مكانة المرأة بين الطموح و الشطط / الولي ولد سيدي هيبه
المرأة شبيهة بالحياة يتمتع بها الرجال وشبيهة بالموت تقهر كل الرجال وشبيهة بالأبدية تحتضن كل الرجال / جبران خليل جبران
ليس الهدف الخوض في غمار جدلية المرأة و الرجل التي حسمها الإسلام بأن وضع الأمور في نصابها بقدر ما الأمر متعلق في مقاصده بمحاولة قراءة استكشافية في الدور المتنامي
للمرأة الموريتانية – على بعض إيجابيته التي لا مراء فيها ـ من ناحية و ذلك في حدود ما يرسم العرف الصحيح و يعطي الشرع المحكم، و من ناحية أخرى تقاعس دور الرجل الطبيعي في دائرة المجتمع الذي أصيبت ثوابته في الصميم باختلالات كبيرة مما عرض بالنتيجة “الدين”، الذي هو صمام أمان الأمة و وعاء وحدة مكوناتها، لمرمى سهام الأعادي و هيأ التربة خصبة لخوض المرجفين عمدا و بوقاحة تزداد اضطرابا في اتجاه خلطه بالسياسة على أوتارها الجديدة و تقلباتها المزاجية المتلاحقة في غياب الوعي بخطورة مآلات ذلك و فداحة عواقبه على المديين المتوسط و البعيد في عالم تفجره الانقسامات العقدية في الصميم و العرقية و التراتبية في واقع التعايش و تقاسم الفضاء و الخيرات.
و إذ لا تستوي المرأة الموريتانية من مكونة لأخرى في المكانة التي تتبوؤها داخل دفئها و حضنها المجتمعي و يختلف بذاك دورها المتعلق ببعض أوجه تكاملها مع الرجل، فإن عموم الدور المتنامي و الحضور الطاغي بدء في تقليص تلك المسافات و توحيد المطالب التي أسفر عنها و انتزاع مضامينها و ردم الهوة ما بينها ليصبح الاتجاه واحدا و إن باستمرار فوارق ستدوم إلى حين.
و مما لا شك فيه أن عديد الظواهر و الممارسات في الحياة اليومية تكشف باستمرار عن تحول عميق في العلاقة التي كانت قائمة بين الرجل و المرأة في المجتمع الموريتاني الذي له خصوصيته و منظومته الأخلاقية و نظامه التعاملي الذي يحدده ويوجه الدين الإسلامي في قالب المذهب المالكي المتبع في عموم البلاد بعيدا كل البعد عن دائرة الخلافات المذهبية التي هزت و تهز جل المجتمعات الإسلامية و من بينها على درجة حادة المجتمعات العربية.
و لما كان المجتمع “الصنهاجي” على ما تثبته الشواهد التاريخية مجتمع “أموميا “لب السلطة فيه و المشورة هي المرأة بدون منازع فإن الإسلام لما ملك القلوب و أسر الألباب و حرر العقول و عدل الأمور و وجهها إلي المقاصد الصحيحة و محددا بعدل للرجال و النساء مسؤولياتهم بما يناسب و ينسجم مع الفطرة التي أراد لها الله أن تؤطر ناموس الحياة و تكرم الإنسان في تكامل بديع.
صحيح أنه بالرغم من هذا “العطف الإلهي” ظلت بعض علامات تلك السلطوية النسائية الطافحة و لكنها انسجمت في واقع الأمر مع روح و معنى ما أطر له رسول الله صلى الله عليه و سلم حينما قال و هو الأمين على الأمة “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فكان بذلك للمرأة “الصنهاجية” بالإسلام تكريم مضاعف و لكنه في حدود لائقة تحفظ للأمة نبلها و تضاعف من فضلها.
ظل الأمر كذلك في ظل قطيعة كرسها الإسلام مع المفاهيم و القيم المجتمعية الجاهلية و الخارجة على الأعراف المعتقدية و التي مازال البعض منها قائما و كأنها خارج منطق زمن الديانات و سياقات التحولات المجتمعية التي تفرضها مسارات التغيير المتلاحقة كما هو الحال بالنسبة لمجتمع قبائل “الموسو” التي تعيش في إقليمي يونان وسيشوان بالصين، بالقرب من الحدود مع إقليم التيبت، حيث يدور المجتمع حول التمكين للمرأة التي تمتلك السيطرة كلها بدون منازع، بينما لا يوجد أي فكر قائم على الزواج بين الرجال والنساء، وإذا حدث أن وجدت علاقة بين النساء وأي من الرجال، تتولى أسرة الأم مهمة تربية الأبناء.
و لا يخفى ما يكون من قوة المرأة الموريتانية في ظل الدولة الحديثة حيث تتوارى أنوثتها و تختفي أمومتها وراء ما تحققه لذويها من الرجال، بعد عجزهم و هوانهم و قصر هممهم و ضعف طموحهم، الذين:
· يتقلدون بفضلهن المناصب السامية على رأس كبريات المديريات
· و أهم المشاريع
· و في الدوائر الدبلوماسية
· و بعض المراكز السياسية الحساسة
· و غير ذالك كثير
· و يتقدمون كذلك في مشاويرهم المهنية بسهولة أمام من هم أجدر منهم،
· و ينجحون في أعمالهم “المرتجلة” و يجنون أرباحا طائلة،
بعد أن تفتح لهم كل الأبواب الموصدة دون جهد و بعيدا عن منطق الأشياء في تحد سافر لمقومات الدولة و انتهاك متعمد لمسطرتها القانونية و مؤسساتها التنظيمية الأمنية و الجمركية و الحدودية بحرا و برا و في الموانئ الجوية و بكل القطاعات الخدمية الحساسة و كأن الأمر بهذا و على هذا النحو طبيعي… فالنساء بمنطق الرجال من أزواج و أبناء و إخوة و أقارب و حاشية، هن المفاتيح التي تدار عند الاقتضاء لفتح أصعب الأقفال و لبلوغ أكثر الأهداف بعدا و أشدها صعوبة دون تكليف الأنفس عناء معرفة مقابل الجهد المبذول و مستوى التنازل المقدم فالغاية تبرر الوسيلة.
ليس سرا، و لو لف الأمرُ مُفتعلُ الكتمان، كل ذلك و أكثر في ظل تنازل ملحوظ لأتراب النساء من الرجال عن دورهم الذي هو إن أحسن ما كان إلا ليحقق التكامل المنطقي بين الرجل و المرأة الذي يحفظ للمجتمع سموه و توازنه و يؤمن للبلد طريق المستقبل في ظل دولة العدالة والمساواة.
فهل يطالب المجتمع بالعمل على تصحيح هذه الكبوة المخلة بقيمه و المهينة لنبله في بلد يدعي أهله الفروسية في أدبياتهم و غنائياتهم و تراثياتهم؟
و هل تعاد الكرة و يلعب الجميع من ذكر و أنثى أدوارهم كل بما هو مؤهل و مسير له و يؤدون واجباتهم متقنة على بينة من أصول الدين و قواعد الدولة المرتكزة على دعائم حسن “الحكامة” والإخلاص لجوهرها ؟