نهاية معروف ولد هيبة
بالأمس توفي صبراً في سجن الجنرال عزيز أبو قتادة الموريتاني: معروف ولد هيبة. كان أبو قتادة مثالاً آخر للأمثلة الكثيرة التي لعب بها الجنرال عزيز. فقد تحصّلت لدى السلطة الموريتانية المُطاح بها في انقلاب 2008 قناعة أن عناصر أمنية سهّلت تسرب الإرهاب لزعزعة النظام. وفي هذا الإطار تمّ السماح لمعروف ولد الهيبة وجماعته بتهديد العاصمة في 2007.
وقد أمسكته استخبارات دركية-شُرطية بعد أيام حامية في نواكشوط. ورغم أن الطغمة العسكرية واصلت إطلاق سراح إرهابيين إلا أن معروف ولد هيبة، الذي ربما كان يحمل سراً بقيّ برسم السجن.
ما نعرفه هو أن السيد هيبة كان فتىً ذا خيلاء ثم انعطف انعطافة وحيد القرن و”حسن إسلامه” والتحق بتدريب عسكري في شمال مالي مدة أسابيع. هل زرعته المخابرات؟ أم أنه كان مجرد طفرة إيمانية جهادية اعتيادية. (أنا أرجح الأخيرة، فأنا لا أميل إلى التحليل المخابراتي وأعتقد باجتماعية الظواهر الجهادية). ولكن الجنرال عزيز، الطامع في السلطة من مكتبه الاستشاري-الحرسي في القصر الرمادي، استفاد من عودة الجهاديين إلى نواكشوط.
وسُرعان ما أعلن عزيز عن خفوت الإرهاب لما توّطد حكمه. ومن الواضح أنه لم يكن يتحكم في عملية تورين أو في عصابات عمر الصحراوي. وفما عدا هذا، استسلم حلفاؤه السلفيون. سكوت مريب. ولاحقاً في 2012-2013 سيظفر جناح من هؤلاء السلفيين بدويلة شمال مالي الوجيزة التي صنعها كلٌ من الجنرال عزيز ووالده، نيكولاي ساركوزي.
وفي 2010 شرع الجنرال عزيز في عملية تأهيل للأصوليين القتاليين فأرسل لهم مجموعة من حلفائه العلماء، كان أبرزهم، على الأقل لدواعي إعلامية، الشيخ محمد الحسن ولد الددو. وشرع الددو في محاورة غلمان القتالية، الذين بطبيعة تكوينهم الفتواتي والتسطيحي للشريعة الإسلامية لم يكونوا ليصمدوا أمامه. رغم هذا ظلّ هنالك تشكيك في نجاعة بل وجدية الحوار، فقد اعتبر السلفي الشهير، أعمر ولد محمد صالح المعروف بالبتار، وهو أحد أكثر السلفيين لموريتانيين المسجونين ضراوة، أن الحوار لم يكن غير “تحقيق استخباراتي”. واعتبر أن بعض العلماء أقرّ أمامهم بكفر الدولة. ولاحقاً نسبت مواقع إعلامية للخديم ولد السمان قوله أن الددو نفسه قد أفتى لهم في مرحلة سابقة بقتال الدولة ثم عاد وأفتى لهم بمحاربتها. هل كان حواراً صورياً، وليس أكاديمياً، استخدمت فيها الأحلاف، وليس الآراء، لاستدرار تنازلات أو تكتيكات؟ لا نعرف بعد.
غير أن ما يهمنا هنا هو أنه في ذلك اللقاء استسلم معروف ولد هيبة وأعلن عن اقتناعه بآراء الشيخ الددو والعلماء، بل إنه أعلن بيعته للجنرال عزيز ووصفه بـ”إمام الدولة الإسلامية”. وكان من الواضح أن الجنرال عزيز يمتلك فصيلاً جهادياً خاصاً به. وكان يمكن لولد الهيبة، لولا البانوبتيكون الغربي، أن يكون أميراً لصالح الدولة الموريتانية. ولكن لسوء حظه فهو معروفٌ فعلاً لا اسماً فقط. وكان هذا كافياً ليُحرم من الإعفاءات التي أطلقها الجنرال عزيز بحق السلفيين الأقل شهرة. لأن العفو عن معروف سيكون مكشووفاً. ولا نعرف أين هم هؤلاء السلفيين الآخرون الذين أعفيّ عنهم وما هي الأدوار الاستخباراتية أو السياسية التي يلعبونها. وكل ما نعرفه هو أنه بعد سنوات، وتحديداً في 2013، سيظهر حزب سلفي برائحة “وسطية” (يا روح أمك!).
وطبعاً رفض الجناح السلفي الراديكالي استسلام ولد هيبة وهدّده البتار بالقتل في رسالة مفتوحة في 2010. وقيل أن الشقة تباعدت بينه وبين ولد السمّان، آخر حلفائه. ولسوء الحظ لم ينعم ولد هيبة ببيعته للجنرال عزيز الذي توقف فجأة عن الحوار واختطف السلفيين إلى مكان مجهول. كان اسم معروف قد أصبح معلمياً ولم يعد يمكن إطلاق سراحه في ظل الدعاية الأمنية للجنرال عزيز، الذي أصبح يقدّم نفسه أنه “قاهر الإرهاب”.
وتُرك ولد هيبة للأمراض والجوع في إحدى أسوأ السجون في المنطقة. وقد سكت ضمير المجتمع السياسي عن عذاب السلفيين. وأسلم معروف الروح. ولا نعرف هل مات كمداً أم صبراً أم احتساباً. ولكنه، مقاتلاً أم سجينا، كان ضحية أخرى من ضحايا السلطة التي تحكم منذ 2008.
تدوينة من صفحة الكاتب عباس ابراهام