عزيز ومأزقه الانتخابي
منذ انتخاباته الأخيرة للبرلمان والبلدية وعزيز ونظامه يتخبطان في مأزق انتخابي حقيقي، رغم تجاهل العالم لهذا التدني الكبير لمستوى المشروع الديمقراطي الموريتاني، لكن الغرب بصورة خاصة ينظر بمعايير مزدوجة ولا يرى عيوب حلفائه، الذين يقبلون إقامة القواعد العسكرية ويسمحون باستغلال الثروات بصورة عشوائية.
فانتخابات عزيز الأخيرة، لم تشارك فيها المنسقية، سوى حزب تواصل، وأداء اللجنة المستقلة للانتخابات وصل إلى درجة مثيرة للإشفاق من الفشل والانحياز الواضح. واليوم يستعد ولد عبد العزيز لخوض اقتراع رئاسي، تقاطعه المعارضة الراديكالية بصورة واسعة وفعالة، بما فيها حزب “تواصل” الذي يحظى بأكبر وجود معارض في الجمعية الوطنية، ويتعمق مأزق عزيز الانتخابي مع انسحاب ولد بوحبيني وتهديد بيرام بالانسحاب، خصوصا أن هذا الأخير في حالة حصل على نسبة ضئيلة في الانتخابات المرتقبة، قد يعني ذلك محليا ودوليا وبشكل خاص، ضمور وزنه السياسي والشعبي، وهو ما قد يترتب عليه الكثير من تراجع الصدى والوزن السياسي.
مقاطعة حتى الآن أثبتت الوزن السياسي المؤثر للمعارضة الراديكالية، دون اللجوء للعنف، حيث تتراءى انتخابات عزيز المنتظرة باردة ودون منافسة جادة، فبيرام يهدد وبيجل تعود على ظل الأنظمة، وما سوى ذلك من المنافسين يحسن عنه السكوت.
إذن انتخابات أحادية تقريبا، وبلا مصداقية، وهي مجرد سرك لتمرير نظام العسكر ومرشحهم.
مما يعني وأد الديمقراطية تدريجيا، والاكتفاء بالشكل بدل الجوهر.
أجواء انتخابية قد لا تخدم شعار الديمقراطية في موريتانيا، وإنما ستتحول هذه الانتخابات الرئاسية إلى وسيلة مكشوفة لتجديد عهدة الحاكم العسكري الحالي، مما يعري ما بقي من متاجرة بالشعار ويؤكد عدم جدية النظام في تكريس تعددية حقيقية.
ومع تواصل هذا المسار قد تحرز المعارضة الراديكالية، ممثلة في المنتدى المزيد من الدعم الداخلي والخارجي، سيزيد من عزلة النظام وقد يفتح الباب للتغيير، قد لا يخلو من احتجاجات متصاعدة وضغوط شعبية ونخبوية متوقعة، ولو بعد الاقتراع الهزيل، في 21 يونيو2014، إن لم يقتنع ساكن القصر بضرورة مراجعة الموقف الانتخابي وتأجيل موعده الحالي.
سلبيات ونواقص سيتجاهلها النظام العسكري الحالي، كما تجاهلها ولد الطايع في انتخابات1997 ، وكما كان يحاول إغفالها عزيز من خلال انتخابات6/6/ 2009.
واليوم من الراجح أن يقبل عزيز على مهزلته الانتخابية دون مراعاة لأثرها السلبي على مستقبل الديمقراطية الموريتانية وحاضرها، إن صح هذا الإطلاق، ودون مراعاة لعدم رغبة الكثيرين في انتخابات رئاسية لا تحظى بالإجماع أو شبه الإجماع على الأقل.
إن الدول والمجتمعات لا تسير –بضم التاء- بيد واحدة، ومن المرجح أن هذه الانتخابات المحاصرة ستزيد من أزمة البلاد في كافة المجالات، وهو ما يعني ازدياد عزلة النظام حتى لو أفلح في تكريس إقتراع لصالحه، فإن الضغوط والتحديات ستتفاقم على رأسه بعد الخروج مباشرة من السرك الانتخابي الضعيف السبك والإعداد.
إن هذا التعمد على الإقصاء والخوض في الشأن الوطني بمستوى محدود جدا من المشاركة يطعن في مدى وطنية ولد عبد العزيز وقيادة المؤسسة العسكرية التي تدعمه في هيمنته على كرسي الحكم، فإقامة انتخابات رئاسية في هذا الحيز الضيق من الإقبال السياسي يترجم في المقابل مدى الاستخفاف بشريحة واسعة ومهمة من الناخبين الموريتانيين، وهو تصرف لا يشى باحترام الآخر ولا تقدير الرأي الآخر ولا الحرص على إشراك جميع المواطنين في قضايا وطنهم.
إننا مطالبون كل من موقعه بتفعيل المقاطعة مع مضاعفة التوجيه السلمي لهذا النظام العنيد القائم، عسى أن يتوب من تلاعبه بقضايانا الوطنية.
فالشروع في جو انتخابي بهذا القدر من المشاركة الشكلية المهلهلة يعني إطلاق رصاصة الرحمة على الأقل على الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث لا تتعدى فرصة تمرير وترسيخ لحكم العسكر، دون مباركة على الأقل من طرف أغلب مكونات المشهد السياسي الوطني.
إن هذا الاقتراع الرئاسي سيحول بشكل حقيقي ديمقراطية موريتانيا إلى ديمقراطية ديكور فحسب، وسيضرب في العمق دعاوي وشعارات التعددية والحوار وغيرها، وهو واقع سيفضح على وجه بين ديمقراطية العسكر المزيفة الخادعة المأزومة باستمرار.
لقد ضحى رموز المعارضة برغباتهم الشخصية من أجل مشاركة بعضهم في السباق الرئاسي مقابل مصلحة العملية السياسة الوطنية، وهذا شيء جميل يذكر فيشكر، وهي تضحية منحتنا فرصة إلجاء وحشر نظام العسكر في الزاوية، مع ما قدمه موقف مسعود وحزبه المقاطع هو الآخر، فهل تنتهز معارضتنا الضعيفة المفعمة بالتناقضات الداخلية الفرصة الراهنة لتقوية لحمتها، خصوصا مع أجواء المقاطعة والانسحاب من المسرح الانتخابي الرئاسي، لتصبح لاعبا حقيقيا يعزز الأمل في الخلاص من ألم نظام الاستبداد بالرأي والاستحواذ على الثروة العمومية؟.
سؤال كبير ينتظر جوابا عمليا حتى لا يفقد الموريتانيون الأمل في نظامهم ومعارضتهم على السواء، وهو أمر بات غير مستبعد إن لم تتغير الأحوال بسرعة نحو الأفضل، أو ما يحسن السكوت عليه على الأقل.
إن إصرار ولد عبد العزيز على خوض الانتخابات مجددا في ظل المقاطعة سيدخل البلاد في دوامة من التأزم الانتخابي بوجه خاص، خصوصا بعد أن أفرزت الانتخابات الأخيرة جمعية وطنية برلمانية دون قدر مريح من التعددية في الأحزاب والآراء والتوجهات، بل غابت أصوات قادرة على إيصال الرأي الحر بكل جرأة وتماسك، وحل الصمت المطبق تقريبا بل الضجيج الايجابي تحت قبة البرلمان.
واليوم تنتظر موريتانيا حملة رئاسية باهتة -إن لم تؤجل الانتخابات- وسط حالة من المقاطعة وعدم الثقة في المعروض الانتخابي الهزيل، عزيز معروف البضاعة، الشعارات والاتهامات في أغلب الأحيان، وبيجل دعي زعامة نضالية لم يتقنها قط، بقدر ما نجح في جمع مال مشبوه على الأقل من جراء استغلال الوظائف والتقرب من الأنظمة المتعاقبة، وهو من أكبر المساهمين في خلق كتلة (معارضة النظام)، أي تلك المعارضة التي تخدم النظام وتمرر خياراته، وصار عرف بالعنصرية والترويج لتيارها الجارف، وساهم بشكواه ضد الزميل حنفي في توريط قلم صحفي متميز في أتون السجن والمعاناة المرهقة التي لا تنسى، ولاله مريم يقول البعض إنهم اجبروها على الترشح، لغرض الترويج لإسهام المرأة في كل حلبة وميدان.
في مثل هذا الجو الضعيف من الترشحات لا ينتظر المراقب مشهدا انتخابيا جادا، بقدر ما يترجم هذا التدني في مستوى الإقبال على الترشح وعي النخبة المعنية بالترشح لهشاشة اللعبة وعريها الكامل أمام الناظرين.
فلا يجرؤ عاقل حازم على الدخول في ورطة ومأزق انتخابي معروف العواقب والنتائج المحسومة سلفا.
أما عزيز فقد لا يزعجه مأزقه الانتخابي المتواصل، منذ انتخابات2009 وإلى اليوم، والمهم عنده الحفاظ على الكرسي، ولو كان ذلك على حساب البلاد والعباد.
فإحساسه الوطني، بات في حد يرثى له، وفي مثل هذه الأجواء الإقصائية تكاثرت مبادرات التفاهة، التي تحدثت بصراحة باسم القبائل والقرى والوديان وحتى الأشخاص أحيانا، فإلى أين نسير؟!.
عبدالفتاح ولد اعبيدنا