فتات المبادرات!!
إنهم في كل يوم يصبحون على مبادرة داعمة أو مطالبة بترشح الرئيس عزيز لمأمورية ثانية، ويمسون على مبادرة أخرى، وإن استمر بهم الحال على ما هو عليه، أي أن يصبحوا في كل يوم على مبادرة، وأن يمسوا في كل يوم على مبادرة، فربما يموتون وهم على مبادرة داعمة، ويبعثون على مبادرة مساندة..
إنهم ليثيرون الشفقة حقا.. إنهم ليثيرون السخرية حقا.. فيا أيها المبادرون بالليل والنهار أشفقوا على أنفسكم قليلا، فالرئيس عزيز لم يسر لأحدكم ـ حسب علمي ـ بأنه لن يترشح لمأمورية ثانية حتى تطلقوا كل هذا السيل العارم من المبادرات والذي كاد أن يجرف آخر ما تبقى لديكم من عزة نفس ومن كبرياء، إن كان قد تبقى لكم شيئا من ذلك. إن ما يحدث الآن من عودة مفزعة إلى عهد المبادرات ليستدعي تذكير المبادرين بجملة من الحقائق والملاحظات لعل من أهمها: 1 ـ إن على المبادرين خاصة منهم العلماء والمشايخ أن يعلموا بأن رزقهم ليس في صالات الفنادق، ولا تحت خيام المبادرات، وأنه ليس أصلا بيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز حتى يعطيه أو يمنعه، وعلى كل واحد منهم همَّ بتنظيم مبادرة أن يتذكر الآيات الكريمة: “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ”.. “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ”. صدق الله العظيم. 2 ـ إن على الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يعلم بأن نظام معاوية لم يكن ينقصه في الأسبوع الأخير الذي سبق الانقلاب عليه من ينظم له مبادرة دعم وتأييد، ولم يكن لينقصه أيضا من يعلن عن انسحابه من المعارضة بعد دراسة عميقة، وبعد تأمل طويل عريض للمشهد السياسي. فهذه المبادرات، وهذه الانسحابات من المعارضة إلى السلطة الحاكمة ليست دليلا على قوة النظام بل إنها قد تكون أقوى الأدلة على ضعفه، فعندما يلجأ نظام ما إلى هذه المبادرات، فذلك يعني بأنه قد أفلس ولم يعد قادرا على إقناع المواطنين بانجازاته الميدانية، ولذلك فهو يضطر لإثبات وجوده من خلال اللجوء إلى المبادرات الداعمة، وإلى بيانات الانسحاب من أحزاب المعارضة إلى الحزب الحاكم. وللتذكير فإن الذين كانوا يتنافسون في ولاية الحوض الشرقي أسبوعا قبل الانقلاب على معاوية لاستقباله بالتصفيق والتطبيل وبالزغاريد في زيارته المنتظرة آنذاك، كانوا هم أول من نظم مسيرة تأييد ومساندة للمنقلبين عليه، بل إنهم لم يتركوا بتزاحمهم في مسيرات التأييد والمساندة للانقلاب أية فرصة لظهور المعارضين الحقيقيين لنظام معاوية في تلك المسيرات. 3ـ إن نخب هذه البلاد، خاصة الأطر، هم الذين افسدوا كل شيء في هذه البلاد، وهم الذين تسببوا في انهيار القيم والأخلاق، فالأطر يطبلون لكل حاكم ما دام في السلطة ويخذلونه دائما عندما يسقط، ومع ذلك فهم لا يجدون من يحاسبهم على ذلك. إنهم دائما هناك في وظائفهم لا يؤدون واجباتهم الوظيفية لإثبات دعمهم ومساندتهم للنظام الحاكم، بل إنهم يقصرون دائما في أداء مهامهم، ويعوضون ذلك النقص بتنظيم المبادرات الداعمة، وباستنفار قبائلهم وسكان قراهم ومدنهم في مواسم المبادرات والزيارات التي قد يؤديها الرئيس إلى قراهم أو مدنهم. فهل سمعتم يوما ما بأن أطر قرية ما أو مدينة ما قد اجتمعوا في فندق لتدارس أفضل السبل لتنمية قريتهم أو مدينتهم؟ هل شاهدتموهم يوما ما يطلقون قافلة صحية لعلاج ضعفاء مدينتهم؟ هل رأيتموهم يوما ما وهم ينظمون أنشطة ثقافية في قريتهم أو مدينتهم؟ إنكم لن تشاهدوهم إلا في مواسم مبادرات الدعم أو أثناء الزيارات الرئاسية، أما في غير تلك الأوقات فإنهم منشغلون بسرقة ونهب ثرواتكم وأموالكم. 4 ـ يكفي لتأكيد نفاق القائمين على هذه المبادرات وعدم صدقهم ولا إخلاصهم فيما ينظمون من مبادرات أنهم كثيرا ما يلجؤون إلى تسميات هم يعلمون بأنهم أكثر الناس حاجة إلى تمثلها : مبادرة الصدق ..مبادرة الوفاء ..مبادرة الإخلاص .. مبادرة التضامن ..جامعيون من أجل موريتانيا.. عليكم أن تفتشوا عن كل شيء في هذه المبادرات إلا عن الصدق أو الإخلاص أو الوفاء أو التضامن أو مصلحة موريتانيا. 5 ـ رغم أن كلمة مبادرة قد تحيل إلى شيء من التجديد والإبداع إلا أن ما نشاهده اليوم من مبادرات ما هو إلا تقليد لما كنا نشاهد من مبادرات منذ ما يزيد على عقد من الزمن، فما زالت كلمة الدعم اللامشروط تتكرر مع كل مبادرة، وكم كنا نتمنى أن تخرج مبادرة واحدة على النص، فيقول أصحابها بأنهم يدعمون الرئيس عزيز ولكن بشرط: أن يشيد مستشفى في مدينتهم مثلا، أو بشرط أن يشق طريقا إلى قريتهم، أو أن يسقيهم من عطش..أو ..أو. كان على المبادرين في العام 2014 أن يأتوا بالجديد، وكان عليهم أن يعلموا بأن مشكلة الرئيس عزيز ليست في أنه قد يجد منافسة في انتخابات 21 يونيو، بل مشكلته الأساسية في حاجة منافسيه للمصداقية ولإثبات جدية التنافس، ولذاك فكان على المبادرين أن يتبرعوا بمبادرة أو باثنتين لكل واحد من “منافسي” المرشح عزيز ليضفوا بذلك مسحة تنافسية على مسرحية 21 يونيو، حتى ولو كانت تلك ستبقى مجرد مسحة هزيلة لن تقنع أحدا. 6 ـ على المبادرين أن يعلموا بأن اليوم لم يعد كالأمس، وأنهم إذا كانوا قد نجحوا بالأمس في محو الكثير من أرشيف تصفيقهم وتطبيلهم لمعاوية، فإن ذلك لم يعد ممكنا اليوم مع انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ومع وجود اليوتيب، ومع وجود كم هائل من المدونين الموريتانيين والذين بدأ بعضهم يفكر ـ وبشكل جاد ـ في تنظيم مبادرة ليس كمبادراتكم، إنها مبادرة تُعنى بتوثيق وأرشفة تطبيل وتصفيق المبادرين، وكشفها للناس، في الأوقات الحرجة التي سيحاول فيها المطبلون والمصفقون أن يتبرؤوا من تصفيقهم وتطبيلهم للنظام “البائد”. حفظ الله موريتانيا.. محمد الأمين ولد الفاضلِ