د.عباس ابراهام ينتقد طريقة نقل الصحافة المحلية لكلامه

الزمان أنفو _ لمّا كنتُ في نواكشوط أهداني المؤرّخ المتبحّر ددّود ولد عبد الله عمله الثمين الصادِر حديثاً، “الهوية والذاكِرة في بلاد شنقيط: بحوثٌ في تاريخ الفكر”(2024). ولاحِقاً نظّم معه مركز “مبدأ” جلسة نقاشية. ووجدتُ أنّ موقِع الأخبار الرائد قد أعدّ عنها ملخّصاً. وكنتُ مهتماُ بالندوة، ولكنّني، طبعاً، لم أقرأ الملخّص. فأنا لا أثِق في قدرة الصحافة الوطنية على نقل الأفكار وتأدية أمانات المجالس.
وكان الموقِع المذكور قد حضَر لي قبل ذلك بفترة وجيزة ندوة لمركز مبدأ تحدّثتُ فيها عن الإعلام والانسجام. وما نقلوه عنّي هو أنّني قُلتُ إنّ نهج غزواني “غبياً إن لم يكن متجاوزاً”؛ وأنّ البلاد لم تدخل أزمة عرقية كما الآن. وأنا قُلتُ ذلك. ولكنّه ليس جوهر مداخلتي ولا وجه كلامي، أحرى أن يكون خلاصته، بل كان جملاً اعتراضية. وأنا لا أتراجَع عنها. ولكن جوهر مداخلتي كان أوسَع منها. وقامت على ثلاث محاور: الإطار النظري وهو نقاش الانسجام في فلسفات الحداثة، ثمّ الإطار التطبيقي وهو نقد نماذِج الانسجام في السياسية الموريتانية المعاصِرة، ورصد التحوّلات الهووية في الشرائح الموريتانية؛ ثمّ دعوة للنضال والثورة والأكاديمية لحلّ مشكلة عدم الانسجام وخلق انسجام بين الفكر والواقِع. أمّا الوكالة الموريتانية للأنباء فلخّصت الندوة كالتالي: “وأكد المحاضرون على أن خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني يشكل المرجعية الأساسية للسعي للوصول إلى مجتمع منسجم يؤمن بقيم الجمهورية والعيش المشترك”. وهي تلفيقة ودسّ وانتحال ومصادرة.
إذا كانت الصحافة مهتمة بنقل كلام المجالس فيجب أن تُدرّب على ذلك قادِرين على فهم ما يُقال ورصد أوجُه، لا شذرات، الكلام. ففي 2016 نقل عنّي موقِع السراج أنّني قُلتُ “إنّ المستعمر كرس القبيلة من خلال نظام السيوف”. وطبعاً أنا لم أقُل هذا، والندوة مسجّلة. وفي حقيقة الأمر فأنا لا أعرِف، وإن كنتُ مهتماً بمعرفة، “نظام السيوف” هذا. ولكن اليوم بفعل عدم مهنية الصحافة يمكن أن يأتي باحِث ويقول لي ها هو قولُك موثّقاً: إنّك تؤمن بنظام السيوف. ويمكن لآخر أن يقول لي إنّك، بحسب الوكالة الموريتانية للأنباء، تدعم ولد غزواني!
على الجامِعة أن تُعلّم الناس الدقّة في نقل وإرسال الأفكار والاعتناء بأوجُه الكلام لتطوير النقاش. وإلاّ فإنّ الكلام الذي ليس له وجه يغدو نكتاً وطرائف، لا أطروحات ومحاججات. فيُصبِح نوشاً، كنقاشات سواد الفسابكة، التي لا يحكمها منهج ولا منطق ولا حتّى فكرة عامة.
https://www.facebook.com/mebdae/videos/3821956281400254