ترشيح ‘ رئيس الجمهورية ‘ … قادم ، و لكن…
لكلّ الذين يطالبون بترشيح ” الرّئيس ” لمأموريّة ثانية ، و لكلّ المعارضين والرّافضين له ، أقول: لا تُتْعبُوا أنفسكم و تضيعوا وقتكم…إنّ الرّجل مترشّح لا محالة ، سواء طلبتم منه ذلك أم رفضتموه. فهو أحرص على التّرشح وعلى البقاء في “الحانوت” منكم جميعا… و حرصه هذا ، إنّما يعود للأسباب التالية:
1 – إنّه و خلال مدة رئاسته المنتهيّة استطاع أن يراكم لنفسه ولأعوانه ومحيطه من الامتيازات والمنافع والثّروات ما جعلهم مرفهين و متميّزين عن بقيّة الشعب. و بالتالي ، فخروج “الحانوت” من يده إلى شخص آخر يعني بالنّسبة لهم فقدان هذه الامتيازات. و لذا ، فإنّه يسعى – كسائر “الوكّافة” في عالم “الحوانيت” – بشتى الطرق والوسائل إلى الاستمرار حتى آخر رمق ، بدفع قوي و دعم مُسْتميت من أتباعه وأعوانه عملا بقاعدة : تمسّك “الوكّاف” ب”الحانوت” ، و تمسّك الحاشيّة ب”الوكّاف”.. حتّى أنّ هذا الأخير قد لا يكون مُخيّرا في البقاء في الوظيفة أو التخلّي عنها ، بل يكون – في بعض الأحْيان – مُجْبرا بضغط من المحيطين به على مواصلة التّزوير و المُراوغات و شراء الذّمم و القمع و ربّما القتال من أجل البقاء على رأس “الحانوت” حتى الموت.
2 – إنّه و خلال مدّة حكمه “للحانوت” بقدر ما رفع من شعارات برّاقة ، و قدّم من طرقات و دكاكين..كانت له تجاوزات وهفوات [صفقات ، و تسجيلات ، و رصاصات ، و مرافعات ، إلخ ،،،] ، و من ثَمَّ ينتابه الخوف هو و بطانته من عسكريّين و مدنيّين ، و خاصّة أولئك الذين هم يدهُ الغليظة التي يبطش بها و يستحْوذ على مقدّرات الشعب…يكدّسون المال الحرام ، و ينفّذون الأوامر، و يُحسّنون المساوئ في نظره ، و يقبّحون الحسنات …كلّ أولئك ينتابهم الخوف من أن يُحاسَبوا على ما اقترفوا بحقّ النّاس. و حتّى يتجنّبوا ذلك المصير ، تراهم يتنافسون في التّطبيل و التّهليل من أجل أن يبقى “الحانوت” بيد صاحبهم مدى الحياة…أو ينتقل بعد عمر طويل إلى شخص من حاشيّته ،،،المهم أن لا يذهب “الحانوت” بعيدا عن البطانة والأتباع.
3 – إنّه و من خلال متابعته لواقع البلد و المجتمع وعلاقتهما ب”الحانوت” صار ينظر إلى الشعب بشكل عام ، و إلى المثقّفين و النّخبة السياسيّة بشكل خاص كجُموع عاجزة من الزّبائن الطّامعين فيما عنده من بضاعة و مناصب و أوساخ …و ما ذاك إلاّ لكثرة ما شاهد في بعضهم من تملّق ، و خضوع ، وخنوع ، و تذلّل ، و تبعيّة للغالب ، و قبول للإهانة ، و رضا بالظّلم ، و ترك للحقوق…و صار ينظر لنفسه على أنّه “هبة من الله ” لإنقاذ البلاد و العباد ،،، فهو حامي حمى الوطن و ضامن استقراره و كائد أعدائه ، و القاضي على الجهل و الفقر و الجوع…بفضله نأكل و نشرب و نستنشق الهواء .
و من هذا المنطلق ، فإنّه يرى ترشيحه واجبا شرعيّا قبل أن يكون ضرورة وطنيّة لأنّ غيّابه عن “الحانوت” سيكون مصيبة كبرى على الأمّة الموريتانيّة و القارّة الافريقيّة و العالم…
4 – إنّه و من خلال شبكاته “الحانوتيّة” عبر العواصم الأوروبيّة [و مطابع لندن، بشكل خاص] لم يعُد يخاف صناديق الاقتراع بعد أن تبيّن أسرارها ، و تعرّف على مداخلها و مبانيها ، وتأكّد من أنّها لن تقف في وجه سلطانه ، و لن توقف طموحاته أو تخلّ بحساباته. إنّها” صناديق صديقة ” بما تحمل الكلمة من معنى…هو من طلبها ، و طبعها ، و دفع عنها ، و أتى بها …و هو من عيّن لجنتها ، و كلّفها ، و وفّر لها الوسائل و المال…زد على ذلك أنّ الحكومة حكومته .
و الجيش جيشه . و الادارة إدارته . و النّاخبين زبائنه . و لقد علّمته الأحداث – من موريتانيا إلى مصر- أنّ صناديق الاقتراع في أيّ مسار “حانوتي” تنحاز طبيعيّا بمعنى جينيّا [ وراثيّا ] ” للوكّاف ” المُتغلّب…و لا تنحاز لغيره أبدا إلّا بثمن باهظ و تضحيّات جسيمة…
5 – كما يعلم أنّ الشعب الموريتاني – من شدّة ما عانى من إحباط و صدمة – بات مُقتنعا بأنّ أمْر الصّناديق محسوم طوْعا أو كرْها لصالح ” الوكّاف ” ، وأنّ الديمقراطية في العالم بأسره تمرّ بحالة تراجع و انحطاط… أصبحت فكرة كاسدة ، بلا هوج…و أصبح الحدّ الفاصل بينها و بين الدكتاتوريّة باهتا جدّا إلى درجة أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة لم تستطع حتى الآن تعريف ما جرى في مصرعلى يد “السيسي” ، هل هو انقلاب عسكري أم ثورة شعبيّة ؟ و لقد شاهد بنفسه [ و ليس من رأى كمن سمع ] كيف أنّ فرنسا – أمّ الثّورات و الحريّات – أيّدت و ساندت و دعمت انقلابه في 6 أغشت 2008 و حوّلته من “عصيان” إلى “ثورة” مجيدة ضد الفقر، و رئاسة محمودة للقارّة الافريقيّة…
لهذه الأسباب…أقول : إنّ ترشح الرّجل قادم لا محالة. فلا يُتعبنّ أحد نفسه بطلبه أو رفضه…و لكنّ الرّياح قد تجري بما لا تشتهي سفن “الحانوت” ، و ذلك لأسباب عدة… أذكر منها – على سبيل المثال – أنّ الشّعب الموريتاني منذ العام 2008 قد راكم كمّا هائلا من الدّروس و التّجارب و المعلومات. و تأكّد من نهْب الخيْرات و زيْف الشّعارات. و شاهد زلازل المُنكرات واستهداف الثّوابت و المقدّسات. و خيّم الغضب على جلّ الشرائح و الفئات و الجهات. و تحطّم حاجز الطّمع و الخوف لدى الكثير من النّاس…و” إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد “…
محمد فال ولد بلاّل