في منزل محمد ولد انويكظ اجتمع تجار قبيلة ولد الطايع وتحاشوا ذكره بخير
يتوقع يوم 13 من الشهر الجاري أن تنطلق تظاهرة “ولاته” التراثية الثقافية، بحضور الحاكم العسكري الحالي محمد ولد عبد العزيز، ولكن بعض المعنيين بالشأن العام، الذين عودوا أنفسهم ضريبة الارتباط المعنوي والمادي بكبريات الأحداث الوطنية، تحركوا بشكل مبكر، ولو على مستوى رمزي، تعبيرا عن التنويه بـ”ولاته” وتراثها وعمقها التاريخي والحضاري، وربما لا يخلو الأمر من السياسة.
حيث أجتمع لفيف من رجال أعمال “أسما سيد” في منزل محمد ولد انويكظ في لكصر.وقرروا دعم التظاهرة المرتقبة، ببعض ملايين الأوقية، ومكلفين وفدا لتسليم هذه المساعدة الرمزية.
وقد حظي بعض المقربين من رجل الأعمال النافذ محمد عبد الله ولد انتهاه الملقب”ولد جيلي”، بدعم للمساعدة على عناء السفر والمشاركة في تظاهرة”ولاته”، على سبيل المثال لا الحصر –أي المستفيدين-:
صاحب ما يسمى بجمعية “شمس الدين” السني ولد عبداوه، وعلى وجه الخصوص صاحب “متحف أتويزكت” الخليل ولد الداه ولد انتهاه، رغم أن المستضيف لللقاء كان الداعم الأكبر في هذا السياق، حيث قدم مبلغ خمسة ملايين أوقية لدعم جهد المساهمة في هذا الحدث الثقافي الموسمى، خصوصا أنه يتزامن مع مولد المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ترحم السفير السابق الشيخ ولد باها على بعض الراحلين في العام المنصرم، ومطلع العام الراهن، من أمثال ديدي ولد اسويدي وعبد الله ولد انويكظ وأحمدو ولد محمد سلطان رحمهم الله، وأثنى عليهم نتيجة خدمتهم للوطن -على حد قوله – وتركهم سمعة طيبة للأسرة.
وتدخل من بعده السني عبداوه، مؤكدا على العمل الجماعي التضامني، وقال بأن المجموعة لها ذكر طيب محل إجماع على الصعيد الوطني، لكن المتدخل الأخير، هاجم العمل القبلي، وكان هذا المتدخل النائب السابق أيام معاوية سيد محمد ولد عمار ، وقال بأن العولمة لم تعد تسمح بذلك، وقال: “إن هذا الزمن زمن الاندماج، والتعايش مع الحكومات وحث على التقوى والإنفاق”، وأسهب في موضوع الإنفاق، فيما تدخل بعض الشباب، رافضين طرحه حول اللقاءات الأسرية، وقالوا بأن الجميع يفعل ذلك، وعددوا بعض القبائل.
وكان صاحب التدخل يعقوب ولد أكبار، المعروف بالجسارة والصراحة، ووافقته الرأي في شأن غياب التضامن الاجتماعي، الذي دعا إليه النائب السابق سيد محمد ولد عمار، ضمنيا من خلال حثه على الإنفاق، الذي لم يعرف عنه الانشغال به -حسب ما صرح به بعض الحاضرين بعد إنفضاض الاجتماع- رغم ثروته، إلا أنه وثيق الصلة بالمساجد والفقه، وقال بأنه – أي ولد عمار- لم ينشغل بالسياسة إلا مرغما من قبل ولد الطايع. وهذا خلاف الواقع على رأي البعض، فقد أبدى الرغبة في منصب النائب، على ثلاث دورات، دون انقطاع، وأتاح ذلك لمؤسسات أهل عمار، ونعني هو وإخوته فحسب، الكثير من الفرص الدسمة المريبة على رأي البعض أيضا.
وكان من ابرز ذلك الثراء المثير، إغراق سفينة تجارية للصيد البحري في عرض المحيط الأطلسي للحصول على تأمينها، حسب ما يذكر منتقدوه، وكان ذلك كله في زمن ولد الطايع، الذي لم يذكره الحاضرون بأي خير، رغم أنه ولي نعمتهم.
وخصوصا أهل عبد الله وأهل عمار، ولم يسلم الآخرون من تسهيلاته المتعددة، فلا وجه للقول إنه ضغط على وزيد أو عمرو، ليكون نائبا أو كذا أو كذا.
وأما مداخلات ولد أكبار وكاتب هذه السطور، فقد كانت غير مأذونة ومزعجة، عند ذي الطول والنعمة، وقد عبر شقيق سيدي محمد ولد عمار عن ذلك، لي شخصيا، بعد انتهاء الكلام، و هو محمد عبد الرحمن ولد عمار فدرالي الحزب الحاكم أيام الرئيس معاوية، وهو الذي أثار هو الآخر، الكثير من الحرائق السياسية، الضيقة الأفق، في أطار وأوجفت، ضد السجاد ولد اعبيدن ومحمد المخطار ولد احمين أعمر تباعا، حسب المدن المذكورة.
أجل، كان اجتماعا مفتوحا لأبناء الأسرة تقريبا، ومثل فرصة للعشاء والتعارف والسلام، لكن كان اجتماعا دكتاتوريا، بلا حرية في التعبير تقريبا.
ومثل إطلالة لبعض الوجوه “الشمسدية” الفاشلة في العمل السياسي، وما كان لهم أن يتحدثوا إطلاقا، سترا لأنفسهم على الأقل.
وحسب التفحص الأولي، لبعض الآراء من الحاضرين، أو الغائبين المعنيين بالحدث، فقد كان اجتماعا عائليا، داعما للجهد الثقافي والتراثي المنتظر في ولاته، وهذا إيجابي إن غضضنا النظر عن جانبه السياسي التوددي، لنظام المستبد محمد ولد عبد العزيز، ومن وجه التعبير والمكاشفة كان الاجتماع في الحضيض باختصار شديد.
فقد دأب”اسماسيد” أن يقودهم عارفون بالشرع ولو نسبيا، ناهضوا المستعمر أحيانا وسالمه بعضهم لاحقا، لكن لم يحكم التجار بشكل صريح مباشر، إلا منذ بداية التعددية وترشيح ولد عمار ضد ولد سيدي بابه، حين بدأ يومها المنعطف المهلك الجديد، المسيئ لمكانة “اسماسيد” الحقيقية الرفيعة، فاسماسيد منذ ذلك الوقت ورقة ضحية، يستغلها ولد الطايع وتجاره، الذين انقلبوا عليه بعد ذهابه، أخزى انقلاب، بحجة المصالح، وغاب عنهم أن أغلاها وأثمنها الكرامة، والكرامة فحسب، قبل الحسابات المادية المشروعة، لكن ليست على حساب المعني والتاريخ والقيم والرحم.
أجل، منذ سنة 1992 و”التيفايه” يقودون هذه الأسرة العريقة القوية معنويا واقتصاديا، العميقة الأسلوب والأداء.
فدفعنا الثمن أكثر مما انتفعنا كما يتوهم البعض، جراء حكم ولد الطايع وأغراض “التيفاية”وحساباتهم الضيقة، وأذواقهم المادية بالدرجة الأولى.
يجتمعون لصلة رحم الغير في شنقيط ووادان أو تشيت، وهذا حسن ورفيع، لكنهم خوفا من ولد عبد العزيز ينسون أهلهم، عندما داهمهم وباء حمى الوادي المتصدع، على سبيل المثال لا الحصر.
إن التجار تجار، ولا تحق لهم مثل العسكر القيادة، لأنهم بإيجاز يحسبون لأنفسهم، قبل أهلهم ورعيتهم، وهذا غلط مغلوبون عليه بحكم مهنتهم، لأنها تفرض الجبن والرغبة الزائدة في المال، ولا معنى للحث على الإنفاق، مع تقصير الحاث نفسه على هذه الخصلة الطيبة: “يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون …”، خصوصا إذا كانت الثروة كبيرة ومشبوهة المصدر، مهما قيل عن التبرئ من ولد الطايع.
ومهما قيل عن الإجتماع من نقد مطلوب، فقد كان فرصة لللقاء والتعارف أكثر، وعبر عن عمق الأزمة التي تعيشها هذه الأسرة المحورية، ضحية السياسة والقيادة غير الرشيدة.
وقد لوحظ حضور محدود لزعيم الجماعة المهمش، من قبل التجار، أحمد ولد سيدي بابه، والذي انسحب قبل بدء الكلام والمداخلات، وفسر البعض حضوره، اعتبارا لخاطر محمد ولد نويكظ ليس إلا، وهو المعروف فعلا بعلاقاته الوطيدة مع أبيه الراحل عبد الله ولد نويكظ رحمه الله.
كما عبر الاجتماع عن تغييب دور الأطر والشباب والنساء من باب أولى، فالكلمة الأولى والأخيرة لذوي الدثور، المغرورين بأموالهم، وبعد الشبع يتحدث بعضهم عن الإنفاق، ولا إنفاق بالمعنى الجاد.
وقد ندد بعض الشباب على هامش هذا الاجتماع، بمثل هذه الهدايا السياسية للنظام القائم، باسم التراث، وفي المقابل لا منحة دراسية لمستحق، مع الإهمال أحيانا لبعض المرضى ذوي الحالات الحرجة، وإهمال دعم مهم للعمل النسوي، مثل التعاونيات النسوية في معاقل الأسرة في أطار، أوجفت وأركيز وغيرها.
وقد لوحظ غياب السجاد ولد اعبيدن رغم أنه يوجد في نواكشوط، وكذلك عبدو محم، اللذان فضلا منذ بعض الوقت إعتزال العمل السياسي والجمعوي، تجنبا للإثارة وقيل وقال، التي لا تخلو من الأغراض والخصوصية، على حساب المصالح الحقيقية للمجموعة والوطن برمته.
وإن كان الحضور ضروريا لتظاهرة ولد عبد العزيز الانتخابية في ولاته، إن كان لها جانب ثقافي وتراثي مهم لحد ذاته، فلماذا ينحصر الدعم على المقربين من ولد جيلي على حساب فريق ولد نويكظ الداعم المالي الأكبر، لهذا اللقاء الاجتماعي المثير بحق؟.
أسئلة كثيرة ستظل معلقة ومهملة عن قصد وإصرار، ما لم نشرك غير التجار مع التجار في تدبير الأمر الاجتماعي والسياسي، إن استطاع الفريقان أن يقبلا التعايش.
ومما لوحظ نتيجة لقوة الجناح المعارض الحاضر لللقاء، أنه لم يستطع أحد الإشادة بحكم ولد عبد العزيز خلال طول الاجتماع وعرضه.
وهو ما يؤشر لتحول مقلق، لأنصار ولد عبد العزيز داخل المجموعة، نتيجة ربما للكمات المتعددة المتنوعة، التي يوجهها ولد عبد العزيز لبعض كفاءات الأسرة، شبابا وشيبا، سجنا وتنكيلا، وضرائب متصاعدة مجحفة لنشاط الأسرة وموردها الرئيسي، التجارة والأعمال.
لقد كان إجتماعا جريئا شهد التلاقي والتعارف، لكنه لم يكن موفقا في تحسين أداء دور العمل الأسري الجماعي، وسد الثغرات الملحوظة في جوانب متعددة، مثل التضامن الاجتماعي وتحري الصواب في المواقف السياسية، التي لا يشك الجميع من داخل هذه الأسرة وخارجها في دورها المؤثر، نتيجة للثقل النوعي والمعنوي.
ويتوقع أن تسير قافلة دعم الأسرة لتظاهرة ولاته الثقافية والتراثية قريبا، بقيادة النائب خداد ولد مخطار، حسب مصادر مطلعة.
فهل يظل التراث وتظاهراته السنوية، هو الفرصة النادرة للقاءات هذه المجموعة، هذه اللقاءات المتعثرة، نتيجة لاعتبارات كثيرة يصعب حصرها، وتهدد نشاط هذه المجموعة التنسيقي بالانحسار أو التوقف ربما، إلى حين تحسين ظروف اللقاء و التخاطب.
فالمعيار”إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، وليس “أملاكم”، مع قبض يده عن الضعفاء وذوي الرحم المستحق، ومدها للخصم والسجان والجلاد الظلوم الغشوم، رغم مصاهرته لنا.
إننا قوم لا نقبل الضيم أو السكوت على الزيف.
ولا نعطي الأولوية للانقلابي، لأنه فقط تغلب وحكم.
فهذا منطق قد يقبله البعض، لكن الأحرار يأبونه إباء ورفضا صارما قاطعا، مهما كلف من حرمان أو غبن، من كعكة ولاته أو غيرها، من محطات العمل الاجتماعي والسياسي المغرض.
اللهم ألهمنا التفاهم والتصالح، لكن ليس على حساب ضعفائنا أو قضايانا، أو قضايا الوطن الحقيقية، بعيدا عن التزلف للأنظمة المتعاقبة المتغلبة، دون وجه حق.
بقلم:عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”