اتحاد الأدباء و الكتاب الموريتانيين: آلامُ الميلاد وبشائر النشأة وعطاء النضج واحتمالات التفكك !
توطئة:
يفترض أن يكون أتحاد الأدباء و الكتاب في أي بلد تنظيما نخبويا ومركز إشعاع فكري وعلمي وأدبي وأخلاقي علاوة على كونه بيت رعاية الإبداع والخلق والابتكار من مبدعين شبوا ونضجوا لأشبال يدرجون على دروب الشعر و الرواية و القصة والأقصوصة والفن.
وقد كان ولا يزال وسيبقى المنتوج الإبداعي المتحقق في سجلات الحرف رصيد أي أمة ومقياس رقيها ومكيال إسهامها في رصيد البشرية، كما يصبح تجدد عطاء مبدعيها دليل حيويتها وتواصل أجيالها وإسهامهم في الناتج الإبداعي البشري.
وفي بلادنا الحائزة على قصب السبق في الشعر وعلوم اللغة العربية لحد اعتبارها (تشريفا) بلد المليون شاعر، ظل موكب الثقافة مفتقراً إلى سفينة تحمله قبل التفكير في ربان يقودها، بالنظر إلى حداثة نشأة الدولة وما صاحبها من أسئلة كبرى طبعها خلاف ما زال متواصلا، وإن بحدة أقلَّ، على ثوابت البلاد الحضارية، الشيء الذي أثر على البنية العلمية الثقافية للبلاد وجعلها تنتقل من مؤقت إلى مؤقت دون حل نهائي يؤسس لقيام هيئات أهلية أو وطنية للآداب و الفنون.
الميلاد:
ظل الأمر كذلك إلى أن قامت كوكبة من جيل السبعينيات بمبادرة من الأساتذة: الخليل النحوي وناجي محمد الامام ومحمد كابر هاشم و أحمد بياه من بين آخرين، برفع التحدي وأنشأوا (رابطة أقلام الصحراء) التي، لكي تجد الاعتراف من نظام الحزب الواحد ــ آنذاك ــ تم تحويلها إلى (رابطة الأدباء و الكتاب والفنانين) وكان أغلب فعلها الثقافي محصورا في العلاقات العربية بالمشاركة في فعاليات اتحاد الادباء والكتاب العرب وبعض النشريات في دوريات عربية ومحلية .
آلام النشأة :
كان الأدباء في “سنوات الجمر” طليعة النضال ضد التسلط والقهر والتغريب والاستعمار مما وتر علاقات قادة الرابطة بالأحكام العسكرية في الثمانينيات حيث اعتقل القادة الثلاث، على التوالي زمنيا: الخليل النحوي وناجي محمد الإمام ومحمد كابر هاشم، وبعد شغور منصب الرئيس بانتقال الرئيس الخليل للعمل بالخارج بفترة غير قصيرة من الجمود ـ وضعت الجهات الحكومية آنذاك العين والرقابة على الرابطة .
عطاء النضج:
خلال مؤتمر لاحق انتخب الأستاذ محمد كابر هاشم على رأس الرابطة، وفي بداية الألفية الثانية تمكن مع نخبة من الأساتذة والكتاب من الإقلاع بالمؤسسة التي تحولت إلى اتحاد ذي هيئتين مجلس أعلى يرأسه الأستاذ ناجي محمد الامام، وآخر تنفيذي برئاسة الأستاذ محمد كابر هاشم الذي دشن لأول مرة في تاريخ الأدب الموريتاني، مقرا اجتماعيا للاتحاد وموقعا ألكترونيا ومجلة ناطقة باسمه وسلسلة نشريات وافرة جيدة الطباعة والإخراج لإنتاج المبدعين الموريتانيين، كما يسجل له إطلاق مهرجان سنوي لم يتوقف ولم ينزل مستواه للشعر الفصيح ورافده العامي بانتظام يقدم فيه كل جيل إبداعه ويكافأ ماديا في موسم حصاد وفير للنشر والإلقاء و الجوائز والتكريمات، جدير بـ”عكاظ شنقيطي نبيل”، ويكفي التذكير بأن أي كتاب منشور كان يصل بعض الأحيان ألفي نسخة تسلم للمبدع ليستفيد من ريعها، والسنة الحسنة المتمثلة في الإكراميات والتكريم و فوق كل ذاك جو السماحة والأريحية الذي كان يطبع الاتحاد وأعضاء قيادته، في إحالة ماهرة منهم إلى “الأدب” في المنطوق والمفهوم الموريتاني.
“التغيير” وغياب البديل
سنة 2012 انعقد مؤتمر الاتحاد في جو من التنافس الحاد بين جيل يمثل الاستمرار وآخر يطغى عليه طابع التغيير إذا اعتبرنا عامل السن رامزاً إليه وإن كانت الواجهة غير ذلك.
ودون أن ندخل في تفاصيل الممارسات فإن الفوضى ضربت أطنابها واستقرت بين جدران المقر الجديد الذي هو الإنجاز الوحيد الدال على التغيير وإن كانت أهم مميزاته “البعد من منازل الشعراء وجمهور الشعر ـ غلاء الإيجار ـ انعدام الأثاث والتجهيزات”.
أما مظاهر الفوضى.. فلا أريد الآن نشر الغسيل الذي يثير الغثيان، احتراما للمخلصين الأوفياء من الأعضاء العاملين، وهنا أشير فقط إلى نقاط محدودة:
ــ تغييب الأمانات عن اختصاصاتها حتى لا تشرف على الصرف في مجالها.
ــ تغييب دور المجلس الأعلى وتهميش دوره وتغييبه عن أي بند من بنود الصرف خوفا من الصرف النقدي باعتبار الاتحاد جهة للصرف فقط .
ــ تغيب الهيئات الاتحادية الوازنة أدبيا واجتماعيا و سياسيا وثقافيا عن تمثيل الاتحاد في أي مهمة خارجية.
وقد أدى هذا التراكم المريع إلى بروز تشققات عميقة في الكتلة الشبابية التي لعبت الدور المحوري الأساس في إيصال الواجهة القائمة وما تجميد جماعة “منتدى القصيد” لنشاطهم في الاتحاد ببعيد.
والأخطر على الاتحاد و البلاد هو ما يعتمل من حراك الآن تحت الأرض لقيام اتحاد بديل يسهر عليها لفيف من الشخصيات الشعرية والفكرية الوازنة وطنيا وعربيا كانت تنأى بنفسها عن المستنقع لكنها وصلت إلى قناعة بضرورة النزول إلى الميدان للإصلاح أو إقامة البديل الذي يحظى بالصدقية الثقافية بعيدا عن القبلية والجهوية والمحسوبية والشخصانية.
أخيرا…
لم أسكت في المرة الأولى عندما خضع الاتحاد لقرار وزارة الداخلية إبان انتفاضة الأٌقصى ولم ينظم أمسية شعرية نصرة لتلك الانتفاضة، فكتبت رافعا صوتي: “اتحاد التطبيع”.. وجاء سريعا استفسار الاتحاد العام للأدب العرب ليرد الأمور إلى نصابها، ولم أسكت حين أراد البعض “توريث” الاتحاد خلال فترة ما، ولم أسكت أيضا حين سكت الجميع، وقمت بالرد على رئيس الجمهورية دفاعا عن الشعراء.
في كل هذه المواقف كنت معرضا لدفع الثمن.. وأنا يسرني ذلك.. والقضية التي لا يفهما البعض أنني خلقت لدفع الثمن لا لتلقيه.. ببساطة لأنني لست من النوع الذي ينزف أبدا مهما تكاثرت الطعنات..
لقد حرصت دائما على الابتعاد عن الاتحاد تسييرا.. وآثرت خدمته وخدمة الأدباء الموريتانيين بكل طاقاتي إعلاميا وأدبيا وبما أملك من إمكانيات مادية قليلة..
وفي أول مشكل يثار متعلق بالتسيير، طالبت في اجتماع المكتب التنفيذي نهاية 2012 بنشر كل مصاريف الاتحاد على الانترنيت.. وكان عشرات الزملاء شهودا على ذلك.. وقلت “لماذا لا يكون اتحاد الأدباء قدوة في الشفافية المالية… لماذا لا ننشر بياناتنا المالية أمام الملأ.. ما الذي نخشاه.. ولماذا لا نكون قدوة للمؤسسات الموريتانية الأخرى”.
لم يجد ذلك الطلب صدى.. ثم تتالت الشكاوى والمشاكل والصراعات والانقسامات.. فالاتحاد تحول في أحد أوجهه إلى “جمعية خيرية” طباعها الشخصانية المحضة، بدل “ًصيانة قرش الإبداع” من أجل تنفيذ برنامج ثقافي حقيقي هو الهدف أصلا من وجود الاتحاد الذي ظل شعراؤه رغم كل شيء رافعة عطاء شامخ..
لهذا وحده اليوم أرفع شارة الإنذار…
وبناء على ما سبق و هو غيض من فيض فإنني كأحد الذين عملوا مع الكثيرين من الغيارى على الوطن وهويته وكما رفعت عقيرتي بالدفاع عن الشعر، ولم أرهب ولم أرغب ، وكما نبهتُ أكثر من مرة مباشرة ومداورة رئيس المجلس الأعلى و رئيس المجلس التنفيذي وأصدقائي الأقربين في المجلسين لتلافي الاتحاد وتغيير المسلك واعتماد مقاربة جديدة لرأب الصدوع وتغيير الأساليب إلى الأحسن تفاديا لاتساع الخرق، ولم أجد صدى لنذيري المخلص وندائي الصادق.. فإنني اليوم أرفع إلى الجميع وعلناً على رؤوس الاشهاد نداءً أخيراً :أن هبوا لتلافي ما بقي من ماء و جه اتحاد الأدباء و الكتاب الموريتانيين:
ــ إلى الآباء المؤسسين والفتيان المتحمسين وما بينهما من أهل الرأي والمشورة
لنتنادى جميعا من أجل إعادة تأسيس الاتحاد قبل أن يُصبح اتحادات كما حصل في العمال والطلاب والفنانين والأمثلة كثيرة.. عندها لا تملك الديمقراطية ودولتها إلا تسجيل الأرقام ومنح التراخيص.
أيها الأعزاء، الأدباء..
عند النظر إلى بيض النسور لا بد من التفكير في القمة..
المختار السالم
(*) أمين الإعلام باتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين
