قبل الضياع .. / د. الشيخ ولد سيدي عبد الله
يحتاج الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى وقفة تأمل مع النفس بعيدا عن أي حسابات سياسية أو ذاتية ضيقة وذلك للتفكير في الأحداث التي بدأت تطرأ وتتالى في الساحة الوطنية وهي أحداث عرفت تسارعا وتنوعا في التمظهر (هي في النهاية تصب في مصب واحد) لم تعرفه مثيلاتها من قبل.
إن ميزة هذه الأحداث تتجلى في كونها تتجه مباشرة كالسهم إلى البنية الاجتماعية ممزقة إياها وضاربة عرض الحائط بكل السدادات التي كانت تتولى مهمة تماسك الكيان الوطني .
من المعروف لكل متتبع أن ولد عبد العزيز مارس سياسة التجاهل والتغاضي تجاه النقد والهجوم الذي يطال شخصه وذلك بحثا عن موطئ قدم في خارطة الأنظمة الديمقراطية الحديثة، والحق انه وفق في ذلك بحيث لم يعد عدو الصحافة الأول.
لكن ما لم ينتبه إليه سيادة الرئيس أن الفرق شاسع بين حقوقه هو والتي بإمكانه التنازل عنها وبين حقوق أمة بكاملها، وليست هناك شريعة أو ديمقراطية تمنح أيا كان حق المس من حقوق المجتمعات وقيمها .
ليست هذه ديمقراطية ولا حرية .. هي شطط في التغاضي .. وتطوير مخل لسياسة النعامة.
هناك إذن مجموعة أسئلة يجب على رئيس الجمهورية أن يطرحها على نفسه في غرفة مغلقة، ومكيفة تكييفا خفيفا مع إغلاق محكم للهواتف :
هل من الديمقراطية وحرية الرأي أن يسيء مواطن إلى خير البرية صلى الله عليه وسلم وهل حدث مثل ذلك في ظل الأنظمة السابقة؟
ما حقيقة جزم أكثر من شاهد مشافهة وفي مواقع التواصل الاجتماعي على مشاهدته لأعلام تنظيم القاعدة في الشوارع؟
ما السر في اطراد جرائم الاغتصاب والقتل هذه الأيام ولماذا يكون بعض زعماء العصابات من المؤسسة العسكرية وهي التي فضلتموها على التعليم والصحة؟
لماذا كل هذا الاستسهال لقيم المجتمع الدينية والعرفية؟
ما هي الحقيقة (المخفية) لعلاقة موريتانيا بشركات استغلال المعادن (تازيازت) مثلا؟
لماذا هذا السكوت على الحرب (الأهلية) الصامتة بين فئات المجتمع والتي ستأكل شرعية بقاء الكيان يوما إن هي لم تجد بَرَداً يطفئ لهيبها.
ولماذا لم تصل النفوس لمثل هذا العداء في الأنظمة السابقة؟
وعلى الرئيس عزيز أن يطرح هذه الأسئلة على نفسه بأسلوب استنكاري وليس استفهاميا، حتى تتضح أمامه الرؤية ويحسن التصرف .
إن أي متتبع لما يحدث هذه الأيام سيدرك أن هناك خللا في فهم الديمقراطية وحقوق الإنسان بحيث تم تعطيل القانون والعرف أمام الملفات الأخلاقية والدينية والاجتماعية الكبرى، فكان ذلك ضوء اخضر لأرباب الشذوذ والانحراف ليضربوا ضربتهم في صميم الروح الموريتانية الطيبة.
أعود وأقول : عليك يا سيادة الرئيس أن تفكر في هذه الأسئلة وغيرها، فأنت وحدك من ينبغي عليه الحسم فيها … وقدرتك على حلها مرهونة بعامل الوقت .
دعني اختم بما قاله نزار قباني يوما للراحل جمال عبد الناصر :
(إنني عندما أصرخ فلأن الصرخة تكون بحجم الطعنة .. ولأن الطعنة تكون بمساحة الجرح … يا سيدي الرئيس : لا أصدق أن يحدث هذا في عصرك أبدا .. أبدا) .