استثمار الحاضر أولى من بناء المستقبل
“البراعة هي قدرتك على التعبير عن وجهة نظرك دون أن تخلق لك أعداء” خلال استقباله للدالاي لاما، زعيم شعب التبيت الروحي، سأله بعض الرؤساء قائلا : · عزيزي “الدالاي لاما” هل لك أن تطلعني على سرك؟ أثناء الكوارث و المآسي و المسؤوليات و الأسفار و المؤتمرات كيف تفعل لتظل بكامل هدوئك؟ أجاب الدالاي لاما: · عزيزي الغالي خذ إليك و لا أكتمك سرا: إذا كنت جالسا، فإنني أكون جالسا. إذا استويت واقفا، فإنني أكون واقفا. إذا أكلت، فإنني أكون آكلا. إذا تكلمت، فإنني أكون متكلما. قال الرئيس متسرعا دون أن يتأمل الإجابة: · و لكن “عزيزي الدالاي” أنا أيضا: إذا كنت جالسا، فإنني أكون جالسا. إذا استويت واقفا، فإنني أكون واقفا. إذا أكلت، فإنني أكون آكلا. إذا تكلمت، فإنني أكون متكلما. · قال الدالاي لاما و هو يبتسم “لا”. صديقي العزيز، إليك الفرق: إذا كنتم جالسين، فإنكم تفكرون في الوقوف. إذا وقفتم فإنكم تفكرون في العدو. و إذا عدوتم فإنكم تفكرون في القصد.” إذا كنا نستطيع القيام بفعل فلنعمل. إذا لم يكن بوسعنا القيام بشيء فلنعش لحظة الحاضر بلا ندم و لا كارثية. إن أغلب مخاوفنا لن تتحقق أبدا. إنه من حقنا و واجبنا أن ننعم بكل لحظة سعادة دون إفسادها بهمومنا. أتمنى أن تعيشوا أكثر في الحاضر و أقل في مستقبل تسكنه الهموم و المخاوف. تملكون الحاضر و لا تملكون المستقبل. عيشوا كل لحظة تمر لما هي و ليس لما كان يفترض أن تكون. و كأني بزهير بن أبي سلمى ينشد و من حوله القوم ينشدون الحكمة: و أعلم علم اليوم و الأمس قبله و لكنني عن علم ما في غد عم فهل يأخذ سياسيونا متبصرين واعين من ناحية بحكمة زهير الذي رأى أن الدهر أيام ثلاثة يوم مضى و لا يعود و حاضر ماثل و قادم مجهول المعالم؟ و هل يأخذون من ناحية أخرى ببعد نظر فلسفة “الدلاي لاما” و قوة استثمار الحاضر عنده؟ و من المعلوم أن الدالاي لاما هو من يدرك بكل جوارحه و قدراته الذهنية و من خلال نضاله السلمي الطويل و سعيه إلى الحفاظ لشعب “التيبت” العريق على هويته و خصوصياته داخل حيزه الترابي و من دون أدنى شك أن الحاضر يحمل في طياته كل تفاصيل المستقبل و أنه لا مستقبل يبنى ما زال غيبا إلا بما يكون من استثمار الحاضر و هو الواقع المعيش بكل تجلياته و تفاصيله فقط لأن الحاضر هو الجزء الممتلئ من الكوب ولا بد أنه ببداهة هو الأحق بالاستثمار و الصيانة و الحفظ حتى يجر بثقة و أمان إلى المستقبل الهادئ. و لا يبدو لحد الساعة بما ينضح من أواني السياسة المترعة بالتناقضات أن قادتنا الميدان بكل لون الطيف على قدر و لو يسير من فهم هذه الحقيقة لا سيما أن الحاضر، و الذي يبدو من خلال الممارسات المرتبكة أنهم ليسوا مكترثين به بالقدر الذي يؤمنه لهم، مثقل بهموم الماضي الاجتماعية و السياسية و تداعيات أسوء الجوانب من إرثه. حقيقة مرة يرافقها في تناقض خطير عدم الاكتراث بها و لا مبالاة بالبحث عن حلول لتداعياتها التي تتعاظم يوما بعد يوم بفعل المتزايد بها. و إن الحوار هو الذي يشكل بمفرده فرصة حقيقية للإبحار في الذات و انتزاع ما يشوبها من الاختلالات التي أقلها عبئا “تزكية النفوس” عن التنازل خلال السجال السياسي المصيري. و قديما قيل إن الفرصة الحقيقية لا تتكرر و إن العاقل لا يلدغ من جحر مرتين. فهل يقتنص هذه الفرصة من بين كل الأطراف من للحكمة حضور في تركيبته النفسية أو التربوية أو الشخصية فيرتب الأمور على نحو مبتكر و سريع يعيد الجميع على مائدة الحوار و يبصر بخطورة فشله على المرحلة المقبلة من تاريخ البلد في ظل ما تشهده الخارطة السياسية العالمية و النفسية من تحولات كبيرة في كل أرجاء القرية الكونية الصغيرة؟