دعــوة إلى الصّمت …. احتراما للكلمة
فتحت هالة الغموض والتّكتم الشديد، التي أحاطت بالوضع الصحي لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز جراء “النّيران الصّديقة” التي اعترضت طريقه مساء السبت الموافق 13 أكتوبر
2012 خضع بعدها لعملية جراحية أجريت له في “المستشفى العسكري بنواكشوط” ليسافر بعد ذلك إلى عاصمة النّور ليحل ضيفا على “مستشفى بيرسي كلامار” لاستكمال العلاج، فتحت مجددا الملف الذي طالما حرص سدنة الحكم في موريتانيا والعالم العربي، على غلقه، وهو الخاص بأمراض الرّؤساء والملوك في بلادنا، والتي كانت ومازالت تحاط بترسانة من السّرية، تقابلها شائعات وتكهّنات وضغوط شعبية، من أجل معرفة حقيقة المرض.
حيث تلجأ أنظمة الحكم العربية غالبا إلى نفي أو إخفاء حقيقة مرض المسؤول الأول ، بل تعمد في بعض الحالات إلى تقديم دلائل على صحة الرئيس أو الملك، الذي ربما يكون على حافّة الموت، مما يولد مشاكل ينبغي أن لا تكون موجودة، وهو ما ينطبق على كافة الدول العربية بلا استثناء ومنها موريتانيا، التي شهدت ما شهدته في الأيام التي أعقبت إطلاق “النّيران الصديقة “على صاحب الفخامة حسب “الرّواية الرّسمية” والتي تعزّزت بخروج الضّابط نفسه على شاشة التلفزيون الرّسمي بالرّغم من بروز بعض الشائعات المغرضة التي راجت في الأسابيع الماضية، لتصل حدّ التّكهّــن بحدوث انقلاب عسكري أعقبه حقّـــــا “انقلاب من المؤسسة العسكرية على الانقلاب المروّج”، نتيجة وعي من القائمين على الشّأن العسكري بأن موريتانيا يكفيها من الانقلابات ما مـرّت به في سنينها الخالية، أعقبتها فترات انتقالية ماّـها المواطن البسيط في حين يحـنّ ويتوق إليها من يركبونها لتحقيق مآرب شخصية ضيقة لم يساعدهم حظّهم العاثر في الوصول إليها عبر طريقها الورديّة المتمثلة في حصد أصوات الناخبين.
والحقيقة أن موريتانيا شأنها شأن معظم بلدان العالم النّامي، كانت حتى أسابيع قليلة، تعتبر مرض الرؤساء والزّعماء أحد أسرار الدّولة العظمى، والتي لا يمكن أن يضطلع عليها أحد، لأنها تظل مثار جدل واسع، لما يترتب عليها من تحولات سياسية واقتصادية لاسيما في البلدان التي تفتقد إلى الدّيمقراطية في انتقال السّلطة”، أو تلك التي تعتمد التوريث في تنصيب رؤساءها أو ملوكها، وفي كل أنظم الحكم، الديمقراطية منها والشمولية، يصاحب أمراض الرّؤساء والملوك تكتّم شديد، يقابل ذلك شائعات وتكهّنات لأجل معرفة الحقيقة. بل إنّ علل الرّؤساء غالبا ما يستخدمها الخصوم “لزعزعة وضع نظام ما” أو”خلق بلبلة في بلد” حتىّ وإن كان الرئيس معافى، فللسّيّاسة حيّــلها تماما مثلما الحروب.
وغالبا ما تلجأ أنظمة الحكم العربية إلى نفي أو إخفاء مرض المسؤول الأول، بل تعمد في بعض الحالات إلى تقديم دلائل صحّة الرئيس أو الملك على رغم انه طريح الفراش، ويشبه سلوك النظام العربي الرسمي في إثبات صحة المسؤول الأول، ما كان تلجأ إليه الدولة السوفيتية في إخفاء مرض رؤسائها ومنهم بريجنيف، حتى أصبحت تطلق ظاهرة بريجينيف على الدول التي يحكمها سلسلة متتابعة من مسؤولين مردوا على إخفاء الحالة الصّحية الحقيقيّة لرؤسائهم دون أن يعرف أحد كنه ما أصابهم ، فهم أمام الجمهور وعلى الشّاشة أصحاء رياضيون وخلف الكواليس طريحو فراش يعطسون، ويتعثروا…
من قال إنهم لا يمرضون، طبعا يمرضون … هل تظن أنهم آلهة !، هم مثلي ومثلك يئنون ويتعبون ويمرضون، ولكن أمراضهم أسرار، وآلامهم لا تظهر للعامّة، وشفاء آلامهم يُسعى له إلى أعتى مستشفيات الدّنيا، وليس لك إلاّ أن تتابع الصّحافة العالمية، ووكالات الأنباء الغربية حتىّ تصطاد بين الفينة والأخرى خبراً عن صحة هذا أو ذاك، وربما كانوا محقين بعض الشيء فالمرض ضعف ولا يحب أحد أن يظهر أمام الناس ضعيفاَ، كما أنّ المرض يفـقد ثقة النّاس في المريض ويجعلهم يظنّون أنّه لن يستطيع أن يؤدي عمله كما يجب.
لكن الإنصاف والأخوّة بل والإنسانية تقتضي عدم التّــــــشفي ، وتحيّن الفرصة للانقضاض عليهم في وقت عجزوا فيه الدّفاع عن أنفسهم لأنهم طريحو فراش المرض ،بل يجب أن يكون فرصة للتّعاطف معهم والشّد على أيديهم ،والدّعاء لهم بالشّفاء حتىّ يمنّ الله عليهم بموفور عافيّته، وذلك ما نرجوه لرئس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز حتىّ يتمكن من العودة إلى أرض الوطن كي يزاول مهامّه فيما تبقّى من مأموريته.
كما نرجو من العلي القدير أن لا يحرمنا نحن و سياسيّينا وصحفييّنا ومواطنينا فوائد الصّمت السّبعة ألا وهي: ” عبادة من غير عناء،زينة من غير حلي ،هيبة من غير سلطان،حصن من غير حائط ،الإستغناء عن الاعتذار لأحد،راحة للكرام الكاتبين ، ستر لعيوب الجاهليّة “.
لأن الصّمت حكمة، ودليل قوة فالقدرة عليه صعبه، وهو يعطي فرصة للطرف الآخر ليراجع ما قال وليخجل من تصرّفه …
ولو علم سكان الأرض أن اغلب مشاكلهم بسبب عدم تثمين كلماتهم لأدركوا فائدة الصّمت، وفائدة الكلام في وقته، وعلينا أن نتذكر دائما أن الإنسان له أذنين اثنتين، وله لسان واحد “لنسمع أكثر مما نتكلم”، كما أنّ هنالك كتب كثيرة تعلـم فنّ الصّمت من هذه الكتب “كتاب حديث السّكون” لمؤلفه “ريكارت تولي”، ولا أجد للاستشهاد أحسن ولا اصدق من قول خير البريّة ومعلم الأمّة عليه أفضل الصلوات وأزكى التّسليم محمد ابن عبد الله حيث يقول في الحديث الشّريف “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيــــــرا أو ليصمت”. أ
بـقـــلـــم : المهندس الحضرمي ولد محمد ولد انـــــــــــــداه EMAIL:[email protected]