المثقفون.. والدعوة البواح إلى الحرب والفوضى… مقال “من المستفيد من تمزيق المصحف؟” نموذجا
المثقف متكلم بطبعه ورائد لمجتمعه. ونحن الآن في عصر الثقافة والنور. إذ لم يقيض الله لبلادنا في أي عهد من عهودها كمّا من المثقفين أوفر مما لديها اليوم والحمد لله! وقد انتشرت وسائل الإعلام والاتصال بدرجة مذهلة.. وكان ينبغي أن يوجه هذا الخير إلى خدمة الإنسان الموريتاني.
ومع ذلك فما يزال يلتبس الحق بالباطل بما كسبت أيدي المثقفين!
كانت آخر حلقات مسلسل الإثارة ما قيل عن “تمزيق المصحف الكريم” فبحثت عما وراء الأكمة. فكان أول ما لفت انتباهي مقال أنيق تحت عنوان شيق “من المستفيد من تمزيق المصحف” نشره أستاذ في موقع “الأخبار” ظهر الثالث من مارس الجاري. فقلت لنفسي: لقد عثرتِ على مبتغاكِ! وبدأت ألتهم المقال. مقدمة طللية قادتني بلا بردعة إلى “ثبوت” واقعة تمزيق المصحف، وإلى أن المستفيد منها هو “النظام العسكري ومافيا المصالح التي راكم على مدى عقود”. ذلك أن النظام “كلما وقع في ورطة بسبب كوارث القرارات التي يقدم عليها، أو بسبب مبادرة من قوى التغيير اشتعلت أزمة مجتمعية من هذا النوع”. وبالتالي فهو المستفيد من تمزيق المصحف وأخواتها!. وبعد ترتيب “دقيق” للتزامنات بين الفعل ورد الفعل في حرق الكتب والإساءة إلى الرسول الكريم وتمزيق المصحف مع مسيرات المعارضة، وأزمة الانتخابات، ونجاح منتدى المعارضة، تنبأ الكاتب بنبوءات شتى عن سبب شراسة القمع بدأت بتوقع أن يستقبل الرئيس الجماهير بعد القمع ويعتذر لها ويعدها بمعاقبة بعض المسؤولين وربما ضحى ببعضهم، وانتهت بتوقع “أن تضحي العصابات التي تحكمنا بقائدها المحترق”! ثم توصل بعد جهد جهيد إلى “خلاصتين” أساسيتين هما مربط فرس المقال، وهما: ـ أنه “لم يسل من دماء الموريتانيين على أيدي نظام يحكمهم ما سال على أيدي هذا النظام، ولا عرفت مقدساتهم تدنيسا لما (هكذا ورد) عرفته في حقبته السوداء، ولا هددت وحدتهم بقدر ما هددت اليوم”. ـ “أن تقويض الأسس التي يقف عليها المسؤولون عن هذه الجرائم ينبغي أن يكون هدف الحراك الحالي وألا ينتهي حتى تستأصل العصابة المجرمة المسؤولة عن تدنيس مقدساتنا وتدمير وحدتنا… إن الحرب الحقيقية التي تشن على البلد بأمواله ومقدراته، وبأدمغة جيل من الشياطين تكوّن بأموال الشعب، هي الحرب الوحيدة التي علينا خوضها اليوم وهي التي يجب أن نتوحد من أجلها. إنها الحرب الوحيدة التي تستحق منا التضحية والدماء لأنها ببساطة ستكون حرب تحريرنا من نير الطغيان، وستفتح المجال لحماية مقدساتنا من التدنيس لأنها ستمكن للقيم المستمدة من هذه المقدسات؛ العدل والحرية واحترام الآدمي لآدميته، والعيش الكريم. ستنتج حماية ذاتية للمجتمع من التفكك، والانحلال لأنها ستبحث عما يوحد المجتمع ليحكم نفسه، وليس عما يفرقه لتحكمه العصابة”. وهنا ينتهي المقال، لتبدأ أسئلة محيرة هي: 1. على أي قاعدة إحصائية اعتمد كاتب المقال فيما ذهب إليه في خلاصته الأولى، وأين وضع امَّا اعلي وأصحابه، وضحايا ازويرات، ومئات العسكريين والمدنين الذين أكلتهم حرب الصحراء العبثية في عهد موريتانيا الذهبي (1960 ـ 1978)؟ والعقيد أحمد ولد بوسيف وصحبه، والرائد جدو ولد السالك، والعقيدان محمد ولد عبد القادر والأمير أحمد سالم ولد محمد لحبيب وأصحابهما، والذين ماتوا من الناصريين تحت التعذيب (1979 ـ 1984)؟ وما ذا عن الذين حوكموا وأعدموا في محاولة 1987 الفاشلة، ومئات الموريتانيين والسنغاليين الذين أكلتهم نار الفتنة المدبرة سنة 89 وأولئك الذين ماتوا في سجن ولاتة، والذين قتلوا من طرف زملائهم ورفاقهم في السلاح وهم مئات في عملية تطهير عرقية كادت تمزق وحدتنا الوطنية؛ ناهيك عن محنة الأئمة والعلماء، ومن حصدهم الفساد والمجاعة والإهمال، وضحايا انقلاب 8 يونيو سنة 03 وعلى رأسهم القائد محمد الأمين ولد انجيان؟ فعن أية دماء يتحدث الكاتب المحترم؟ ولمصلحة من هذا المنطق الغريب؟ 2. يفند كاتب المقال “أنصاف الأميين” الذين “يدعون لوحدة الصف في وجه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها البلد وقيمه” ويدعونا في حماس منقطع النظير لخوض “الحرب الوحيدة التي علينا خوضها اليوم وهي التي يجب أن نتوحد من أجلها…” ولنا أن نسأله: من سيضمن لنا أن تختلف نتائج هذه الحرب “المقدسة” عن نتائج الحروب التي تجري في سوريا والعراق واليمن والسودان ولبنان والبحرين وليبيا والصومال.. واللائحة تطول؟ أما عن عدالتها من عدمها وعن طبيعتها وتحالفاتها الداخلية والخارجية وما أعد لها من قوة ومن رباط الخيل، فلا داعي للخوض فيه! 3. وإذا كان من المنطقي جدا أن يذهب الحماس ببعض الشباب إلى هذه الحدود البعيدة وينسون أو يتناسون العقل، فلماذا لا يقوم العقلاء من الطرفين بكبح جماح الشباب، ويفرضون عليه وقف التحريض وتجنب إثارة الفتنة النائمة، أو احترام عقول الناس على الأقل؟
ذ. محمدٌ ولد إشدو