ثلاثة أخطاء مفزعة في يوم واحد

حسب ظواهر الأمور فإنه يمكننا القول بأننا نعيش اليوم في ظل سلطة قوية، فهذه أول مرة يترأس فيها علينا رئيس برتبة جنرال، غير كبير في السن، جريء، وسريع في اتخاذ القرارات. أما إذا تركنا ظواهر الأمور، وتأملنا في بواطنها، فسنجد أننا نعيش تحت رحمة أضعف وأوهن سلطة عرفتها موريتانيا في كل تاريخها، منذ الاستقلال وحتى يوم الناس هذا.

لقد أصبح واضحا بأن الشيخ المؤتمن، والذي كنا نعتقد بأنه هو أضعف رؤساء موريتانيا، هو أكثر قوة من الشاب الجنرال، وبأن الدولة في عهد الشيخ المؤتمن كانت أكثر هيبة منها في عهد الجنرال الشاب.

ففي عهد الشاب الجنرال عشنا أحداثا مأساوية ما كنا نعتقد بأننا سنعيشها، وفي عهده عشنا انفلاتا أمنيا غير مسبوق، وفي عهده كادت الأمور أن تخرج عن السيطرة في أكثر من مدينة، وفي أكثر من مرة : في فصالة شرقا، وفي مقامة جنوبا، وفي ازويرات شمالا، وحتى في قلب العاصمة نواكشوط فقد كادت الأمور أن تخرج عن السيطرة أكثر من مرة، خاصة في يوم الاثنين الذي أعقب حادثة تمزيق المصاحف في مسجد خالد بن الوليد في مقاطعة التيارت.

إن الارتجال، والسطحية، والعجرفة، والغرور هي من أهم أسباب الضعف التي يعيشها النظام الحالي، وما حدث يوم أمس من أحداث مقلقة عند “كارفور مدريد” ما هو إلا نتيجة حتمية لثلاثة أخطاء تم ارتكابها في يوم واحد، وكل واحد من تلك الأخطاء الثلاثة يعكس مستوى الضعف الذي تعيشه السلطة الحالية.

 الخطأ الأول : لقد بدت السلطة ضعيفة أمام مطالب شرعية لمجموعة من الموريتانيين، ولم تستطع السلطة لضعفها أن تواجه أصحاب تلك المطالب من خلال الآليات والقنوات الطبيعية، والتي كان من المفترض أن تواجه بها أصحاب تلك المطالب، فتلبي من مطالبهم ما كان يمكن لها أن تلبي، وأن تعد بتلبية ما لا يمكن تلبيته بشكل فوري.

لم تكن السلطة شجاعة في مواجهة مطالب المبعدين، بل إنها ضعفت ولم تتجرأ على مواجهتهم، وما كان منها إلا أن طلبت منهم أن يعودوا من حيث أتوا، أو أن يذهبوا إلى أي مكان آخر، المهم أن لا يولوا وجوههم شطر القصر الرئاسي، وكأنهم جاؤوا من “بوكي” وقطعوا كل هذه المسافة الطويلة ليتفرجوا على الزحمة عند ملتقى “كارفور مدريد”. ومما زاد الأمور تعقيدا هو أن الرئيس كان قد استقبل من قبل مسيرة المبعدين، مسيرة قادمة من نواذيبو، وأخرى قادمة من ازويرات.

إن هذه الازدواجية في التعامل مع المسيرات الراجلة القادمة من خارج العاصمة قد جعلت بعض المشاركين في مسيرة العائدين، أو بعض مستقبليهم يعتبر بأن شيئا من العنصرية هو الذي كان وراء تصرف النظام بمثل هذه الازدواجية في التعامل مع المسيرات.

الخطأ الثاني : إن الخطأ الثاني الذي ارتكبته السلطة هو السماح لأصحاب المسيرة ولمستقبليهم أن يتجمهروا في مكان شعبي لا يوجد به أي مبنى حكومي. ولقد سمحت لهم بذلك التجمهر بعد أن تعاملت معهم بأساليب غير لائقة يمكن أن تفسر لدى البعض منهم بأنها كانت نتيجة لنظرة عنصرية.

لقد منعت السلطة أصحاب المسيرة من أن يتجهوا إلى القصر الرئاسي حيث أرادوا أن يوصلوا مطالبهم، وتركتهم يذهبوا إلى الأحياء الشعبية، وكأنها بذلك قد أرادت من أصحاب المسيرة ومستقبليهم بأن يفجروا غضبهم في منطقة شعبية لا يوجد فيها أي مبنى حكومي.

وبالمختصر المقلق، لقد أرادت السلطة أن تقول لأصحاب المسيرة ولمناصريهم: لقد تعاملنا معكم بطريقة عنصرية، فتعاملوا أنتم إذا ما شئتم مع عابري “كارفور مديريد” أو مع الساكنين بجواره بعنصرية.

الخطأ الثالث: لقد تركت السلطة مواطنين أبرياء يتعرضون لهجوم طائش من بعض مستقبلي المسيرة، فتم تكسير سيارات، وتم الاعتداء على مواطنين أبرياء في منازلهم، أو على قارعة الطريق، هذا فضلا عن سبهم وشتهم ووصفهم بعبارات عنصرية غير لائقة.

إنها أخطاء ثلاثة حدثت في يوم واحد، وهي أخطاء لابد أنها ستثير قلق وفزع كل عاقل، خاصة إذا ما تم وضعها مع سلسلة طويلة من الأخطاء المقلقة التي سبقتها.

وأمام كل هذه الأخطاء المفزعة فليس أمامنا إلا أن نقول: حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى