مشكلات في عمق التعليم لم تعرض أمام الرئيس
يعتبر نجاح قطاع التعليم هو الضامن الأساسي لنجاح كل القطاعات الأخرى ، فبه يستفاد من الماضي و يستقيم الحاضر ويزدهر المستقبل ،ولا يمكن تصور أي نجاح كان إلا بنجاح التعليم شكلا ومضمونا وتسخير كل الآليات الضامنة لذلك ..
ومن المعروف أن منظومتنا التربوية تعاني من مشكلات عميقة وقديمة ، تعيق حركة القطاع نحو التقدم وتحجب عنه النجاح ، لكنها مشكلات في مجملها قابلة للحل ، شريطة توفر الإرادة الصادقة والقصد النبيل ، وكان من المفترض بل من الواجب الذي يمليه الضمير ويستدعيه الانتماء الصادق لهذا البلد وما يقتضيه ذلك من البحث عن وسائل تفضي إلى تقدم القطاع ونجاحه وتجاوزه لكل الصعاب ، أن تطرح هذه المشكلات أمام رئيس الشباب !! الباحث عن أفكار شبابية تقدمية ترسخ القطيعة مع الأساليب الماضية ذات الطابع التعتيمي التسييسي المحاباتي ، والذي ينبئ بعدم الاكتراث بمصلحة الأمة ، بل تذويبها في سبيل إرضاء الرؤساء والمطبلين لهم ،سواء كان ذلك بوجه حق أو عكس ذلك ، وسأحاول قدر الإمكان عرض بعض هذه المشكلات في جزأين أو ثلاثة وأول هذه المشكلات :
1- ضعف القدرة الشرائية للمدرس : رغم زيادة الرواتب وتعميم علاوة النقل والسكن لازال المدرس عاجزا تمام العجز عن مواكبة الارتفاع الصاروخي للأسعار مما جعله يلجأ عادة إلى أعمال إضافية من أجل إكمال تلك النواقص وغالبا ما لا تتقاطع هذه الأعمال التي يفرضها هذا الواقع المرير مع مهنة التدريس كسياقة سيارة الأجرة وبيع الرصيد والحلاقة …إلخ ، هذه حرف نبيلة بطبعها لكن مهنة التدريس أنبل ، وينبغي تشجيع الثبات فيها والتفرغ التام لذلك ، الشيء الذي لن يحصل في ظل الراتب الزهيد للمدرس ، والذي يفوقه بكثير راتب أي حارس أمني في أي شركة معدنية وطنية أو غير وطنية ، وكذا الحال مع عمال الحوانيت( الوكَافة) في بعض الدول المجاورة ، والتي يخدم فيها موريتانيون ..!! وهم طبعا يفضلون هذه الأعمال على الانتماء لحقل التدريس الذي يعاني جل أشخاصه من الارتهان للبنوك !!
فعلى الحكومة أن تسارع بإجراء مالي خاص على غرار الإجراء الذي قامت به سابقا لصالح القضاة والإداريين المدنيين و الماليين ، وفعلا حسّن ذلك كثيرا من وضعهم المادي والمعنوي ، وانعكس إيجابا على قطاعاتهم . 2- مركزية التعليم : فتوحيد مناهج التعليم بالرغم من تباين المناطق واختلافها من حيث الطبيعة البشرية ، واختلاف إملاءات المحيط ، يعد عاملا معيقا في وجه التعليم ، فمستوى ونوعية التعاطي مع مقاربة الكفايات في العاصمة انواكشوط وانواذيبو لا يوازيه ولا يسايره التعاطي مع هذه المقاربة في منطقة الضفة ، والمناطق التنموية الريفية ذات الطابع الخاص والمختلف جدا والمعقد تماما .
3- غياب التكوين المستمر والذي فاقم غيابه الغير مبرر من مشكل العقدويين والذي بلغ مداه مع تنامي مشكل العقدويين المحليين ، الذي تم تسيسه والتلاعب به ،مما جعل البعض يعتبره في ظروفه القائمة سلبي على القطاع بامتياز. 4- التموقع الفوضوي للمدارس وخاصة في الريف إذ تتوزع على أساس النفوذ والانتماء السياسي والزبونية ، وعادة مايتم تزييف المعلومات من أجل بقاء مدارس معينة مفتوحة أو تتمتع بامتيازات معينة !
5- تزييف أعداد التلاميذ ومرده إلى سببين رئيسيين : -الأول: زيادة حجم الكفالة الذي يتناسب طردا مع ارتفاع عدد التلاميذ –الثاني بقاء مدرسة ما مفتوحة بتلاميذ وهميين نظرا لأنها مدرسة تحمل اسم آل فلان وتمثل الوجود السيادي لهم وبالتالي تظل الإحصائيات في القطاع مغلوطة ومكذوبة … يتواصل بإذن الله
6- فوضوية التحويلات ، وعدم إخضاعها للمعايير القانونية ، بل اعتماد الرشوة و المحسوبية كعامل أساسي فيها ،وانتشار ما يعرف بالمذكرات الفردية طيلة السنة الدراسية . 7- التغطية على الأشخاص المختفين من القطاع سواء لغرض الذهاب إلى الخارج ومزاولة التجارة بالنسبة للنساء! ،أو للعمل في غسل الصحون في المطاعم الأوروبية أو لقطف ثمار الطماطم في بساتينها !… إلخ ، وكثيرا ما يختفي آخرون ويستبدلون شرف المهنة بالتسكع في الشوارع ، أو بالمداومة في الحوانيت النسائية الليلية ! ، أو لسد الممرات الداخلية للإدارات والوزارات ، بحجة الإعارة لهذا المرفق أو ذاك ، في الوقت الذي يلجأ فيه القطاع لاكتتاب العقدويين في ظروف تنعدم فيها المصداقية والشفافية ،من أجل سد النقص الحاصل بفعل تسرب هؤلاء من القطاع والغريب في الأمر أن رواتب هؤلاء تظل بطبيعتها وبوصفهم منتمين للقطاع بل عادة ما تطرأ عليها تحسينات وعطاءات جديدة . 8- عدم وجود التأطير الكافي للمدرسين في الفصول ، فالتقليص الشديد للميزانيات والإحجام عن إصلاح السيارات المتعطلة ، ساهم مع عوامل أخرى في اختزال عملية التأطير المحورية ، في جلسة تأطيرية واحدة وقصيرة جدا ، نهاية السنة الدراسية !! إن عملية التأطير ونظرا لأهميتها في تحسين الأداء ، تستدعي اعتمادها بشكل شهري أو فصلي على الأقل ، كي تكون مبنية على معالجة الأغلاط وتقويم الاختلالات بصفة تسمح بمتابعة ذلك ومراقبته مراقبة دقيقة وفعالة . 9- إهمال مادة التربية الإسلامية : بالرغم من طرق هذه النقطة بطريقة أو بأخرى،إلا أنها تفرض نفسها بإلحاح وتستدعي التكرار الدائم للطلب ، حتى يتم اعتمادها مادة أساسية ، فالتربية الإسلامية هي القناة الأولى والأهم ،لتوصيل مضامين الشريعة الإسلامية إلى الناشئة ، في سن االتبلور المعرفي والتشكل النفسي وهي صمام الأمان ضد موجات الإلحاد المتلاطمة. 10- الإصلاحات الإفسادية المتذبذبة : والتي تشل حركة القطاع وتكبل عماله وتعيده تارة إلى الوراء ، وبين هذا وذاك يضيع الجهد ومقدرات الدولة ، ومن الأمثلة الحية على سلبية هذه الإصلاحات الارتجالية المتكررة ، وجود قرابة-600- أستاذ للمواد العلمية تكوينهم باللغة العربية ، خارج دائرة الإنتاج والعطاء التربوي للقطاع ،بسبب دعوى الإصلاح وما يصاحبها من تخبط … المشكلة ليست في اللغة العربية وإنما في تسييس الإصلاحات وتقييدها بالأمزجة ،اللغة العربية هي مصدر الإبداع وهي مجاله بالنسبة لنا بوصفها اللغة الأم ، ولم تقف اللغة الأم عائقا في وجه الإبداع مهما كانت معقدة ومعزولة ولنا في الصين وروسيا وإيران أمثلة حية وشواهد قائمة ….
نواصل مع بعض المشكلات ،من باب ضرب الأمثلة إشارة وتنويها سبيلا إلى كشفها بوصفها عقبات تعيق حركة القطاع وتمنع تقدمه وتحرمه من الايجابية في التأثيرومن هذه المشكلات أيضا:
11- إهمال كوادر القطاع وإقصائهم من تسييره بشكل مؤثر، وذلك بإبعادهم عن المناصب السيادية في القطاع واستجلاب أشخاص من خارجه لا علم لهم بما يدور في أروقة الوزارة ، ولا يدركون كنه الأشخاص العاملين بها ،والتي تعتبر معرفة خلفيات تصرفاتهم في القطاع من عدمها هي محور النجاح أو الفشل بالنسبة لهذا الوزير أو ذاك وكذا الحال بالنسبة للأمناء العاميين .
12- ثم إن تغلغل المنظمات التنصيرية وعدم رقابتها أو تطويق تحركاتها المشوبة ، ساهم في تردي الأخلاق وانتشار ثقافة التفسخ وهجر الدين ومعاداة العلوم ، بحثا عن الحريات المزعومة في صورها المقيتة ، والشذوذ المنشود في أثوابه الخبيثة .
13- الاعتماد في المعلومات الموجه للبرمجة والتخطيط على معلومات مقدمة من طرف بعثات صورية ، لا تضيف جديدا ولا تكشف خفايا !! فهي باختصار شديد لا تباشر أعداد التلاميذ ولا المعدات ولا حتى اللوازم الأخرى ، إذا هي فقط بعثات صورية لهدر الأموال وتبرير الاحتواء على الميزانيات.
14- تعطيل العمل بنظام الأسلاك ، والذي سبق وأن استوفى كل الإجراءات القانونية المطلوبة ، فلماذا لا يتم تفعيله إن لم يكن شعار مرحلة وتجاوزت ؟ . 15- الغياب التام لمبدأ المكافأة والعقوبة ، فأن تخدم في قطاع التعليم ثلاثين سنة أو أكثر في تفاني وإخلاص ، مع عدم التغيب ،ومع خلو سجلك العملي من أي إجراء تأديبي أو أية عقوبة قانونية كالتعليق والخصم والتوبيخ ، كل هذه النصاعة في تاريخ العمل لا تقابل بالتكريم ولا الإشادة أو التوشيح !! .16- انتشار ظاهرة آدوابة ولكَصور التي لا تسمح بالتعليم الجيد الذي يتماشى مع متطلبات الرقي بالمنظومة ومن ورائها الدولة ، فظاهرة آدوابة لها طابعها الخاص في إنشاء محيط صعب ، تستحيل معه الدراسة الناجحة ، بفعل إملاءاته المعقدة ، وتسرب التلاميذ وانشغالهم بالعمل في الحقول أو خلف الماشية ، ثم إن عدم توفر المعدات واللوازم التي يجب اصطحابها من طرف كل تلميذ بفعل ضيق الحال وتفشي الفقر والحاجة ، وتركيز كل الجهود رغم هشاشتها للبحث عن لقمة العيش ، كل هذه الظروف القاهرة والأوضاع الصعبة السائدة في محيط آدوابة تجعل من عملية التعليم فيها عملية صعبة جدا وأكثر من معقدة ، وتستدعي التدخل العاجل من طرف الدولة لإيجاد الحل المناسب ، والذي لن يكون إلا بإدماج آدوابة ولكَصور في قرى كبيرة ، ولن يكون ذلك بالخطابات السياسية فقط والتي تنص دائما على أن يتجمع الناس بإرادتهم أو بمجهودهم الخاص في مكان محدد ثم تتدخل الدولة على غرار – تلمسة و انبيكت لحواش – لا هذا ليس هو الحل الذي سيساعد في فك عقدة آدوابة ولكَصور، الحل يكمن في أخذ المبادرة من الدولة بتجميع هؤلاء في المكان الأفضل والأنسب للحياة التقدمية ومباشرة المشاريع الإنمائية بدءا ببناء مدارس مكتملة تتوفر على سكن للطاقم ، ثم بناء ما يتطلبه التجمع من أسواق ومساجد ومستشفيات ونقاط مياه وتمثيل أمني، ثم فرض هيبة الدولة من خلال فرض سلطاتها على السكان من أجل التقيد بالسكن في هذا الموقع الجديد والمؤهل لذلك وإخلاء الباقي …. وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت في طرح بعض مشكلات التعليم الكثيرة والكثيرة جدا.
عثمان جدو – كاتب وناشط حقوقي