحي اللاتيني”.
لا يسعني إلا أن أوافق الأستاذ أسامة خليل حين يكرر أن الدكتور بدي أبنو هو آخر المثقفين الحقيقين. وأضيف هذا هو فتى الصحراء كما عرفتُه كاتبا وفيلسوفا وفتى.
كتبه الدكتور يحي الشيخ
أستاذ الآداب بمعهد العلوم السياسية بباريس.
اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وجمعية أمناء الضاد
اليوم التكريمي لسفير الإبداع الدكتور بدي أبنو (28/12/2013)
محمد الأمين ولد أحظانا (روائي وكاتب موريتاني)
رواية” أودية العطش” للكاتب بدى ولد أبنو
” قلّتْ السّبلُ. وطال السّرى. واشتدّتْ الخلوة. وخَفيَتْ النّجومُ. وبـعُدتْ السّماء. وادلـهمّ الأفقُ. وغضب الموجُ. وأنّتْ الأرضُ. وأدْمَتِ الجراحُ. وكثُر الوجعُ. ولم يُخرج الليلُ، عدا وجه بلا أنف، إلا أهوالا وغمراتٍ صحبتْ الهزيع عبر السّنين.”
بهذه الكلمات العازفة على مواطن الوجع والمدندنة بنشيد عسكري مروع ؛ تبدأ الرواية- القصيد.. للشاعر والكاتب بدى ولد أبنو، تتأمل الكلمات المتقلعة من منابت صخرية، والجمل العتيقة المتحفزة للمنازلة با:”الكاتش”، المراوحة بين اللحن الجنائزي المجلجل، والغضب الجهنمي اللافح، فينتابك شعور بالهلع..تتساءل: أبهذا الأفق الواسع وصل الضيق حد سَم الخِياط، والشرارة حجم الحريق، والعاصفة رَبْعَ نفخ الصور..
أهي رواية كما أرادها الكاتب، أم هي قصيد روائي كما تريد هي، أم “جحيم” جنوبي، هب من قلب عواصف الشمال المقرورة، على غرار جحيم “دانتي”..
بعد أن تلهث دهشا، وتعطش فرقا، وتغرق في عرق الكلمات، يصفعك العنوان: : “أودية العطش”.. وبين هذه الأودية السبعة بعدد أبواب جهنم السبع، تتحول الأيام إلى أفواه من العدم الفاغر، وثقوب سوداء تطحن نسغ الإرادة الإنسانية..
لنتفرس عن قرب – ما وسعنا الاقتراب- هذا النص الجامح إن أردنا الألفة، والحرون إن همّمَنا الانطلاق..
البدء: الشخوص الموصودة عنوة هي:
– نزر يسير يلتحف الرفض،
– سلطان يمتلك قصرا من الأسماء كلها أسماء كبرى، كلماته بحار من العطش،
– فئة ثالثة تزحف على أدبارها كأنها الوحل الراحل..
– فئة رابعة تلتحف ألسنتها بغمغمات تناثرت في مهدها وماتت في لحدها..
أما الأيام الأودية السبعة فهي:الأحد- وادي الصّمت.. الاثنان- وادي الــــنّــجم..
الثلاثاء- وادي الرّحيل..الأربعاء- وادي الصّخرة ..الخميس- وادي النّهر..
الجمعة- وادي الهزيـع..السبت – الوادي السّابع..
الذين التحفوا الرفض يجوسون الأودية من”الصمت” إلى “النجم” إلى “الرحيل” مرورا ب”الصخرة”، و: “النهر” المتيبس، إلى “الهزيع” فا”السابع”، هروبا من شرب الرمل، وفرارا من ظلال السلطان الذي يسكن على بابه: “جبل أشمّ من الأعضاء البشريّة الـمقطّعة: رؤوس رجال، ونهود نساء، وقلوب أطفال…” . أما لسانه فيتدلّى من عينيه ، ويغطِّي صدره… ” لسانٌ مزبدٌ بماض من الأنين، والشّعبِ القابعِ، والهزيعِ العويلِ.”
الشخوص هم: نجوى فتاة وحيدة تشرق جمالا ونبوغا، حكم عليها السلطان بالرحيل الأبدي، وأن تدفن أي ومضة جمال ونبوغ لديها..ابن الحاضرة الذي التحفه السلطان،، والجُنَّة ابن أبي المتيم، وابن الفارقة، الذي له علم بالسلطان، المجنون، العذراء، العجوز..
الشخوص تترآي في هذه الحميا وهذه الثورة العبثية، وهي تركل بالكلمات، وتتماهى بالألم واليأس، ويطحنها القنوط والريبة، ويلفها غمام من الشك والوجع، تنتقى طريقها السالك فإذا به السبيل العقبة، وتركض في الفجاج، وبعد أن تتقطع أنفاسها كلاما صدى وتتوهم المفارقة إذا هي تراوح مكانها، تنشدُّ إلى صخرة المحاق، وتقيدها سلاسل الإحباط، وتتيبس وسط النهر عطشا..
هذا الجحيم الكوني الذي لامخلص منه ولافكاك من خيوطه الأخطبوطية، مجرى للرفض والثورة التي تجعل السلطان وظلاله يخشون ظلالهم، ويبطشون عدما نُثَارًا، ويسدون طُرُقا فِجاجا..
هذا النص المدهش بلغته ورموزه يصعب تصنيفه على أنه رواية بالمفهوم المتداول، ويستحيل وضعه في قوائم القصيد، لكنه رواية قصيدة، مدهشة بلغتها التي هي مزيج من أسلوب يصطلي على لغة القرآن، ويتنسم سَموم كلمات المسعدي في سده، ومدهشة بالمعاني التي تشرع أبواب الثورة الحمراء على واقع مريض مرارة الماء الآسن، واللبن الفاسد، واللحم المنتن، والحرية الأسيرة…
كلمة أسرة المكرم:
انحناءة إكبار لأمناء الحرف والإبداع، سفراء الحرية:
أحيي باسمي وباسم أسرة د. بدي أبنو اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وجمعية أمناء الضاد، وأنحني احتراما لهم على الجهود الحثيثة التي يقومون بها في نشر الثقافة في هذا البلد: عبر الندوات والملتقيات، ونشر الكتب والتعريف برموز البلد قديمها وحديثها، جهود قدمت إنجازات ملموسة، لا مراء فيها، جهود تندرج في إطارها هذه اللفتة الكريمة التي قاموا بها تجاه رجل كرس زهرة شبابه وما زال، لمهنة الحرف بحثا وإبداعا ودرسا وتدريسا، من العلوم التجريدية: الرياضيات، والتطبيقية: المعلومانية، تخصصه الأساسي، للعلوم النظرية: الفلسفة، القانونية: الاقتصاد الإسلامي، اللغوية: العربية، الفرنسية، الإنجليزية، إلى الكتابة: الإبداعية: القصيدة، الرواية… البحثية: الكتب والمقالات…ساعده على الاستمرار والدأب بخطى ثابتة في هذا المسار الوعر، اتخاذه باريس منطلقا لنشاطه، كالكثير من رموز الثقافة العربية المعاصرة الذين رفضوا الخنوع والاستخذاء، السائدين في هذا الجنوب الرخو، فدقوا من هناك، أبواب العالم المعاصر ليلجوا بأصوات بلدانهم إلى أبرز المنتديات في غرب أوروبا وشمال أمريكا، سفراء لبلدان وشعوب ما زالت بحاجة إلى مزيد من السفراء الذين يليقون بهذا العصر، ويستطيعون أن يعطوا صورة عن بلدان تعتز شعوبها بماضيها، دون غرور، وتطمح لحاضر يحمل سمات العصر، وتتوق إلى مستقبل زاه وزاهر يتسم بالعز والقوة والإباء والجدة.
شكرا جزيلا.
أد. محمد عبد الحي
الرئيس السابق لقسم اللغات والترجمة بجامعة نواكشوط
عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة دبي بالإمارات العربية المتحدة