ضالّة الحيرانْ بخصوص ما للجمعية الوطنية من سلطانْ
ضالّة الحيرانْ بخصوص ما للجمعية الوطنية من سلطانْ أما زال كما هو أم أنه أمسى في خبر كانْ
اختتم البرلمانُ دورتَه العادية في اليوم المعهودْ، جاءها البرلمانيون من شيوخ ونواب في حشودْ، ودُعِيَ إليها الوزراءُ فكانوا على ذلك شهودْ، وكان بعض المواطنين خلف هؤلاء وأولئك قعودْ.
غير أن ما جرى في الجمعية الوطنية لم يحصل للذهن منه شرودْ، إذ ثارت تساؤلات عندما ختم الدورةَ الرئيسُ مسعودْ، ومن هُزِمَ من النواب أو لم يترشح أصلا ما زال تحت القُبّة موجودْ، وآخرون فازوا في الانتخابات وباب البرلمان ظلّ أمامَهم موْصودْ، ألم تنقضي مأموريةُ أعضاءِ هذه الجمعية بإعلان النتائج أم أنه كُتب لهم الخلودْ؟ فلا زوال لهم إذن وانتدابُهم أصابه الجمودْ؟ أم أن الأمر غير ذلك وسيتوارون في أجل معدودْ؟
تشرف مكتبي ومنزلي بالزوار والوفودْ، وأقرّ الله عيني بما استلمت من الرسائل والطرودْ، وتكرم سمعي بالمكالمات من الداخل ومن وراء الحدودْ، الكل يستفسر عن الأمرِ وينتظر مني الردودْ. إذا كان ما حدث طبيعي وأساسه في القانون معقودْ، يطلب الإفصاحَ عنه وكشفَ مرجعه المغمودْ. أو لا شرعية فيما جرى ومبرره مفقودْ، فلماذا الصمت والإحجام عن تنوير الكافة بأنّ السند مردودْ.
متوكلا على الحق المعبودْ، ومصليا على صاحب المقام المحمودْ، أهدي للأحبة هذه الباقةَ من الورودْ، تجمع الإجابة عن تساؤلاتهم من غير صدودْ، وما غاب عنها فالتجاوزُ عنه غير مقصودْ.
تتمسك الجمعية الوطنية بسلطانها كما هو في نُظُمِها بَيِّنٌ مسطورْ، وتحتفظ به إلى غاية إعلان النتائج في القريب المنظورْ، أي بُعيْدَ اقتراع الناخبين من مدنيين ورجال أمن وحُماةِ الثغورْ، يومي السابع عشر والثامن عشر من شهر يناير الذي تميّز عن بقية الشهورْ، باحتضانه لذكرى مولد الحبيب المصطفى المنصورْ، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام على مرّ الأزمنة والعصورْ. عندئذ تنتهي مأمورية الجمعية كما قَضَى بذلك تعديلُ الدستورْ، ويُعمّرها مباشرة النوابُ الجددُ فلا يحدث إذن انقطاعٌ ولا شغورْ، ولا ارتباط بين بدء انتدابهم وتجديدِ الشيوخ كما سأبيّن لاحقا في سطورْ.
إن توضيح كل هذه الأمورْ، يتطلب مخرَ عُبابِ موادِّ الدستورْ، وسبرَ غَوْرِ قانون الانتخابات المنشورْ، والغوصَ في مكنون المرسوم المُطبِّق له إلى الجذورْ، وكشفَ ما ينطوي عليه من قاعدة وحكم مستورْ، وإظهار ما لمجمل مقتضياته من تفصيل مطمورْ، وسردَ منطوقها أصيلا غير منقوص ولا مبتورْ، والأخذَ بالتفسير الذي لا يجانب الطرح المشهورْ، والعفّ عن المهجور منه والمقبورْ.
تنص المادة 15 من القانون الدستوري رقم (2012-020) ألفين واثني عشر – صفر عشرينْ، المعدِّل لدستور 20 مايو (91) واحد وتسعينْ، بأن سلطات البرلمان تُمدَّدُ إلى حينْ، ولا تتجاوز إعلان نتائجِ اقترعِ الناخبينْ، وهذا نص المادة من غير تصرّفٍ ولا تلوينْ: ” تمدد سلطات الغرفتين البرلمانيتين إلى غاية الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة”. ولا خلاف بأن صياغَتَها جاءت بالتصريح المبينْ.
وأعطى القانونُ النظاميُّ المنشئُ للجنةِ الوطنية المستقلة للانتخاباتْ، في المادة الثالثة منه وفي أخرياتْ، سلطةَ إعلان النتائج النهائية لاختيار الشيوخ والنواب ومستشاري البلدياتْ. ورغم ما اعترَضَ اللجنةَ من مصاعبَ ومعوقاتْ، كانت تُصدِر نتائجَ المكاتب في نشراتٍ متتالياتْ، إلى أن أنهت مسارَها بمؤتمر حَضَرَتهُ وسائلُ الإعلام من سمعيات وبصرياتْ، أعلنت فيه نتائج كافة الدوائر الانتخابية مع استثناءاتْ، تمثلت في بلدية كيهيدي وفي مدينة أطار بالنسبة للنيابياتْ، اللتين لم يجرِ بهما شوط ثان بسبب ما واجهته اللجنةُ من تحدياتْ.
إن إعلان اللجنة لم يضع حداً لمأمورية غرفة البرلمانْ، لأنه لم يشمل كل الدوائر التي تبارت في الميدانْ، حيث غابت عن إعلانها مدينةُ أطار التي يمثلها نائبانْ، فجاء إعلانُها غير كامل وإنما به نقصانْ، والقانون يفرض تمام الانتخابات وليس الانتهاء من الرهانْ، وهذا ما وضّحه المرسوم المطبق للقانون وأبانْ، وهو المرسوم رقم 2012-279 الذي مضى على صدوره عامانْ، المحددُ لإجراءات سير الحملة الانتخابية وعمليات التصويت لانتخاب نواب الجمعية التي هي إحدى غرف البرلمانْ، فلم تذكر مادتُه 52 بأن الانتهاء والكمال صنوانْ، وإنما أكدت بأنه بغير الاكتمال لا يتحقق بمفهوم الدستور للنتائج إعلانْ. وهذا نص المادة المذكورة من غير زيادة أو نقصانْ : “تعلن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات النتائج المؤقتة. وبدون تأخير، تصدر اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بلاغا صحفيا يتضمن النتائج الانتخابية الوطنية فور ورود جميع إحصاءات الاقتراع من جميع الدوائر الانتخابية. ويحل هذا البلاغ محل إعلان النتائج الوطنية للانتخابات”. إن المقصود بعبارة “جميع” في هذه المادة لا يختلف عليه إثنانْ، والحكمةُ من اشتراطها باديةٌ للعيانْ، ومعناه أن تُؤخذ جميعُ الدوائرِ في الحسبانْ، ولا تُستثنَى أيٌ واحدة منها كي يعتدلَ الميزانْ. إذن بالاقتراع في مدينة أطار ستكون النتائجُ قد وصلت من كل مكانْ، وبإعلانها تكون مأموريةُ النوابِ الجددِ قد بدأت في السريانْ، عندئذ فقط يختفي ما للجمعية الحالية من سلطانْ، والخلاصة أن احتفاظَها بسلطاتها إلى ذاك الأجل غيرُ مُدانْ.
ويرتبط بما سبق التنبيه إلي مسألتيْنْ، فقد شاع بأن مأمورية الجمعية المنتخَبَة لا تبدأ إلا بتحقق أحدِ أمريْنْ، إما بالتجديد الجزئي لمجلس الشيوخ وهو أحدُ التفسيريْنْ، أو بافتتاح دورة أبريل العادية للغرفتيْن البرلمانيتيْنْ.
تتطلب الإجابةُ إقامةَ الدليل بكل تجريدْ، منها ما هو قريب كالحبل الوريدْ، ومنها ما يستدعي استنتاجُه الجهدَ الجهيدْ.
يصف الدستورُ الجهازَ التشريعيَّ بالبرلمان إذا كان التمييز بين غرفتيه لا يأت بجديدْ، ويُشير إليه بالغرفتين إذا تطلب الأمر شيئا من التحديدْ، وهذا ما ورد في المادة 15 من القانون الدستوري المذكور غير بعيدْ، ولا سأم من إعادته فإن في تكراره ما يُفيدْ: “تمدد سلطات الغرفتين البرلمانيتين إلى غاية الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة”. والمقصود من هذا الحكم القوي كالحديدْ، أنه بتنظيم انتخابات كل غرفة ينتهي ما تمّ لسلطاتها من تمديدْ. والذي يؤكد أن هذا الفهم هو التفسير السديدْ، وأن غيره عكس ما رمى الدستور إليه وما يريدْ، أن الاستدعاء لانتخاب الشيوخ يتم سبعين يوما على الأقل قبل التجديدْ، وهذه المدةُ لا تستقيم مع ما يتضمنه قانونُ انتخاب النواب من تشديدْ، بأن انتظار النائب المنتخَب عن أجل ستين يوما لا يزيدْ، وجاء صريحا في المادة الثانية منه بما يُفيد التأكيدْ : “تجرى انتخابات عامة في الستين (60) يوما التي تسبق انتهاء سلطات الجمعية الوطنية”، صياغة من غير تحريف ولا تمسيدْ. واستنادا على نفس المادة سيدرك القانونيُّ الفطنُ اللبيدْ، بأن إنظار النواب الجدد إلى دورة أبريل مسلكٌ غيرُ رشيدْ، فإذا كان لا يجوز أن ينتظر النائبُ المنتخَبُ أكثر من شهرين، فإن الانتظار إلى دورة أبريل عن هذه المدة حتما سيحيدْ.
إن ختم هذا المقال قد حانْ، ورجائي أن ما كان مستشكلا من الأمر قد هانْ، وما بدا مستعصي الفهم قد لانْ، فقد اجتهدت على أن أورد لكل التساؤلات بيانْ، حتى لا أخيّب الظن أو أسبب الخذلانْ، وما لم أجب عنه فهو إما لجهل أو نسيانْ، وهذا حال عمل الإنسانْ. أرحب بالملاحظات بكل امتنانْ، واستقبل الانتقادات مع كامل العرفانْ، وأتجنب الجدال فيما يُنسب إليَ مما لم أتفوه به وينطق به اللسانْ، أو أسطره وأخطه بالبنان. والحمد لله المنعمِ المنانْ، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنانْ.