مقتطف من رواية “تأملات أقوى من النسيان” للكاتب سيدي علي بلعمش
الكتابة ليست تجميلا للمشهد الحياتي و لا تحريضا عليه و إنما هي مداعبة استفزازية لوجه الحقيقة المشوه أحيانا.. و أحيانا استقرائية لتمسرح الخطأ و الصواب بتعايش في المشهد الحياتي.
و لا ينبغي أن تحاول الكتابة أن تكون واقعا حقيقيا و لا افتراضيا، فالكاتب ليس مهندسا و لا منظرا : حين تكون مسكونا بحب اكتشاف أوجه الاختلاف بين الأشياء المتشابهة و أوجه التشابه بين الأشياء المختلفة ، يكون من الصعب تعريف حرفتك : فمهمة المهندس هي تكييف وسائل الحياة مع متطلبات الإنسان عن طريق رسم الأبعاد و مهمة الفنان هي إبراز أوجه الجمال عن طريق الظلال، أما الكاتب فلا يتمتع بانحياز المهندس و لا بحياد الفنان. و هذا ما يجعله بطل مهمة خاصة تحدد وسائلها طبيعة المهمة بطريقة استثنائية في كل مرة، حتى لا تكون الكتابة مهنة ترسم خارطتها الحاجة و ينفذ خطتها الواهمون أن ما يملكون من تفاصيل تكفي وحدها للعبور إلى جسر الإبداع بكل سهولة.
فهل تمثال الحرية عمل معماري أو فني؟ بمعنى آخر ، هل تم بناء المشهد الفني فيه عن طريق المعمار أو تم بناء المشهد المعماري فيه عن طريق الفن؟
الفنان سيقول لك رأيا محايدا لأنه لا يقبل أن يكون مهندسا و المهندس سيقول لك رأيا منحازا لأنه لا يقبل أن يكون أقل من فنان.
و هناك رأي آخر يجعل الظلال أبعادا للأبعاد ليشكل فنا ثالثا هو الكتابة لا يختلط فيه الفن و المعمار و إنما يأخذ كل منهما مكان الآخر في غيابه.
هذا التعقيد الجميل الذي يجعل من كل قارئ فنانا آخر، هو مهمة الكاتب التي نتجنى دائما على الكتابة حين نبحث لها عن تعريف.
المهندس يجعلك تمشي على البحر و الفنان يجعله لك في بيتك، أما الكاتب فلا يقدم لك حلولا و لا اقتراحات لكنه يجعلك تتساءل، لماذا تذهب إلى البحر و لماذا تأتي به إليك؟
هنا، حين يجعل الأشياء تتحرك بداخلك، ينسحب عنك الكاتب بعدما التقطت الفيروس فتصبح إنسانا!
و إذا لم تكن ملكا أو رئيسا عربيا، لا يمكن أن تتحرك بداخل الحياة و تكون سعيدا. فالإنسان يكون أضعف من أن يكون سعيدا فقط إذا كان أكبر من أن يكون تعسا. لهذا يقولون إن أكبر طبيب هو ذلك الذي يستطيع أن يلهم الخائب البائس بالأمل و الرجاء. و هذه ليست مهمة الكاتب بكل تأكيد لكنها معيار عبقريته التي لا تكتمل دون قول “بارت” : “ميلاد القارئ رهين بموت المؤلف” .
لكن ، “مهما تكن الموهبة التي تتمتع بها ، استخدمها .. ألا ترى أي صمت كان سيخيم على الغابات لو أن الغناء اقتصر فقط على العصافير ذات الشدو الحسن”؟
هكذا يدعونا “آندري موروا” في ما أفهم، إلى كتابة الرواية لأن “غناء العصافير ذات الشدو الحسن” هو بكل تأكيد قصة الغابات القصيرة الأجمل، بلحن قصيدتها الأعذب.
تقول المبدعة التشيلية “إيزابيلا ألندي” : “إن الرواية مشروع طويل النفس ، و لا بد أن يتمتع الكاتب بالصمود و الانضباط بصورة خاصة ، فكتابة الرواية أشبه بنسج سجادة متعددة الألوان حيث العمل يتم بالمقلوب بصبر غرزة بعد غرزة مع الانتباه إلى التفاصيل حتى لا تبقى عقدة ظاهرة و كل ذلك وفق تصميم غامض لا يمكن تقديره إلا في النهاية عند وضع الخيط الأخير و قلب السجادة على وجهها لرؤية الرسم مكتملا و بقليل من الحظ يحجب سحر العمل بمجمله العيوب و النواقص”. ألم يكن قول “موروا” : “ألا ترى أي صمت كان سيخيم على الغابات لو أن الغناء اقتصر فقط على العصافير ذات الشدو الحسن” رسما كاريكاتيريا لأسلوب التداعي في الذكريات الذي يتداخل الماضي فيه بالحاضر على بساط سجادة “إيزالبيلا” قبل قلبها على وجهها بعد الغرزة الأخيرة؟
نعم ليس من الضروري أن تكون ذلك العصفور ذو الشدو الحسن ليكون من حقك وحدك أن تغرد في الغابة لكنه عليك حتما أن تبحث عن موقع صوتك داخل المعزوفة حتى لا يكون نشازا.
و طريقة البحث عن موقع صوتك المناسب ليست عملا سحريا و إنما هي بديهية تدلك عليها “فيرجينيا وولف” برهافة الأنثى و تألق المبدعة : “أما ما يتعلق بكتابي الجديد فإني سأمانع نفسي من كتابته إلى أن يفرض نفسه علي كثمرة ثقيلة في عقلي تتدلى مطالبة بقطفها”
و “رحلة الاستكشاف الحقيقية لا تتطلب استشراف آفاق جديدة فقط و لكن امتلاك عين جديدة” كما قال “مارسيل بروست” و أهم هذه الأعين الجديدة هي الرواية الحديثة بكل تأكيد ، بآفاقها المفتوحة و نظرتها البانورامية و أسلوبها الثوري .
لقد قرأت الكثير عن الرواية لكنني تعلمتها من “إيزابيلا ألندي” التي ردت ذات مرة على سؤال أحدهم ، عن البناء الدوري لرواياتها ـ في مؤتمر صحفي بإسبانيا، إثر استلامها لجائزة لم أعد أتذكر عن أي أعمالها ـ بأنها لا تعرف البناء إلا في خرائط زوجها المهندس و لا تعرف من الدورات إلا الدورة الفلكية و الدورة الشهرية عند النساء .. و تعلمتها من روايتها “باولا” على وجه الخصوص ، تلك الرائعة التي ترجمت إلى أكثر لغات العالم في سنواتها الأولى .
و لم تكن الكتابة حرفة على الإطلاق عند إيزابيلا بل كانت نداء الشقاء الباطني الذي يستحيل أن يكون صاحبه سعيدا ، لأنها كانت مبدعة كبيرة و لأنها ابتليت بكتابة الرواية و الجديدة منها على الأخص، التي يغوص الكاتب فيها في عمقه لا في عمقها و يرسم حدود أطرافه بنفسه و يطرح شروطه على النص .
هذه الرحابة التي تتمتع بها الرواية الجديدة هي التي جعلتها تزدهر أكثر في البلدان التي تعاني نقصا في الكتاب و الكتابة.
و يمكنك بسهولة أن تكتب نصا رائعا في هذا العالم الثالث الذي لا يوفر لمواطنيه إلا أسباب الكتابة، لكنه من الصعب أن تكون مؤثرا فيه إلى الحد الذي يلقى فيه ما تكتب اهتماما كبيرا أو أن يكون له انعكاس حقيقي على الأرض لأن هموم الناس تظل حتما أكبر من هذه النصوص المهجنة و المقيدة بعناد اللغة و خيانة التعبير و تمنع الإبداع و سوء الحظ و سطوة الرقابة و صعوبة الصدق في مناخ كهذا معادي في كل تفاصيله للكاتب، و زمن كهذا تتسيد فيه القيم المادية المجردة من الأخلاق.
الرواية الجديدة هي وحدها التي أصبحت قادرة بفضائها المفتوح، على تحمل همومنا بتشعب أبعادها و أسباب أسبابها. و الرواية الجديدة وحدها هي التي تمتلك خاصية التمطط بحجم و شكل همومنا.
و لم تعد الرواية تحتاج إلى ذلك الشطط الخيالي المريض الترف و النزعة فـ”ما حاجتي إلى الخيال.. إن الواقع أشد هولا” كما قال غابرييل غارسيا ماركيز في حديثه عن قساوة الحياة في كولومبيا.
ما أروعها و أعمقها و أصدقها من حقيقة مؤلمة!
فأي خيال مهما كان وسعه يمكن أن يعانق أو يلامس دوني الحقيقة في هذا العالم الثالث المحكوم بقهر الترغيب و الترهيب و الأنانية و التسلط؟ و “يمكننا أن نغفر الكثير.. لكنه علينا أن لا ننسى أي شيء” كما قالت المناضلة الغواتيمالية الكبيرة “ريغو بيرتا مينشو” .
إن ما يحدث على أرضنا نحن من قهر و غبن و فساد و تحد لمشاعر الإنسان تعجز كل العبارات عن التعبير عنه و ينهزم كل مبدع في مواجهة تشعبه و تكذب الديمقراطية الغربية المستوردة القشور، إذا قالت أنها تساهم في غير استفحاله بسوء نية و بكل ترصد و سبق إصرار. و إذا لم نكن قادرين على غفران أكثره سنحول أرضنا بكل تأكيد إلى بركة دماء بلا قاع ، لكنه علينا ـ حتى يظل الانتقام طبقا يؤكل باردا ـ أن لا ننسى أي شيء . و تلك هي مهمة حراس الذاكرة و الوجدان الخالدة التي تجعل من الرواية الواقعية الجديدة مرجعا لا يمكن الاستغناء عنه و عملا فنيا بكل المعايير يحتاج الصدق و تحتاجه المصداقية.
لن تحاول هذه الرواية أن تستفز أحدا أو تغضبه لكن المؤكد أنها لن تحاول أن تخطب ود آخر و لن تبحث عن مراضاته.
إن من أروع ما تأثرت به في حياتي هو قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لم يترك لي الحق صاحبا”
تلك هي الشجاعة الحقيقية التي يحتاجها كل كاتب و كل صاحب رسالة و التي يقف الكثيرون دونها و يخاف الكثيرون دفع فاتورتها. فأول الحكمة ، كما قال “المهاتما غاندي” هي أن تعرف الحقيقة .. و آخرها أن لا تعرف الخوف”.
و حين تصبح للكلمات وظائف لا معاني و يصبح الإنسان البسيط يبحث عن معنى المعنى ، تكون حاجتنا إلى الرواية أكبر و ألح لأنها هي وحدها التي تسمح لنا بطرح شروطنا على النص للغوص في أبعد حدود فضولنا الذي ترفضه أكثر الفنون التعبيرية الأخرى.
الرواية وحدها هي التي تجعل من هذيانك فنا رائعا و من سذاجتك فلسفة لأنها هي وحدها التي ستسمح لك بأن تتكلم حتى النهاية، التي يجتاحها الآخرون للتأكد من أنك لم تكن مجنونا و إنما واقعك هو الأجن.
و لتكون الرواية أجمل و أعمق و أقدر على الغوص في الألم الإنساني ، كان لا بد أن تترك لمن حفرت في أعماقهم، فالفن الروائي لا يدرس ـ لا حتى في “آتلييه الكتاب” في أيوا الأمريكية ـ و إنما يحفر فينا حفرا .. فإما أن تكون روائيا و إما أن لا تكون.
و لأن كلمة رواية تنتمي إلى التعبير الشارح فهي تعني ما تعنيه بالضبط من دون أي شرح خارجي دأب النقاد على صبغه بما فيهم لا بما فيه .. و قيمتها في ما تقول لا في ما يحدد لها المنظرون أن تقوله.
كل هذا جعل من الرواية فنا بديعا متمردا على قوانين النقاد لا الكتابة، بحثا عن جماليات الفن في عيون المارة لا في قواميس التنظير، لتكون لكل رواية شخصيتها الخاصة و لونها الخاص و قوانين حركتها الخاصة. فلا توجد رواية حقيقية تشبه أخرى و لا تستدل بها على أهدافها و لا تستعين بها للوقوف على أرجلها. و إذا كان لاتينيو أمريكا أبدعوا كثيرا في ها الفن ، فليس لأنهم من طينة واحدة و إنما لأنهم أبناء مأساة حقيقية عجز أن ينوء بها غير الرواية في حين ظل الأمريكي المدلل يموت بغباء و تموت معه تلك الملكة التي تحتاج دوما ـ حين تحفر فيك ـ إلى ما يفجرها أكثر ممن يكتبها.
و الروائي الحقيقي لا يمكن أن يكون ورشة إنتاج لأن الرواية تكتب نفسها. و ما تأخذه منك الرواية ـ حين تفرض نفسها ـ لا يسترد بأي شيء آخر، إذا كنت في مسارها عضوا نبيلا.
لم يعد على أرضنا نحن ما يتسع له مقال أو بحث أو قصة. لقد انحرف كل شيء عن مداره. لا توجد في بلادنا اليوم ظاهرة صحية واحدة .. لا يوجد في بلادنا اليوم شيء في موقعه الطبيعي .. لا يوجد فيها اليوم شيء مثل أي شيء في أي بقعة من الأرض.؟!
لا يمكن اليوم أن تثق في أي أحد في هذا البلد.. لا يمكن أن تعتمد على قانون يحميك.. لا يمكن أن تأمن أقرب الناس إليك .. لا يمكن أن تأخذ كلام أصدق الناس فيه على محمل الجد.. لا يمكن أن تحصل فيه على أي حق شرعي لك من دون اللجوء إلى باطل.. لا يمكن اليوم في هذا البلد أن ترى بارقة أمل في عيون جيل أو مبادئ فئة أو كتابات مثقفين أو إصرار متألمين أو إرهاصات طلائع.
لقد تحولت قصتنا البسيطة خلال أربعة عقود من الزمن، إلى رواية معقدة، انحرف فيها شعبنا إلى مستنقع الرذيلة.
مجتمع كامل يتخبط في السفالة و النذالة و الجبن و الذل.
مجتمع كامل تسوقه عصابة مافيا إلى الرذيلة بالتجويع و التركيع .
مجتمع كامل يستسلم في لحظة واحدة لمنطق الجلاد.. و شروط الجلاد .. و قوانين الجلاد .
مجتمع كامل يتنازل عن قيمه و أخلاقه و دينه مقابل عبوديته.
مجتمع كامل يمتهن الكذب و النفاق و الغش و التزوير و التجسس و النميمة و خيانة الأمانة و خيانة العهد و خيانة الضمير؟
مجتمع كامل يتعذب ، تعيش على ظهره مجموعة صغيرة من قطاع الطرق لم تستحق ركوبه بالقوة و لا بالشجاعة و لا بالحكمة و لا بالعقل و إنما بمجرد صدفة سيئة ؟
مجتمع كامل ، ليس فيه من يسأل لماذا؟ .. ليس فيه من يتساءل ، إلى متى؟ .. ليس فيه من يرفع صوته .. ليس فيه من يعصي أمرا .. ليس فيه من يخاف غير جلاده .. ليس فيه من يطمع في غير جلاده .. ليس فيه من يعبد غير من كان يفترض أن يحتقره؟
“ما حاجتي إلى الخيال.. إن الواقع أشد هولا” ؟
لقد لخص هذا الرجل كل قصتنا في جملة بتفاصيل تفاصيلها، لكنه يظل من واجبنا أن نكتبها على طريقتنا.. أن نطليها بدمنا .. أن نمزجها بعرقنا .. أن نعلن عن وجودنا من خلالها على طريقة ديكارت “أنا أفكر فأنا إذا موجود” و إن كان أجدر بنا أن نقول ـ للأمانة العلمية ـ نحن لا نفكر و على الرغم من ذلك نحن موجودون لنشكل استثناء القاعدة كما نشكله بامتياز على أكثر من صعيد آخر.
تحولت قصتنا البسيطة إلى رواية معقدة .. سقطت القصة فأصبحت الرواية اتجاهنا الوحيد المسموح أو الممكن أو المتاح. و من يتجه منا إلى الرواية بلا قناعة أن الواقع أشد هولا ، يسيء إلى الرواية و يسيء إلينا لأنه بذلك يجعل ما يحدث على أرضنا دون الخيال و هذا تجني على الحقيقة و علينا، لا يكون إلا من أجل لفت الأنظار عن الواقع.
و ليس من السهل أن يحافظ الكاتب طويلا على حياده ، لكن كيف يكون الإنسان حياديا أصلا في أمور تمس حياته من كل جانب بل تنكأ جراح حياته من كل جانب ؟ و هذه الخصوصية هي ما يجعل الرواية الواقعية الجديدة مجالا للتداوي قبل أي شيء آخر.
و لأنك تحاول قتل الفطريات المزعجة بما تكتب في الرواية سيكون سهلا عليك أن تفهم أنك لن تكون في مأمن منها قبل تطهير البقعة كلها من حولك حتى لا يكون ما تكتب عنه أهم من وظيفته و أسبابه حيث يسقط الكثيرون.
و لا أحاول هنا من خلال هذه الديباجة التنظير للرواية، بل هو استنطاق لها دون سابق تصميم، أحاول من خلاله رسم طريقي، لا فرض القيود على غيري. فحين تأتي هذه الرواية مقبولة في النهاية لن يهمني كثيرا كيف تم ذلك ، لكن مهما عاند الحظ ستكون حتما كذلك لأنه علي هنا أن أتشبث بقول آلبيرتو موروفيا “إني أؤمن بالإلهام الذي يأتي و لا يأتي و لكنني لن أجلس في انتظاره”
سيكون علي هنا أن أطهر كل شيء من حولي و هي مساحة كبيرة بكل تأكيد و مهمة شاقة بلا شك و هذا يعني حتما أنني سأغضب الكثيرين و أنه علي أن أكون واعيا لكل ذلك و مدركا لكل أبعاده و مستعدا لدفع فاتورته، لأنه من دون هذا الاستعداد الكامل و ما يتطلب من جرأة و تحد و تضحية ، يكون من الأفضل لي أن أسكت حتى لا أشوه حقائق تمس حياة الكثيرين و تضفي على حياة الكثيرين من البؤس ما تعجز العبارة عن حمله.
سيكون علي أن أحطم هذه الأصنام و أكسر التابوهات و أتحدى التحذيرات و أقتحم جبروت كل ممنوع.. و طغيان كل مطلق.
لن أبحث عن أصدقاء و لن أبالي بأي أعداء.
سأتفرس بكل غضب في وجه رتابة هذا الواقع المتحكم بمنطقه الفريد الخرافة، في مصائر الجميع .
و سأكون أكبر بكل تأكيد إذا استطعت أن أحب الجميع من دون أن أصادق أو أعادي أيا منهم، لكن هل ما زال بيننا من يبحث عن الحب.. من يؤمن به .. من يفهم ما يعنيه .. من يفرق بينه و بين عكسه .. من لديه الوقت لتصاون مسرحه .. من لديه الصبر لتحمل حرقته .. من ما زال في نفسه بعد إنساني لتحمل مرارة وعكاته؟
ذلك ما تحاول هذه الرواية الغوص في أبعد أبعاده من كل جانب.
في هذه الرواية يتعانق الحزن و الكبرياء بألم .. و الألم و الأمل بكبرياء في بلد يولد فيه كل شيء ثائرا و يموت خائنا.
ربما يكون علي بعد هذه الرواية أن أفقد أعز الناس علي.. و أن أهجر وطني .. و أن أحمل أمتعة التسكع على كتفي إلى ما لا نهاية، و رما لا يكون هذا أغلى ما أدفعه، لكنه سيكون أصعبه بكل تأكيد.
سيدي علي بلعمش