حكاية صورة
كتب. بشيير. ببانه

الزمان أنفو _ كان. حزب اتحاد قوى التقدم حريصًا على تغطية أنشطته في وسائل الإعلام، ولم يكن يفوّت أي فرصة لدعوة الصحفيين لمرافقة رئيسه خلال جولاته داخل البلاد.
وبعد أشهر قليلة من انقلاب 3 أغسطس 2005 الذي أطاح بالرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، تلقيت اتصالًا من الحزب، يدعوني لمرافقة الرئيس محمد ولد مولود، في رحلة إلى مدينة كيفة بدعوة من رفيق دربه الشيخ محمد محمود ولد محمد الراظي رحمه الله.
في اليوم الموعود، ركبت السيارة التي كان يقودها القيادي البارز في الحزب، محمد الأمين ولد بي، وكان برفقتنا الناشطة الحقوقية آمنة منت المختار، والقيادي في الحزب الوزير السابق محمد ولد اخليل؛ والوزير والسفير حمود ولد عبدي.
كان الطريق طويلًا، لكنه لم يكن مملًا؛ فقد كانت النقاشات السياسية، وتبادل التحليلات حول الوضع في البلاد، تشغلنا عن طول المسافة.
عند وصولنا إلى مدينة كيفة، وجدنا في استقبالنا مبعوثين من طرف الشيخ محمد محمود ولد محمد الراظي، رحمه الله، الذين اصطحبونا إلى دور ضيافة خُصصت لاستقبال رفيق دربه ووفده.
كان الجو مشحونًا بعبق الماضي، وتملؤه حكايات السياسة والتاريخ، بينما كنت أراقب الوجوه وأحاول التقاط تفاصيل اللحظة بعدستي الصحفية.
في الصباح التالي، جلست مع أحد القائمين على الضيافة، وهو رجل يمتلك ذاكرة خصبة، فحدثني عن تاريخ مدينة كيفة وأمجاد أسرة أهل محمد الراظي، لكنه توقف عند نقطة أثارت فضولي بشدة: “الشيخ محمد محمود لا توجد له أي صورة، لأنه لا يحبذ التصوير”.
تحسست كاميرتي كما لو أنني ألمس قطعة نادرة من الزمن، وأعددتها بعناية، مترقبًا أي لحظة قد تتيح لي توثيق هذه الشخصية التي تحظى بشعبية قل نظيرها في المدينة.
وما إن دخل علينا الشيخ محمد محمود رحمه الله حتى هب الجميع احترامًا لمهابته، فيما انشغلت أنا بعدستي، محاولًا اقتناص صورة توثق حضوره.
لم يبدِ اعتراضا صريحا، لكن نظراته الحادة كانت كافية لتوصيل رسالة صامتة؛ رسالة فهمتها جيدًا، لكنها لم تمنعني من التقاط الصورة.
حين صافحني بحرارة، ووضع يده على كتفي، شعرت بمزيج من الرهبة والاحترام، وكأن في صمته حكمة دفينة.
بعد لحظات، ناداني محمد ولد مولود جانبا، وأبلغني أن الشيخ محمد محمود لا يحبذ التصوير، وأنه يفضل أن تُحذف الصور احترامًا لرغبته.
دون تردد، سلّمت الكاميرا لأحد أفراد حاشيته، ليحذف الصور ويعيدها إليّ. لكنني، بدافع غريزة الصحفي الذي يعلم أن اللحظة التي تذهب قد لا تعود، كنت قد نقلت الصور مسبقًا إلى الكمبيوتر، وحفظتها في بريدي الإلكتروني تحت عنوان “صور خاصة.”
رحم الله الشيخ محمد محمود ولد محمد الراظي، وأسكنه فسيح جناته.