هوامش على مقابلة وزير دفاع البوليساريو مع قناة الوطنية
في المقابلة التي أجرتها قناة الوطنية مع وزير دفاع البوليساريو لا يستطيع المرء إلا أن يقول إذا لم تستح فافعل ما تشاء واكذب كما تشاء ، وكوني كنت شاهدا على عكس ما ذهب إليه السيد “الوزير” من مغالطات وافتراءات مخجلة فإني لم استطع كبح الرغبة في التدوين ملاحظات حول إجابات “الوزير” على بعض الأسئلة المتعلقة بحقوق الإنسان وخاصة منها تلك المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة التي تعرض لها الموريتانيون على يد الوزير وصحبه ..
إذ أن سيادته لا بد أنه فقد صوابه حين أجاب إجابة قاطعة عن سؤال يتعلق بفرية الشبكة التي اخترعها هو ورهطه وذهب ضحيتها المتطوعون الموريتانيون فأكد أنهم لم يقتلوا أي موريتاني ونسي أن أول من سيسخر من إجابته تلك هم الصحراويون (“الصحراويون”) الذين نصب نفسه – رغما عنهم – متحدثا باسمهم في وقت أصبحوا يطلقون عليه اسم ( السيسي) وعلى القوة الخاصة التي لا تأتمر إلا بأمره اسم (قوات السيسي ) والتي كان لها السبق في إطلاق النار على المدنيين الصحراويين من أهالي المخيمات ومصادرة أرزاقهم .
إن ما يدعو للشفقة في هذيان سعادة ” الوزير” هو كونه لم يستطع الاحتياط لكذبته (الحمراء) فيبعد الشهود ، إذ نسي أن العناية الإلهية لازالت تحفظ بعضا من ضحاياه وقد اكتسبوا من الشجاعة – بعد ما سلطه عليهم من إذلال – القد ر الذي يمكنهم من أن يقولوا له : ” أعد وضوءك فقد أحدثت يا سعادة الوزير “. ولا أظنني هنا بحاجة إلى أن أذكر ولد البهالي بأسماء الضحايا ، لأنه ولا شك سبق وأن شارك في إحدى ليالى السمر التي كان أفراد من قيادة البوليساريو يحيونها باللهو في تعذيب الموريتانيين داخل معتقل الرشيد ، إنما أريد فقط أن أذكر “سعادته” بأن اسمه “الكريم” مدرج من قبل عدد من الضحايا في لائحة المتابعين ، ولدى منظمتنا ومحامينا توكيلات قانونية بهذا الشأن . و( الدهر طويل ….. والناقة سيأتيك خبرها الذي يشهد عليه البشير وتشهد عليه منطقة ” لبطانه” وفوق ذلك يشهد عليه التاريخ الذي هو أكبر شاهد يا …. صاحب الناقة ) .
أما حديثه عن مطالبنا بالتحقيق في الانتهاكات التي تعرضنا لها ووصفها بالمغلفة بالنوايا السيئة وأنهم يرفضونها فهو حديث يوحي بأن الرجل أصبح فعلا حسب وصف وسائل إعلام صحراوية يمثل سلطة داخل السلطة حيث أنه تجاهل أن رئيسه خلال استقباله لممثلين عن جمعية ذاكرة وعدالة يوم 28 فبراير 2011 بمنطقة اتفاريتي اعترف بمسؤوليتهم كقيادة عن تلك الانتهاكات وأكد استعدادهم لمعالجة الملف بالشكل الذي يرضي الضحايا ، وكان ذلك بحضور مجموعة من قادة وأطر البوليساريو ، ضمت على وجه الخصوص الأب المحترم محمد الأمين أحمد الذي دمعت عيناه وهو يستقبلنا بالإضافة إلى المرحوم الخليل سيد أمحمد ، ونحن نعتقد أن الرجل كان صادقا في التزامه لولا تدخل من يرعبهم فتح ملف تلك الانتهاكات وبالتأكيد فإن سيادة “الوزير” من ضمنهم .
ومن الغريب أن ولد اغنيجر الضابط السابق في الجيش الجزائري يتحدث عن حقوق الإنسان ، ويدعي بأن هذه الحقوق ظلت مصانة في المخيمات ، وهو من أبرز من أهدروا هذه الحقوق ، وصعد إلى أعلى على حساب معاناة الصحراويين في هذه المخيمات ، إذ لا يختلف اليوم اثنان أن أحذيته وأحذية قواته (قوات السيسي) أصبحت تدوس على كرامة اللاجئين الصحراويين ، وجيوبه امتلأت من أقواتهم ، ومن النكت التي أصبحت متداولة في المخيمات أن الأزواديين في شمال مالي يطلقون على شاحنات الوقود التابعة له والتي تهرب الوقود إلى مالي وشمال موريتانيا (ا شوايل ولد البهالي ) . وبالإضافة إلى هذا فالرجل متهم من داخل المخيمات بأن له دورا في الاتجار بالممنوعات .
خلال حديثه عن العبودية في المخيمات اعتقد أنه كان يظن أن محاوره من كوكب آخر أو على الأقل من قارة أخرى ، إذ قال بأن الصحراويين لم يكونوا يعرفون العبودية عبر تاريخهم ، وليس في ذلك ما يعاب عليه لأن تاريخ العبودية وخاصة في هذه المنطقة يتطلب إلماما بتاريخ هذه الظاهرة وهو ما يبدو أن الرجل يفتقر إليه ربما لبعده عن مجتمع البظان الذي ظلت ظاهرة الاسترقاق فيه متجذرة إلى عهد قريب وربما إلى الآن ، وهنا تحضرني قصة معروفة وواقعية يتندر بها الناس في المخيمات ، ولا شك أن ” الوزير ” قد سمعها ، وهي أن والي أحد المخيمات واسمه ( السيموناكي ) كان يحاول القضاء على العبودية ، وقام بزيارة لأحد الشيوخ يسترق طفلا وأقنعه بأن يدخله المدرسة فوافق الشيخ على مضض وفي اليوم الموالي لم يجد من يحضر له الشاي فتوجه إلى المدرسة وعاد ومعه الولد المسترق ، وأمره بأن يعد له الشاي ، وبعد أن شرب الكأس الأول اضطجع على قفاه وقال : ( آحْ… قرّي يا السيموناكي ماقرّاكْ ) .
إن مكابرته ونفيه لوجود العبودية في المخيمات تشبه اليمين المعروف في التراث الحساني ب ( يمين أفْنَيْدة ) ، وإن كنت أشك في طول باع السيد ” الوزير ” في التراث الحساني … ( ماه طارح اعليه العار ) .
في حديثه عن العلاقات والروابط بين الموريتانيين والصحراويين ذكر السيد الوزير أشياء لو قدر لي أن كنت مكان الصحفي المحاور لقلت له ” أمرشخْ ” ، ولو كلفني ذلك العودة إلى القبر الذي كنت فيه قرب معسكر 12 أكتوبر ، غير أن ما لفت انتباهي هو تلك العاطفة الجديدة على الرجل خلال تعبيره عن احترام وتقدير الموريتانيين وهو من كان يعرف عنه بغضه لهم وحقده عليهم .. فسبحان مبدل الأحوال !.
أيمكن أن يكون قد نسي أيام جعلونا نشعر بالنقص والدونية كوننا موريتانيون وكنا يومها نسمى ” أهل لكريعات ” ؟ وهل أيمكن أن يتصور أن ينسى الموريتاني ـ الذي حمل ذات يوم روحه بين كفيه ليفديه بها ـ ما تعرض له من تعذيب وقتل في معتقلاته ورهطه ، ثم يريده اليوم أن يغتر بصدى كلماته المشوشة في بطن جبل تحيط به ” قوات السيسي ” وقبلها قال ما قتلنا أحدا ، والموريتاني الوحيد الذي استدل به على وجود الموريتانيين في صفوفهم منذ أربعين سنة لا يزال في عرف “الوزير” موريتانيا ، رغم أن قيادات كبيرة وفاعلة على مستوى عالي موريتانية تم اختزالها في واحد ، يمن علينا ولد اغنيجر أنه عضو في هيئة أركانه …. لقد جئت شيئا فريا يا سيادة “الوزير”.
محمد فال ولد القاضي