قصة اول امرأة قاضية في موريتانيا

عين المجلس الاعلى للقضاء، في اجتماعه المنعقد يوم الاثنين 30 دجمبر 2013،تحت رئاسة رئيسه، رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، المحامية أمامة بنت محمد ولد أحمد ولد بابه ولد الشيخ سيديا،  أول قاضية في تاريخ موريتانيا.

وكانت القاضية تعمل إلي حين ترقيتها مديرة للشؤون المالية واللوازم بوزارة العدل.

القاضية الجديدة تحدثت لأول مرة بعد تعيينها لوسيلة إعلام إفريقية (Afrik.com) في تقرير ننشر هنا أهم محاوره.

“من كان يظن ذلك ممكنا في موريتانيا؟.. كان من اللازم انتظار السنة 2014 لكي تتمكن امرأة موريتانية من اعتلاء منصب قضائي. تبلغ السيدة أمامه بنت الشيخ سيديا 44 سنة، وقد دخلت التاريخ عندما أصبحت أول امرأة قاضية في بلادها.

في منزلها بالعاصمة نواكشوط، الذي يعج بالناس، يمكن أن نسمع الأطفال وهم يتمازحون والزوار وهم يتحادثون. ليس لأمامه أية دقيقة لتخسرها. إن عليها أن توائم بين نشاطاتها المهنية وتسيير شؤون أسرتها. لكن ذلك لا يهم ما دامت هذه السيدة، المتزوجة بضابط سام في الجيش والأم لخمسة أطفال، تعرف جيدا العزف على مختلف الأوتار.

قبل سنوات لم تكن أمامه تتصور أبدا أنها ستصبح أول امرأة قاضية في بلادها. تقول في ذلك المعرض: “إنه لشرف لي عظيم أن أكون أول قاضية في موريتانيا خاصة أن النساء حاولن منذ سنوات ولوج قطاع القضاء”. مضيفة: “هناك فتاة مسجلة في مسابقة القضاء. إذن قريبا سنكون امرأتين في مزاولة الوظيفة القضائية”.

في البداية كان الأمر صعبا، وكانت أمامه على دراية بأن النساء محرومات رسميا من مزاولة القضاء في بلادهن، رغم ذلك سجلت في مسابقة القضاء. تقول: “لا يوجد أي قانون يحرم على النساء دخول المسابقة. إذن تشجعت وجربت حظي”. فنجحت متفوقة. غير أن نجاحها أثار جدلا كبيرا داخل اللجنة القائمة على المسابقة (لأن مجرد المشاركة في المسابقة غير ممنوع على النساء، أما مزاولة القضاء فموضوع آخر).

هل يمكن أن نسمح لامرأة بأن تصبح قاضية؟.. سؤال ما يزال حديث الساعة في موريتانيا. وفي النهاية تمكن المجلس الأعلى للقضاء، برئاسة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، من إنهاء هذا الجدل بتعيينه للسيدة أمامه قاضية. وبهذا الخصوص تردف أمامه قائلة: “ساعدتني كفاءاتي والدعم الكبير داخل لجنة التحكيم، كما أن رئيس المجلس الأعلى للقضاء لم يكن ضد فكرة أن تصبح امرأة قاضية، فبالنسبة له حان الوقت أن تلج النساء عتبة القضاء”.

لكن لماذا يكون وصول امرأة إلى الجهاز القضائي في موريتانيا مثار جدل؟.. بالنسبة لأمامه “فإن الرجال هم من يضعون العراقيل أمام النساء. وأكثر هؤلاء تطرفا يقول بأن بعض نصوص الشرع تحرم على المرأة أن تصبح قاضية. بينما الرجال والنساء يملكون، على حد سواء، نفس الكفاءات. ولا أرى إذن  كيف لا يمكن للنساء أن تصبحن قاضيات”.

يجب القول أن أمامه بنت الشيخ سيديا لا تتردد حين يتعلق الأمر بمبتغاها. لقد قامت ببعض دراساتها الابتدائية في المغرب وحصلت على الباكالوريا في نواكشوط، ودرست الانكليزية وعملت مترجمة، ثم التحقت بكلية القانون وأصبحت محامية متألقة قبل أن تشغل عدة وظائف في البنوك الموريتانية. ثم التحقت بعد ذلك بوزارة العدل حيث عملت بمصلحة الصفقات المالية العمومية التي فتحت لها الباب أمام مهنة القضاء. هذا المشوار غير غريب على السيدة؛ فجدها كان من القضاة الموريتانيين الأوائل، وكانت أمها أول امرأة موريتانية تحصل على شهادة ختم الدروس الإعدادية بالعربية، فعملت في وزارة المرأة. وتقول أمامه: “آمل بأن تحذو ابنتي الكبرى، التي تتابع دراساتها في مدرسة التقنيات المتعددة، حذوي”.

 

المسار العربي للنساء القاضيات معلوم أن البلجيكية ماري بوبولاند منعت من تأدية يمين المحاماة عام 1888 رغم عدم وجود شرط الذكورة في القانون، وهو ما حدث مع الفرنسية جان شوفان. ومعلوم أن المرأة لم تصل إلى منصب قاضية في فرنسا إلا سنة 1946، لكن النساء الفرنسيات أصبحن يشكلن اليوم غالبية قطاع القضاء؛ فهن يمثلن نسبة 80 في الماءة من حاملي الشهادات خريجي المدرسة الوطنية للقضاء، كما يمثلن نسبة 60 في الماءة من القضاة الفرنسيين.

 أما على مستوى العالم العربي فلم تعين قاضية مصرية إلا سنة 2003 عندما عُينت تهاني الجبالي في المحكمة الدستورية العليا، وفي عام 2007 عين مجلس القضاء الأعلي 31 قاضية مصرية. أما الدكتورة عائشة راتب فقد حرمت من التعيين في النيابة العامة عام 1953. وكانت المملكة المغربية أول دولة عربية تعلن عن تولي سيدة منصب القضاء. كان ذلك عام 1961 عندما تم تعيين الأستاذة أمينة عبد الرازق قاضية بالمحكمة الإقليمية بالرباط.  وفي أبريل1995 وصلت جميلة الشياظمي إلي أعلي منصب قضائي وهو الدرجة الاستثنائية. ومن أبرز القاضيات المغربيات خديجة الوزاني التي عملت كرئيسة لعدة مصالح وهيئات قضائية حتي شغلت منصب نائب الوكيل العام للملك لدي محكمة الاستئناف بالدار البيضاء.                        أما تونس فقد التحقت فيها المرأة بسلك القضاء عام 1968 وكانت آمنة شاتيوس أول قاضية تونسية، إلا أنها قبل أن تحكم في أي قضية، انتقلت إلي السلك الدبلوماسي. أما أول قاضية تونسية فعليا فكانت جويدة جيجة. وما أن جلست علي المنصة حتي حاول بعض الرجال حشد الرأي العام ضدها. فما كان من الرئيس الراحل بورقيبة إلا أن قال: “تـُـعامل كما يعامل الرجال، لها ما لهم وعليها ما عليهم”. وشيئا فشيئا أصبحت المرأة تمثل نحو 25% بالنسبة للرجال في القضاء. ومن أبرز التونسيات اللائي دخلن سلك القضاء مبكرا حميدة العريف التي حصلت علي الإجازة في الحقوق 1976 وقد تولت القضاء بالمحكمة الابتدائية بسوسة ثم المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة ثم مستشارة بمحكمة التعقيب وعملت قاضية ومدعيا عاما. وفي الجزائر لم تكن ثمة حساسيات إزاء تولي المرأة الجزائرية منصب القضاء عقب الاستقلال مباشرة. وظل الأمر كذلك عندما أصبح الالتحاق بمهنة القضاء يتم منذ عام 1976 بعد إجراء مسابقة وبدون تمييز بين الرجل والمرأة. وعبر سنوات طويلة تولت المرأة الجزائرية مناصب عليا في مجال القضاء حتي وصلت نسبة النساء من العدد الإجمالي للقضاة إلي نحو 35 في الماءة. أما في لبنان فلم تدخل المرأة في السلك القضائي إلا سنة 1967 بسبب عدم قبول طلبات ترشيح المرأة لدخول معهد الدروس القضائية لأسباب عديدة متعلقة بالعادات والتقاليد.

إلا أن بعض السياسيين والقضاة والحركات النسائية اللبنانية عملوا علي المطالبة بمساواة المرأة مع الرجل في هذا المجال ودعموها لدخول ساحة الحياة العامة ومشاركتها في العمل القضائي، وقد تجلى هذا الدعم في ازدياد عدد القاضيات حتي سنة 1990 إلا أنه خلال سنتي 1992 و1993 برز موقف جديد لمجلس القضاء الأعلي متمثلا في رفض قبول طلبات ترشيح قاضيات لكون عدد القاضيات قد ازداد في السلك القضائي، وقد تصدت له الحركات النسائية الداعية إلي عدم التمييز بين الرجل والمرأة وعقدت مؤتمرات واجتماعات مما أدي إلي إعادة النظر في هذا الموقف وقبول ترشيح القاضيات مجددا سنة 1994. وبدأ مجلس القضاء الأعلي يسند للمرأة العديد من المهام كرئاسة المحكمة الابتدائية ورئاسة محكمة الاستئناف. المرأة الأردنية من جهتها، بدأت تعمل بالمحاماة في الستينيات، ولم يتم تعيينها في القضاء إلا عام 1996 حيث كانت السيدة تغريد حكمت أول قاضية أردنية، وفي عام 1998 شغلت منصب قاضية في محكمة الجنايات ورشحتها الحكومة الأردنية لعضوية محكمة الجنايات الدولية (لاهاي) لمحاكمة مجرمي الحرب. وكانت ضمن 10 نساء مرشحات من قبل حكوماتهن في العالم كله لعضوية هذه المحكمة. وكانت بذلك أول قاضية عربية تعمل في القضاء الجنائي الدولي وتميزت ضمن فريق القضاة في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بالإبادة الجماعية في رواندا. وفي السودان التحقت المرأة بالعمل القضائي عام 1965. وأول امرأة اعتلت هذا المنصب القاضية إحسان فخري التي تدرجت في مهنة القضاء إلي أن تولت منصب قاضية بمحكمة الاستئناف وذلك في عام 1980 . وفي عام 1984 أوكلت إليها مهمة إنابة رئيس الجهاز القضائي بالخرطوم . وفي عام 1970 عينت أول قاضية شرعية هي القاضية نجوي محمد فريد. وقد توالي استيعاب المرأة في الهيئة القضائية حتي وصلت نسبتها في مراكز القضاء نحو 20 في الماءة. بالنسبة للمرأة السورية فدخلت عالم المحاماة مبكرا، لكن لم تدخل سلك القضاء إلا متأخرا عندما أصدر الرئيس حافظ الأسد عام 1975 قرارا بتعيين غادة مراد كأول قاضية سورية، وقد تقلدت منصب رئيس محاكم الاستئناف بدمشق كما شغلت منذ مارس 1998 منصب النائب العام لسوريا وأضحت عضوة بمجلس القضاء الأعلي الذي يتألف من ستة أعضاء من أعلي المراتب القضائية يترأسهم رئيس الجمهورية. وبعد غادة مراد ومنذ عام 1979 تم تعيين 12 امرأة في القضاء، ثم سمح للمرأة دخول مسابقات انتقاء القضاة، وفي عام 2007 أضحي هناك 200 امرأة من أصل 307 قضاة. وفي أواخر 2009 أصبحت نسبة القاضيات 16 في الماءة تقريبا. بخصوص اليمن، عملت المرأة كقاضية منذ عام 1971، وكانت أول قاضية في البلاد حميدة زكريا التي درست القانون في كلية الحقوق بجامعة القاهرة. وقد وصلت المرأة في اليمن إلي مختلف درجات القضاء وإن اقتصرت بعد اتحاد اليمنين علي العمل في المجال التجاري والأحوال الشخصية والمدنية فقط. وفي البحرين أصدر الملك قرارا بتعيين القاضية مني جاسم الكواري قاضية بالمحكمة الكبري المدنية لتصبح أول قاضية بحرينية تعمل في سلك القضاء بالمملكة، وكان الملك قد أصدر مرسوما عام 2002 بإنشاء النيابة العامة وجعل المرأة عنصرا في تشكيلها.

وفي يوم 26 مارس 2008 عينت الإمارات العربية المتحدة السيدة خلود أحمد الظاهري أول قاضية في البلاد. وبهذا تصبح الإمارات ثاني بلد عربي في الخليج بعد البحرين يعيّن امرأة في منصب قاضية.

وفي موريتانيا وصلت المحامية أمامه بنت الشيخ سيديا إلى سدة القضاء كأول قاضية في البلاد سنة 2014.

 

 

فتاوي حول القضاء النسوي

نرفق هنا استشارتين فقهيتين إحداهما للعلامة محمد سالم ولد عدود والأخرى للفقيه أحمد ولد النيني رئيس المجلس الاسلامي الأعلى أيام تقديم استشارته (فتواه).. الاستشارتان تجيزان عموما، ومع بعض التفاصيل، إمكانية تولي المرأة منصب القضاء. (أنظر النسختين المرفقتين).

أما مركز الفتوى العربي فأصدر على صفحته بشبكة الانترنيت الفتوى التالية حول عدم جواز تقلد المرأة لمنصب القاضي:

“الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز تولي المرأة القضاء والوزارة. وذهب أبو حنيفة إلى جواز توليها القضاء في الأموال دون القصاص والحدود. وقال محمد بن الحسن وابن جرير الطبري:  يجوز أن تكون المرأة قاضية على كل حال.إلا أن ابن العربيفي ” أحكام القرآن” نفى صحة ذلك عن ابن جرير الطبري، وتأول قول أبي حنيفة بأن مراده أن تقضي المرأة فيما تشهد فيه على سبيل الاستبانة في القضية الواحدة، لا أن تكون قاضية، قال: وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. واستدل الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وأهل الحديث على قولهم بأدلة عديدة، منها:

ـ عدم تكليفها بهذه الولايات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ .  قال ابن قدامة في “المغني”:  لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلد، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا.

ـ قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. قالوا: فهذه الولاية وهي ولاية الأسرة هي أصغر الولايات، وإذ منع الله المرأة من تولي هذه الولاية، فمن باب أولى منعها من تولي ما هو أكبر منها، كالقضاء والوزارة.

 ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.  قال ابن حجر في “الفتح”: قال ابن التين: استدل بحديث أبي بكرة من قال: لا يجوز أن تولى المرأة القضاء، وهو قول الجمهور. .

ـ الأحاديث النبوية المستفيضة في شأن المرأة، لا تجعل للمرأة ولاية على غيرها، بل ولا على نفسها في أخص شأن من شؤونها وهو النكاح، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. وكذلك جاءت السنة بمنع المرأة من السفر وحدها دون محرم، ولا أن تخلو بغير محارمها. 

ـ إجماع الأمة على منعها من تولي منصب الإمامة الكبرى، أي الخلافة على جميع المسلمين أو بعضهم، ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين في كل عصورهم، قالوا: والقضاء فرع عن الإمامة العظمى، فلا يجوز أن تتولاه امرأة. قال محمد بن أحمد الفاسي في” الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام” المعروف بشرح ميارة : واشترطت فيه ـ أي القضاء ـ الذكورة لأن القضاء فرع عن الإمامة العظمى، وولاية المرأة الإمامة ممتنع لقوله صلى الله عليه وسلم: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. فكذلك النائب عنه لا يكون امرأة. ويلاحظ من سرد هذه الأدلة أن الجمهور لم يستدلوا على عدم جواز تولي المرأة القضاء بحديث أبي بكرة فقط، بل ذكروا أدلة كثيرة.

أما العلامة القرضاوي فقال في حديث لبرنامج “الشريعة والحياة” على قناة الجزيرة: “لا يجوز للمرأة أن تعمل ما لا ينبغي لها شرعاً. لا يجوز لها أن تعمل ما يعود على وظيفتها الأساسية بالإبطال، لا ينبغي أن تعمل عملاً يتنافى مع واجبها باعتبارها زوجة أو واجبها باعتبارها أماً، وواجبها في تدبير البيت ورعاية الزوج ورعاية الأولاد، فكل عمل ينافي هذا ينبغي أن نمنعه. مسألة تولي المرأة للقضاء مسألة بحث فيها فقهاء المسلمون من قديم. جمهور الفقهاء يمنعون المرأة من ذلك، وحتى أنهم في كتب الفقه اعتبروا شروط تولي القضاء عشراً: الإسلام، البلوغ، العقل، العدل، سلامة الحواس ، ومن ضمن هذه الشروط الذكورة، أي أنهم جعلوا الذكورة شرطاً. اشترطوا شرط الذكورة لاستنادهم إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” واعتبروا القضاء هو نوع من أنواع الولاية، وقالوا أن القضاء يحتاج إلى كمال الرأي والمرأة ناقصة الرأي، ويحتاج إلى عدم التأثر بالعواطف والمرأة عاطفية. ومعظم استناداتهم استنادات قائمة على الرأي ليس فيها نص قاطع الدلالة، بدليل أن الظاهرية وممثلهم الإمام أبو محمد بن حزم، يرون من حق المرأة أن تتولى القضاء، والظاهرية هم أناس حرفيون يتمسكون بظواهر النصوص ويقاتلون دونها، فلو كان عند الظاهرية وعند ابن حزم نص يمنع المرأة، لتمسكوا به وحاربوا من أجله، لكنه لم يوجد، ولذلك هناك من أجاز للمرأة تولي القضاء. أبو حنيفة أجاز لها أن تتولى القضاء فيما تشهد فيه، أي في غير النواحي الجنائية، إنما في النواحي المدنية والمالية. الإمام أبو جعفر الطبري يرى أن من حق المرأة أن تتولى القضاء في كل شيء حتى في الجنائيات، فالمسألة خلافية. لو سألتني عن رأيي في هذه المعركة الخلافية لقلت لك بأنني أقر المبدأ، ولكن في التطبيق لابد أن يكون هناك ضوابط وحدود وشروط، فأنا لا أرى في نظري نصاً شرعياً يمنع المرأة من تولي القضاء، وهناك فقهاء كثيرون مثل الشيخ الغزالي رحمه الله يوافق على هذا، ولكنني أجيزه بضوابط. أولاً أجيزه كما قلت لأنني لا أجد نصاً. والقرآن الكريم ذكر لنا قصة ولم يذكرها للتسلية إنما ذكرها للعبرة، قصة ملكة سبأ المذكورة في سورة النمل، وهي المرأة التي حكمت هذه الدولة في الجزيرة في اليمن، وحكمتها في حكمة وكياسة وحسن سياسة، وحسن تدبير، وقادت قومها إلى خيري الدنيا والآخرة، فالقرآن حينما يذكر لنا هذه القصة لا يذكرها للمتعة ولا يذكرها للتسلية، إذن هناك من النساء من أفلح قومهم بملكهم.

وأول شرط كي تتولى المرأة القضاء أن تكون في سن قابلة لتولي مثل هذا الأمر، فليس من المعقول أن آتي بامرأة إلى القضاء وهي حامل وبطنها أمامها، وتعرض على منصة القضاء، أو حتى في الأيام التي تأتي فيها الدورة الشهرية للمرأة وتكون في حالة توتر، فلابد ألا تصل المرأة إلى القضاء إلا بعد أن تنضج من ناحية التجربة ومن ناحية الممارسة، ومن ناحية الجسم. والشرط الآخر أن تكون المؤهلات للقضاء متوفرة فيها: النفسية والعلمية والأخلاقية”.

ص العمال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى