جحيم دكار.. ربع قرن من النسيان
يقول العلامة حمدا ولد التاه في وصف بليغ لحال موريتانيا غداة احداث السنغال المؤسفة:
مسكينة سقطت فريسة من غَوَى * والذئب يعبث بالشواكل والشوى والغرب ينظر في ابتسام شامتٍ * والله يعلم ما أراد وما نوى
لما دعت إخوانها مذعورة * إخوانها في الأمر ما كانوا سوى ليس الذي يهب السلاح وإن نأى * مثل الذي يهب السلام وإن ثوى إن الحياد من الأحبة جفوة * مهما تَلَطَّفَ في العبارة والتوى أما الذين ترونهم إخوانكم * فهم الذين تألبوا يوم التَّوَى والصلح ما لم نستعد أسلابنا * وحريمنا عار على سقط اللوى
تمر هذه الايام الذكرى الخامسة و العشرون لمأساة احداث موريتانيا و السنغال التي خلفت شرخا عميقا في علاقات البلدين و شرخا اعمق في نسيجنا الاجتماعي و تركت جرحا غائرا في وحدة وطنية هشة ما اعطى لآلاف المتاجرين بمآسينا داخليا و خارجيا فرصة النيل من الوطن و وحدته.
ليس الغرض من التذكير بهذه المأساة نبش الجراح او احياء النعرات انما هو محاولة اخذ الدروس و استنتاج العبر من تجارب ما زالت قابلة للتكرار اذا استمر الباب مشرعا امام ادعياء الدفاع عن حقوق الانسان او بالاحرى حقوق فئة على حساب اخرى في النفخ في نار تحت الرماد و محاولة علاج آثار تلك الفاجعة بحلول عرجاء تفتقر للانصاف و تلغي حقوق مظلومين لا بواكي لهم و كأن الجريمة لم تقع على ضفتي النهر.
ربع قرن و مشكل الارث الانساني و الحديث عن جرائم ابادة حدثت على الضفة الموريتانية من نهر السنغال تصم الآذان و تدفع الخزينة عنها تعويضات بالمليارات و تستقبل عائدين بالآلاف من الضفة الجنوبية ولكن بالمقابل اين حقوق المسفرين من الضفة الاخرى هل نسمع لمأساتهم ذكرا؟؟ من يذكر أو يتذكر آلافا احرقوا في جحيم دكار و آخرين دفنوا في مقابر جماعية طمست معالمها في بواكي و لوغه واندر، ربع قرن ولا حديث عن عودة من هجروا قسرا من ديار سكنوها لقرون اما تعويضهم عن ملياراتهم المسلوبة فدرب من دروب الخيال مع ان اغلب المسفرين من السنغال كانو من حملة جنسيتها و رجال اعمالها فلماذا هذا الصمت المطبق عن حقوقهم يا ادعياء المساواة و سماسرة الارث الانساني ام ان عدالتكم تنظر بعين واحدة و تكيل بمكيالين؟؟
ناهيك عن خلق ازمة ٨٩ صداعا مزمنا في العلاقة بين بلدين شقيقين تربطهما اواصل الدين و تجمعهما عوامل الجغرافيا و التاريخ فقد عمقت ازمة الهوية في موريتانيا و وضعت قضية الوحدة الوطنية على كف عفريت لا زالت تترنح عليه رغم ما قدمته موريتانيا من تنازلات و ما ازجلت من تعويضات في حين بقي الجانب الاخر معفيا من ضرائب المساءلة و الانصاف مستكثرا على ذوي الضحايا كلمة اعتذار.
ان اي مصالحة حقيقية تسعى لانهاء جذري لتبعات تلك المأساة تتطلب انصاف ضحايا الضفتين و طي صفحة سوداء الى الابد و سن قوانين تجرم نابشيها و النافخين في نيرانها فقد خسرنا من دماءنا و اموالنا ما يكفي لمشكلة كان البلدان ضحية لها و دفعت موريتانيا منفردة ثمن تسويتها
لقد زعزعت تلك المأساة بشكل كبير ثقة الموريتانيين في مبدء التضامن العربي ممثلا في موقف الحياد الذي تبنته الجامعة العربية، حياد كان في الحقيقة اقرب الى مناصرة السنغال رغم حاجتنا الماساة يومها للدعم السياسي و العسكري كقطر عربي مهدد في وجوده أما الدول الغربية فتبنت الموقف السنغالي دون تفكير او تحقيق في حين تبقى نصرة عراق الشهيد صدام المجيد الموقف النشاز في دعمنا يومها بالمال و السلاح .
اننا و نحن نتذكر مأساة بهذا الحجم لنطلب من الجميع حكومات و منظمات حقوقية طي الملف طي مصالحة تنصف جميع ضحاياه او فتح تحقيق يطال الضفيتين و عدالة تساوي الكفتين فالصادق في احقاق الحق و انصاف المظلوم لا يكيل بمكيالين.