لماذا يتٱمر العرب على المقاومة في غزة؟
عبدالحميد عثماني:

الزمان أنفو _ الكثير من المؤشرات التحليلية، بل شبه تسريبات بخصوص مخرجات القمة العربية المرتقبة، تؤكد توجّه “النظام العربي الرسمي”، للتخلّص من المقاومة الفلسطينية في غزة، تحت شعار “إعادة الإعمار”.
الأوراق المطروحة والقرارات المجهّزة والإجراءات المتفق عليها مسبقا تصبّ كلها في إطار عزل المقاومة الإسلامية وباقي الفصائل المسلحة عن المشهد الميداني، بفرض الوصاية الخارجية على الشعب الفلسطيني والتقرير الإقليمي في مصيره بالنيابة عن الكيان الصهيوني وعرّابه الأمريكي.
الإعمار، كمخرج عبقريّ لإنقاذ الوضع في غزة، بل يمكن تصويرهم، وفق هذا السيناريو، على أنهم أبطال في مواجهة المجنون الأمريكي، ومدافعون عن توطين سكان القطاع.
رحم الله زمنا كان فيه قادة العرب، على ضعف حالهم ومساوئهم الكثيرة، يستمدون شرعيتهم من تبنّيهم للقضية المركزية، فتهتف لهم الجماهير بالحياة، أمّا اليوم، فقد صار الكثير منهم يتنافسون في التضييق على المقاومة الفلسطينية وإسناد عدو الأمة بكل ما يملكون، لأنّ رهان البقاء فوق العروش والكراسي تحوّل من كسب إرادة الشعوب المغلوبة على أمرها إلى إرضاء مراكز القرار في “الحكومة العالميّة”.
لم يستوعب “النظام العربي” أن “طوفان الأقصى” قد رسم معلما تاريخيّا جديدا في مسار القضية، لا يمكن الرجوع إلى ما قبله في كل الأحوال، مهما كانت غطرسة القوة الخارجية، فقد وأد مشروع “الاتفاقات الإبراهيمية” والتطبيع وحلم تصفية الحق الفلسطيني تحت الطاولة، فلا أفق للسلام في المنطقة إلا عبر إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، على حدودها الحقيقيّة، ولو بعد 1000 عام أخرى.
هل يظن زعماء “النظام العربي” أن تلك الملاحم البطولية والدماء الزكية والتضحيات الأسطوريّة ستذهب هدرا في مجرى التاريخ، مثل سريان الماء الضائع فوق الطبيعة؟
عجيب أن تغفل قيادات العرب عن التحوّلات الجذرية الحاصلة مؤخرا في سردية الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني على النطاق العالمي، وأن تتجاهل مستوى الالتفاف المحلي والأجنبي وحجم التعاطف الواسع مع القضية الفلسطينية في سياق فرضه “الطوفان المبارك”، فعوض أن تلتقط تلك السانحة التاريخية للشدّ على الحقوق الثابتة والمقدسات، راحت تبيع مواقفها في مزاد الخيانة والتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي، حتى تضمن مكوثها الافتراضي على عروش هاوية السيادة وعديمة الشرف.
لمَ لا تفهم تلك الأنظمة المتهالكة أنّ المقاومة هي حصنها الأول والوحيد من ابتزازات الكيان الإسرائيلي وداعميه عبر العالم؟ لأنها تفرض، على الأقل، معادلة توازن الرعب، وهي منذ عقود تعطّل كل مشاريعه التوسعيّة في المنطقة، ولولاها، كان سيلتهمهم جميعا الواحد تلو الآخر.
إذا كان اليأس من دور الأنظمة العربية في دعم القضية الفلسطينية ليس أمرا طارئا، إلا الاستثناءات القليلة، فإنه ينبغي على النخب والقوى الحيّة على امتداد جغرافيا الأمة أن تتحرك الآن، لفرض موازين قوى شعبيّة مضادة، بكشف ما يجري خلف الكواليس والعمل الميداني على إجهاضه.
ربّما ظنّ البعض أنّ بسالة المقاومة، مع صمود الغزاويين، إثر عملية “الطوفان” قد كبحت أهداف العدو الصهيوني عن تحقيق مخططه المشؤوم بتهجير جديد ونهائي للشعب الفلسطيني، يمكن من خلاله إسقاط مشروع التحرير والالتفاف على عقود من الكفاح الدامي، وجرف أوهام حلّ الدولتين والسلام العربي المشروط، لكن وجب الانتباه حاليّا إلى أن العدّو وعرّابيه العالميّين والإقليميّين يريدون جني المكاسب المستحيلة خارج ساحة المواجهة المباشرة، أي مجانيّا من دون أي ضريبة أخرى، وطريقهم إلى ذلك السراب هو خطة إعمار ملغّمة، تروم في الواقع إفراغ غزة من سلاحها ومقاومتها ورجالها المجاهدين، حيث تتحوّل في ظل الوهم المتخيّل إلى منتجعات سياحية مفتوحة وناطحات سحاب، وسوق عقارات يضارب فيها التاجر الأمريكي الكبير، تحت إشراف الوكلاء بالقطاع.
أيها العرب والمسلمون، نخبا مستقلة وقوى حيّة وشعوبا، إن تركت أنظمتكم غزة تواجه قدرها منفردة خلال 15 شهرا من عدوان محموم، فلا تستسلموا أنتم مجدّدا للمؤامرة المكشوفة، ولتستنفروا كل الأمة لإسقاط المشروع الشيطاني.