هل تبخلين علي بالأجر يا أعز صديقاتي؟ /حواء بنت ميلود
نشرت الزميلة تربة بنت عمار في أحد المواقع مؤخرا مقالا تحت عنوان: “خطوة لكنها لم تضف جديدا”، وقد خصصت تربة الجزء الكبير من هذا المقال للتعليق علي ما قلته في المقابلة التي أجرتها معي التلفزة الوطنية في برنامج “مقاربات إسلامية ” …
وقد عتبت علي – مع الأسف – الزميلة لأنني لم أضف جديدا حسب رأيها الذي يهمني كثيرا …
وسأتناول النقاط التي لم تعجب زميلتي وأشرحها للقارئ الذي قد لا يكون شاهد المقابلة ، و لا قرأ المقال ، حتى أضعه معنا في نفس الصورة ويدرك أبعاد الموضوع ككل وأترك له الحكم بعد ذلك!…
1ـ تقول الزميلة تربة إنه كان علي أن لا أنتقد خروج المرأة الأمريكية لأنها قد ساهمت – حسب رأيها- في بناء مجتمع يسوده العدل والحرية وشتي أنواع الرقي الحضاري!
2ـ وتقول إنني جعلت مبدأ “القوامة ” سيادة للرجل في مقابل إنجاب المرأة!
3ـ وأنني لم أخرج عن الدائرة التقليدية منذ ألف سنة …ولم أكن مثل العلماء المعاصرين من أمثال محمد الغزالي والشيخ عبد الله ولد بي فلو كنت مثلهما لأعدت للمرأة المسلمة شيئا من إنسانيتها ؟؟؟
4ـ كما تقول إنه كان ينبغي أن لا أبحث عن إرضاء المشاهد ين لأن عدم إرضائهم هو عين الإصلاح !!!
5ـ وأنني انشغلت في مبارزة استعراضية عن المسلسلات المدبلجة التي لاعيب فيها – حسب نظرها – لأنها علمتنا اللغة العربية الرشيقة!!!
هذه هي مجمل النقاط التي عاتبتني عليها زميلتي …
ولأرضيها علي أقول لها :
إنه في خصوص النقطة الأولي فقد أقبل انبهارها .بعدالة وحرية ورقي الشعب الأمريكي، لو كنا نعيش في أربعينيات القرن الماضي..لكن من المؤسف أن يصدر مثل هذا الكلام عن مثقفة تعيش في هذا العصر الذي كشف زيف كل شعارات الحرية والعدالة الأمريكية….
فسحقا لما ساهمت المرأة الأمريكية في بنائه ، وسحقا لرقي أذاق كل شعوب العالم أبشع أنواع الحروب والإبادة بطريقة مباشرة أوغير مباشرة..فهل نسيت ما حدث في العراق وسجن أبوغريب ؟ أنسيت أفغانستان والبوسنة والصومال؟ أنسيت كل فضائح اكوانتنامو والمذابح اليومية في فلسطين والقتل والتشريد في بورما ؟ أين عدالة أمريكا وأين انسانيتها ورقيها ؟ أمريكا التي أعطت لنفسها حق إعلان الحرب علي أي بلد في العالم إن أرادت ذلك !!!
إن المرأة الأمريكية يا عزيزتي ليست نموذجا بالنسبة لي…واستشهادي بها ليس من باب الإعجاب وإنما من باب الحق ما شهدت به الأعداء !
ولا أريدك أن تفهمي دعوتي للاهتمام بالبيت ، تقييدا للمرأة أو إعفاءا لها من المساهمة في بناء مجتمعها ، فعملية “الخروج” من البيت أو”البقاء” فيه لا تعني المعني السطحي للكلمتين …لأن المرأة قد تبقي في البيت ولا تقوم بالواجب ،وقد تخرج منه ولا تساهم في البناء !مثلها مثل الرجل تماما قد لا يتحمل هو الآخر مسؤولية خارج ولا داخل البيت ، والمسألة لا تخرج عن الإشكالات الاجتماعية المألوفة والتي تطرح للنقاش في كل لحظة وتتعدد فيها الآراء وتختلف ، فنحن أبناء أمة تؤمن ب “الاختلاف ” في الرأي ، أنسيت رأي أهل الكوفة ورأي أهل البصرة ، والمذاهب الفقهية المتعددة والمدارس الأدبية والتيارات الفكرية المتنوعة ، والإيديولوجيات المتناقضة ، والآراء والنوازل والاجتهاد!! ولم يحكم أحدها على الآخر بأنه لم يضف “جديدا ” لأنه لم يتفق معه في الرأي !!! بل كوفئ بأنه إذا اجتهد وأخطأ فله أجر !
فهل تبخلين علي بهذا الأجر يا صديقتي؟؟؟
أما عتابك علي في مسألة “قوامة ” الرجل فلا أظنك فهمت قصدي ، فأنا قلت إن تكليف الخطاب الإسلامي للرجل بالقوامة يعتبر عدلا في توزيع الأدوار داخل الأسرة ، وذلك عندما كلفت المرأة برضاعة الطفل ورعايته، وهذا لا ينقص من شأن المرأة ،بل ما نحتاجه اليوم – كما قلت في المقابلة- هو تثمين دور المرأة في البيت إلي جانب دورها في العمل!
والمساهمة في البناء لا تعني التخلي عن البيت…
أما كوني لم أخرج عن الفضاء التقليدي منذ ألف سنة …فلم أفهم ماذا تقصدين به بالضبط !
فإذا كنت تعنين أنني انطلقت من المرجعية الثابتة بالنسبة لنا فهذا لا يستوجب العتاب …فالمرجعية لا خلاف عليها في المجتمع المسلم وإنما الاختلاف عادة في طرق تطبيق ثوابت ومتغيرات هذه المرجعية !
وإذا كنت تعنين أنني قلت إن المرأة عاطفية فهذا لا ينقص من قيمتها فالعطف والحنان والرقة ، مميزات أنثوية تميز المٍرأة عن الرجل وليست صفات ضعف أو عجز أو بلادة ، أنسيت الكلمات الرقيقة الحنونة التي قالت خديجة لرسول الله عليه الصلاة والسلام عندما جاءها من غار حراء:
«كلا والله لن يخزيك الله أبدا، انك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، »
ام نسيت ما قالته أسماء لابنها في مواجهة الحجاج !
ففي كلتا اللحظتين تلعب العاطفة أكبر أدوار العقل والذكاء والفطنة والثبات !!!
وإذا كنت استمعت لبداية البرنامج فأنا قلت إن المرأة تشترك مع الرجل في الخلافة في الأرض …وتشترك معه في المطالبة بتعميرها…وتشترك معه في مسؤولية التكليف بأمور الشرع وواجبات الحياة بشكل عام…هذا رغم أنني لا أرغب في تقزيم الرؤية وحصرها في دائرة الصراع التقليدي الضيق بين الرجل والمرأة، فهذه المفاهيم أصبحت متجاوزة حتى عند الدول التي أنتجتها وسوقتها أصلا ، فتصوري أنني ذات يوم رأيت شرطية في مطار باريس تصرخ في وجه مسافر لمجرد أنه قال لها باللغة الفرنسية أيها السيد ، وقالت له غاضبة ، ” أنا سيدة …سيدة …ولست سيدا !!
فتساءلت في نفسي ألهذه الدرجة أصبحت الفتاة الفرنسية تتمسك بأنوثتها ؟
أتدرك ابنة الدولة الفرنسية التي جمحت بها الرغبة في حرية المرأة لدرجة رسمها عارية علي الأوراق النقدية ، أنها يمكن أن تلعب كل الأدوار في إطار خصوصيتها كامرأة ! فكيف إذا بالمرأة المسلمة التي أعطاها الإسلام كل الحقوق !!
أنا يا زميلتي لست ممن لديهن تلك النظرة السوداوية عن المرأة المسلمة ولا أوافقك الرأي بأنها مسلوبة الإنسانية ، فالمجتمع الروماني هو الذي شكك في إنسانيتها وليس المجتمع المسلم، الذي منحها الثقة والمسؤولية وأعطاها حق العمل والاختيار والقبول والرفض !
أما كوني لست مثل محمد الغزالي والشيخ عبد الله ولد بي، فأنا أوافقك أنني لست في مستواهما من الناحية العلمية ،لكنني رغم ذلك أتفق معهما في أن تطوير المجتمع المسلم يكون من الداخل واعتمادا علي تفعيل منهجه ورؤيته ، وليس عن طريق نظريات مستوردة من مجتمعات أخرى تختلف عنا في كل شيء!!!
أتفق معهم أننا نصدر للآخرين تجربتنا العظيمة ورؤيتنا للحياة ولا نستورد منهم ما لا ينفعنا !!
أما في خصوص الابتعاد عن إرضاء المشاهدين والعمل على إثارة سخطهم فهو مناقض لأبسط القواعد الإعلامية ، لأن الرهان الوحيد لدي كل القنوات الإعلامية والمتحدثين عبرها هو كسب ثقة المشاهد وإرضائه ، ثم إن إرضاء المشاهدين لابد أن يكون على الصواب من باب أن الأمة لا تجتمع على الضلال!!
وأخيرا تأتي النقطة الحاسمة التي قتلت في نفسي كل الأمل !! أبهذه البساطة يكون حكمك على المسلسلات “المدبلجة”، أنها فقط علمتنا اللغة العربية الرشيقة !!
قد أقبل من أي إنسان هذا الكلام إلا أنت ، أيكون هذا موقفك من مسلسلات تقتلع جذور القيم والأخلاق وتكسر قواعد الاحترام والوقار داخل الأسرة….
هل يقتصر دور هذه المسلسلات – التي جعلت فتياتنا يتعاطفن مع بطلة مسلسل ارتكبت أبشع أنواع جرائم الشرف – علي تعليمنا اللغة العربية الرشيقة !!
أيكون هذا موقفك من مسلسلات رفعت مستوي الجريمة في مجتمعنا من خطف وقتل وانتحار !!
وفي النهاية كنت أفضل لو شكرت البرنامج على استضافته لامرأة لأول مرة ، وإن كنت عجزت أنا عن إضافة “خطوة جديدة” فلتقبليها أنت كخطوة “أولي ” ، والخطوة ” الأولي ” تكون متعثرة في أكثر الأحيان ، ولتتبعيها بخطوة ثانية أكثر اتزانا وأكثر قدرة على إضافة جديد!!!.
بقلم: حواء بنت ميلود، كاتبة صحفية