ولد عبد العزيز ينتقم من قطاع كامل لأن فردا منه لكمه ذات مرة
تحدث ضباط ووكلاء الشرطة في موريتانيا بكثير من التحسر والحنق على واقعهم الجديد، ويأسفون للماضي الزاهر الذي انتهى عهده منذ وصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة، في الماضي كان الراتب آخر ما يفكر فيه الشرطي، سواء كان وكيلا أو ضابط شرطة، فالإتاوات الكثيرة على سيارات الأجرة، وورقة “200” أوقية كفيلة بسد الحاجة رغم ما تجلبه من تشويه صورة المؤسسة الأمنية.
أما الآن فإن أفراد الشرطة يواجهون ” أزم الدهر والأعوام الشهب ” بمجرد “دبوس لخلاص” الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وفق ما يقول عدد من عناصر الشرطة.
ويشيع عند أفراد الأمن الموريتاني أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يحمل عقدة خاصة من عناصر الشرطة ويسعى بشكل حثيث إلى تهميشهم
ويقول عناصر من الشرطة لقد انتزع منا الرئيس محمد ولد عبد العزيز كل عناصر القوة وكل المؤسسات أو التخصصات التي يمكن أن تدر لهم أي تعويضات أو مبالغ مالية
ويقول عنصر أمني غاضب ” انتزع منا عبارة روصو وأبعدنا عنها بشكل دائم، كما انتزع منا تأمين المطار، وأبعدنا عن الشوارع ثم جاء بشباب تجمع أمن الطرق، كما أبعدنا أيضا عن مشروع بطاقة التعريف وجوازات السفر، كما منع الاكتتاب من جديد داخل القطاع، وأبقى لنا مهمة وحيدة هي قمع المعارضة وكل المحتجين”
وإضافة إلى قمع المحتجين والمعارضة، فإن قطاع الأمن لا يزال يحتفظ بمهمة أساسية من مهامه التقليدية وهي ” وحدة محاربة الإرهاب” ويمثل الإبقاء على هذه الوحدة حاجة ضرورية، لاستمرار التصدي للإرهاب ولاستمرار التنسيق أيضا واستجلاب الدعم الأمني من الدول والمؤسسات المهتمة بمحاربة الإرهاب وكشف الجريمة المنظمة
بين الأمن والسياسة
لكن أسبابا أخرى أكثر موضوعية، في التعامل الإقصائي للرئيس محمد ولد عبد العزيز مع قطاع الشرطة، من أبرزها مخاوف الرئيس من الجهاز الذي تولى قيادته لسنوات طويلة رجلان من أخطر خصوم ولد عبد العزيز وهما
العقيد اعل ولد محمد فال الذي تربع على عرش الأمن لمدة عشرين سنة كاملة كان فيها واستطاع خلالها نسج شبكة نفوذ قوية وتجنيد المئات من عناصر الشرطة والأمن السري وربط صلات واسعة جدا مع شيوخ القبائل ورجال النفوذ.
وبالإضافة إلى ولد محمد فال مثلت الشرطة تاج مملكة أخرى أدارها المفوض دداهي ولد عبد الله مدير الأمن السياسي وأحد أهم أوجه نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع، وفيما وجد ولد محمد فال فرصة الرئاسة والتقاعد من المؤسسة العسكرية ليصبح “رجلا حرا ” في قراره، فإن ولد عبد الله واجه الأمرين منذ سقوط الرئيس معاوية ولد الطايع ليتحول من الاسم الذي يثير الرعب في صفوف السياسيين إلى مجرد كهل من الشرطة يقيم أكثر وقته في أطار حيث يردد” بوادي أطار استطال النخيل وطاب المبيت وطاب المقيل.
وإضافة إلى المخاوف من “جيش اعل ودداهي” فإن قطاع الأمن الجديد الذي استحوذ على أكثر صلاحيات قطاع الشرطة يمثل أيضا فرصة تشغيل مهمة يقدمها ولد عبد العزيز لصديقه الجنرال الطموح مسغارو ولد اغويزي والذي يمثل الكثير بالنسبة لولد عبد العزيز، حيث تمكن من إنقاذه من “مرسوم الإقالة فجر 6/8/2008 عندما أبلغ قائده بتعيينه، قائدا للحرس الرئاسي وانتظر أوامر ولد عبد العزيز بدل التوجه إلى المنصب الذي اختاره له ولد الشيخ عبد الله.
لكن مسغارو لم يكن العنصر العسكري الذي وجد “شغلا مهما ” في أمن الطرق فقد وفر هذا القطاع الأمني الجديد مئات الفرص للشباب الموريتانيين من صغار حملة الشهادات وذلك في مواجهة ما يعرف بأزمة الربيع العربي ومسار “التحركات الشبابية” التي تطالب بالتشغيل وفرص العمل والعيش الكريم، ليكون بذلك ” عمران أمن الطرق خراب قطاع الشرطة”
لكن قطاع أمن الطرق يمثل أيضا بالنسبة لولد عبد العزيز إحدى الوصايا الخالدة للعقيد القذافي، الذي نصح صديقه السابق محمد ولد عبد العزيز باستحداث منظومة أمنية موازية لقطاع الشرطة تسعى إلى ضبط السيطرة الأمنية، تماما كما تمثل “اللجان الثورية” عند القذافي، نظاما سياسيا موازيا للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في الديمقراطيات الطبيعية.
أسباب شخصية
لكن عناصر أمنية متعددة تعيد حساسية ولد عبد العزيز من الشرطة إلى حادثة الاعتداء عليه قبل عدة سنوات من قبل شرطي من أمن المطار عندما كان ولد عبد العزيز يسعى لتخليص أغراض تابعة لبعض أفراد عائلته لدى جمارك المطار
ويضيف المصدر ” قام ولد عبد العزيز بدفع الشرطي الذي كان يستند على بوابة المطار ليقوم هذا الأخير بالرد القوي على ولد عبد العزيز توجيه عدة لكمات اشتبك بعدها الرجلان”.
غير بعيد كانت إحدى قريبات الرئيس تدير مطعما خصوصيا داخل المطار، استطاعت تخليص الرئيس من الشرطي الغاضب وبعض رفقائه لتبدأ بعد ذلك عقدة الرئيس من عناصر الشرطة
وبين الأسباب الشخصية والموضوعية، يبقى قطاع الأمن أحد أهم ضحايا ولد عبد العزيز وأهم “أيتام نظام ولد الطايع”.
السراج