السعودية تنتحر! / د.حماه الله السالم
للأسف يبدو أنّ النظام السعودي قد ألقى بجميع أوراقه التي كان يلعب بها: التراجع عن دعم الثورة في سورية إلى ترك بعض حلفائه في لبنان بل والتفاهم مع الحوثييّن وانتهاء بحظر جماعة الإخوان أكبر الحركات الإسلامية وأكثرها اعتدالا والتي لم تتصرف تجاه السعودية بأي منطق متشنج أو ناقد حتى في أوج الانقلاب في مصر، بل بادر الرئيس مرسي بادي الرأي إلى زيارة السعودية قبل غيرها في خطوة مطمئنة رغم الدعم القطري الذي سانده في الثورة وفي الانتخابات.
لكن يبدو أن السعودية لم تستطع أن تتحمل وجود نظام إسلامي سُنّي نظيف في بلد مثل مصر (العبارة للمعارض المسعري) ولذلك قدّمت السعودية ما تملك سرا وعلنا لإفشال التحول الديمقراطي المصري ثم جاهرت بدعم الانقلاب وبدون خجل ولا حياء. لكن ذلك لم يبدّد مخاوفها من الربيع العربي، فوجدت نفسها هذه المرة في مواجهة الجار والشقيق القطري، ولم تعد تستطيع تحمل أي رأي مخالف حتى ولو كان جزء من سياسة دولة مستقلة لم تسمح يوما بتوجيه النقد للنظام السعودي من قناة الجزيرة ولا من غيرها (يؤكد المعارض سعد الفقيه حرص القطريين على عدم استضافته في الجزيرة احتراما للوضع الخاص مع السعودية) لكن ذلك لم يجد نفعا في تبديد مخاوف النظام السعودي من رياح التغيير التي صارت تعصف بأطراف الجزيرة ومن خشيتها من توابع الانقلاب في مصر الذي تتكشف جرائمه عربيا ودوليا بفضل النضال الشعبي الداخلي والخارجي ومساهمة الإعلام وفي مقدمته قناة الجزيرة القطرية. والمفزع أكثر أن من بيده الملف الخليجي في السعودية غير معروف هل هو خالد التويجري المدعوم من متعب بن عبد الله أم غيره. لكن المؤكد هو أن الملف الخليجي في النظام السعودي بات بين أيادي غير مسؤولة تتصرف بتشنج وبتخبط وغضب ما يتعارض ومنطق الدولة والمصلحة الخليجية، وذلك في سياق تغيرات داخلية تشير إلى أزمة في صنع القرار السعودي الخارجي بعد أن تم سحب ملف سورية من بندر وتسلمه محمد بن نايف وله حساباته الثارية مع الإماراتيين، وهم يمارسون التجارة ويجيدون الصفقات أكثر من السياسة الخارجية الجدية. ما قد ينتهي بخلاف مع السعودية في منتصف الطريق. الإمارات لا تمتلك سياسة خارجية، ولذلك تقتصر مواقفها على ردود الفعل، والغالب عليها “المتاجرة” ولذلك قد تفضل مصالحها التجارية مع إيران لاسيما بعد أن تأكد أن الجزر الإماراتية صارت إيرانية منذ عقود بصفقة تجارية مع إيران. ولذلك تبقى العلاقة السعودية مع الإمارات مرحلية، بينما العلاقات مع البحرين أكثر استمرارية، لأن نظامها أكثر تبعية للسعودية واعتمادا عليها. عملية سحب السفراء قد تعني السير نحو المواجهة بين السعودية وقطر، لكنها ستزيد من فشل السعودية وضعف موقفها “المعتدل”، وتلاشي ما حققته، من مواقف لرعاية الحرمين والهيئات الخيرية الإسلامية، وربما يجد القطريون بدائل للتجارة البينية مع السعودية في حال تطورت الأمور ـ لا سمح الله ـ نحو الحصار أو أسوء. وذلك رغم أن ردود الفعل القطرية اتسمت بالهدوء والتعقل. ليست قطر واحة للديمقراطية لكنها بالقطع صارت قلعة لمناصرة ودعم القضايا العادلة وفي طليعتها التغيير والإصلاح في البلاد العربية، ما يجعلها الأمل الباقي للشباب العربي والقوى الحية. وهي صورة ستتعزز فيما يبدو أكثر بعد هكذا تطورات. والغريب أن قناة الجزيرة القطرية صارت منبرا للمدافعين عن الانقلاب في مصر قبل غيرهم، لكن ضعف حجتهم جعلهم فريسة دائمة لمنافسيهم من المدافعين عن الشرعية من المصريين وغيرهم، ما حشرهم في الزاوية وبيّن تهافت طروحاتهم وضعف حججهم، وكشف الانقلاب المصري وعراه أمام العالم ومن ورائه تكشفت سوءة النظام السعودي المرعوب من الربيع العربي. الخاسر الأكبر من كل ما يجري هو السعودية، والتي ستزداد عزلتها أمام الاعتدال الكويتي والعماني والمنتصر هي دولة قطر التي ستتعزز مصداقيتها في العالم العربي والعالم. والمستفيد الأكبر من بين الجيران هي دولة إيران التي انهزم أمامها النظام السعودي وقدم الأوراق التي كان يملكها ثم بدأ تقديم القرابين (بعبارة النفيسي) لينفذ بجلده من الانتقام الإيراني. والكارثة التي ستحل بالسعودية هي أن تكون مواقفها الأخيرة (التخلص من الجماعات السنية وحلفائها) مقدمة لما يخبئه لها القدر من انتصار الربيع العربي السني، ليجد النظام السعودي وقد خسر نفسه، لم يرْض إيران ولم يحتفظ بالسنّة بل وقوّض البيت الخليجي من أركانه. ولله في خلقه شؤون
د.حماه الله السالم كاتب موريتاني