شمعة الجنرال عزيز/ اعل ولد اصنيبه
من البديهي أن تطوير الشمعة لا يعني – للأسف – إنتاج الكهرباء. كما أن البدائية في المقاربة والعمل، تشكل عائقا في وجه أي تطور يرقى لمستوى التطلعات.. إن العالم اليوم في حراك، و موريتانيا الجديدة يجب أن تواكب مسيرة القرن.. هذا القرن.
و لئن كان من الممكن الانطلاق بضجيج يصك الأسماع و يوهم الآخرين بان الانطلاقة صحيحة، فالأكيد أن ميكانيكية الدول تختلف عن أية ميكانيكية أخرى.
و إذا كانت المعرفة تعني القدرة، فإن السلطة لا تعني – بالضرورة – المعرفة.
إن من يريد إحداث التغيير الذي ينشده الموريتانيون يجب أن يعطي هذا التغيير محتوى جديدا، يقوم على الواقعية و الشجاعة، والمهارة، و الحنكة السياسية؛ وبدون ذلك لن يتأتى لهذا البلد أن يتقدم خطوة واحدة، و لن تكون قصة التغيير سوى تكرارأبدي لنفس الحكاية.
إن الأساليب القديمة التي يسهل انتهاجها، تضل كل من يختارونها عن جادة الطريق، و لعل المثال الأقرب على ذلك هو أسلوب سيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي استنبط من أول نظام في الدولة المستقلة طريقته لحكم موريتانيا، رغم مضي ما يربو على أربعين سنة، و هي في أوج تحولها.
ومن يأتي ليخلف هذا الأخير، ويمارس السلطة الفردية، ويستهدف القبائل، ويزج برجال في السجن، ويحمي أقاربه وأصدقاءه، ويفعل عكس ما يقول؛ إنما يسيء إلى الشعب والمستقبل معا.
صحيح أن من بين الورشات ذات الأولوية، التي كانت في انتظار الممسك الحالي بزمام السلطة، إضفاء الأخلاق على الحياة العامة.. غير أن النهج الحالي الذي يندرج في سياق هذا المنطق، يشبه –بشكل غريب- إجراءات عقابية موجهة بانتقائية، غداة انتخابات رئاسية مشكوك في نتائجها؛ الأمر الذي يعيد لأذهاننا ذكريات مريرة…
وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار رجال الأعمال متمالئين، وإن كان المراقب اليقظ يجد صعوبة في استيعاب سر اهتمام قاض ما بمخابئ السرقة وبوسطائها، بينما يتجاهل السرقة ومرتكبيها!
إن المذنبين الحقيقيين في عملية النهب المنظم والممنهج للمال العام، هم اليوم –في أغلبهم- يحيطون بالجنرال عزيز: مدراء، وزراء، سفراء…
ولملء خزائن الدولة (إن كان هذا هو الهدف) لا يوجد أفضل من سياسة ضريبية فعالة، تدعمها جباية خالية من المحاباة، إذ أن العلاج الأنجع لجريح ينزف هو حقنه بدم جديد.
إن نبش ملفات التحايل على المال العام قد يمكن من جني مليارات، بينما يمكن تحقيق مداخيل أوفر بكثير،عبر ضرائب صارمة ومنصفة على رأس المال.
لقد آن للأثرياء في هذا البلد أن ينفقوا من أجل الفقراء؛ وهذا هو ما يسمى التضامن الوطني، وهو كذلك وسيلة ناجعة لمحاربة الفقر.
إن تخفيف آلام الفقراء، وتطهير الإدارة، وإشاعة العدل، تشكل أفكارا فياضة؛ وقد سبق لضابط سام آخر، حكم البلاد زهاء عقدين من الزمن، أن رفع –عند توليه السلطة- شعارات من قبيل: “تسقط المحسوبية والقبلية، يسقط اختلاس المال العام”… ومع ذلك كانت هذه الأمراض بالذات سببا في تقويض نظامه والتعجيل في زواله، بعد أن بات أمرا لا مناص منه.
ليس هذا الحديث من باب التلميح بأن العسكر غير مؤهلين لقيادة الدول بشكل جيد؛ ففي بلدان أخرى برهن جنرالات على عبقريتهم؛ وانتصروا في معارك، بل في حروب فتزينت صدورهم العريضة بالأوسمة والميداليات.
أما جنرالاتنا نحن فلم يكسبوا أية معارك؛ اللهم إلا إذا تعلق الأمر بمعارك الأملاك العقارية، والسيارات الفخمة، وقطعان الماشية، والأرصدة المصرفية المتخمة بالأموال التي تم الحصول عليها بغير حق على حساب شعب فقير ومغلوب على أمره.
ورغم بؤسنا وإحباطاتنا العميقة، إلا أن الأمل يظل قائما؛ ذلك أن موريتانيا مرت بتجارب مريرة أخرى.. والشمعة تطفئها الرياح؛ وما على قوى المعارضة إلا أن تنفخ بقوة أكثر.
الكاتب أستاذ بجامعة انواكشوط
ملاحظة:النص مترجم عن مقال بالفرنسية نشر 2009