فيلم الموريتاني عبدالرحمن سيساغو..كليشيهات ضد التطرف
يأتي فيلم الموريتاني عبدالرحمن سيساغو الذي عُرض في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، وهو الفيلم العربي الوحيد المشارك في هذه المسابقة، ويسلّط الضوء على موضوعة التطرّف والإرهاب الديني الذي ينخر المجتمعات اليوم، وفي كل بقاع الأرض.
هذه الموضوعة المتناولة كثيراً في السينما في الفترة الأخيرة تأتي انعكاساً لما يحدث من تفكّك سياسي واقتصادي وثقافي وتعليمي امتّد، ولا يزال، في صميم الحياة اليومية للإنسان العربي العادي عموماً، والمسلم بشكلٍ خاص.
وإن ينقلنا سيساغو إلى تمبكتو في رحلة شاقة ومتعبة محفوفة بالألم؛ فإنه في ذات الوقت يضع كل أشكال التطرّف في سلّة واحدة، لدرجة أن تنقلب في أحايين كثيرة إلى كليشيهات صارخة، تأتي الواحدة تلو الأخرى في تداعيات ربما لا تكون في صالح مجريات الأحداث.
قوانين تعسفية
عندما تأتي جماعة إسلامية متطرفة إلى تمبكتو وتعشش خلاياها الناشطة فيها، تبدأ ملامح المدينة بالتغيّر؛ بدءاً من مطالبة النساء بلبس النقاب وقفازات اليد، مروراً بتحريم الموسيقى، وكرة القدم، وفرض قوانين تعسفية بعيدة عن منطق الشريعة، يبدأ أهالي القرية بالتذمّر ومحاولة مقاومة ما يحدث.
هذا التغيير لا يكون شفاهياً على شكل نصائح أو فهم متعمّق للدين، ولكن تطبّق بأفعال قاسية من قطع أياد ورجم وجلد.
هذه المدينة التاريخية التي تعد من أهم العواصم الإسلامية في غرب أفريقيا، والتي ازدهرت بالثقافة والعلم، وكذلك الغزاة على مرّ العصور، ويتحدّث سكانها لغات ولهجات مختلفة، من أعراق متباينة، هي اليوم أمام لون واحد حالك وحيد لا يستوعب هذه الفروقات في المعرفة والثقافة الدينية؛ فبينهم أصلاً المتشدّد، والمعتدل، ولكنهم يعيشون جميعاً في انسجام واضح.
انفتاح وصرامة
عندما يقتحم المتشدّدون الجدد مسجداً، يعترض الإمام على دخول سافرٍ مثل هذا، وبفطنة الحكيم يُحرج قائدهم عندما يوبخه بدخول المسجد منتعلاً، وحاملاً السلاح. هذا الصوت العقلاني للإمام، المنفتح، والمفتوح على استيعاب الدين وتعاليمه السمحة هو المعادل الجميل والحقيقي الذي يخطّ له الفيلم مساراً موازياً لصرامة التكفيريين الجهاديين.
خط معتدل
وبالمثل، يرسم الفيلم خطاً معتدلاً آخر في بادية ليست ببعيدة عن تمبكتو عندما نتعرّف إلى عائلة مؤلفة من زوجين وطفلة.
الزوج «كيدان» عازف غيتار، وزوجته «ستيما» وطفلتهما الرائعة «تويا». هذه العائلة التي تشكّل أنموذجاً مثالياً لفكرة العائلة «الصحيّة» إن جاز التعبير، فالأب يعشق ويحترم «نساءه» في رسالة واضحة إلى ثقافة وعادات السكان تجاه المرأة، وما يحدث بالمقابل ضدّها الآن في تمبكتو.
«كيدان» يمتلك قطيع أبقار يرعاها الطفل «إيسان» صديق «تويا»، ويذهب في جولات بين حين وآخر للعزف في مدن مختلفة. يترك النساء خلفه في بادية هجرها سكانها لحياة أفضل، بينما ظلّ هو متمسكاً بأرضه، ولون سمائه.
في غيابه يأتي قائد الجهاديين محاولاً استدراج زوجته بالقبول به زوجاً بدلاً عن زوجها المعدم. في إحدى جولات «إيسان» في رعي الأبقار، تنطلق بقرة خارج السرب، وتعلق بشباك صيد في نهرٍ قريب يمتلكها «أمادو»، الذي لا يتوانى بدوره في قتل البقرة برمحٍ حادّ.
هذه الحادثة تقلب حياة «كيدان» تماماً، فيهرع إلى توبيخ «أمادو» ومعه مسدس، ليدخل معه في شجار ينتهي بقتله فيدخل السجن، وينتهز قائد الجهاديين هذه الفرصة ليصل إلى مراده، الزوجة.
لغة بصرية
الفيلم الموريتاني «تمبكتو» هو الفيلم العربي الوحيد المشارك في المسابقة الرسمية، في مشاركة ليست الأولى لمخرجه عبدالرحمن سيساغو، الذي سبق وأن شارك في قسم «نظرة ما» بفيلم «في انتظار السعادة» في 2002، وفي قسم خارج المسابقة مع «باماكو» في 2006. وسيساغو يتعامل مع الفيلم بلغة بصرية هادئة، راكزة، عقلانية، وفيها الكثير من الذكاء.
عندما يتم تحريم لعب كرة القدم في المدينة من قبل المتشددّين، يخلق مشهداً رمزياً رائعاً، حيث يقوم أولاد القرية بلعب مباراة من دون كرة، حينها يعبر الجهاديون الملعب دون حيلة. هذا التعامل المضاد للأطفال في التصرّف يرمي إلى الصلح الداخلي، والسلم في الرّد على التشدّد.
البيان